مسرح العبث في ليبيا .. تأملات حول «فجر الأوديسا»...(1) رباح الصادق طال بليبيا مسرح العبث المنصوب، أربعة عقود من العبث، لا تنتهي إلا ليبدأ العبث. تماما مثل الأوديسا، رحلة أوديس الطويلة، تبدأ بفجر ذي أصابع وردية تعكس عدم النضوج، وتنتهي بفجر ذي أصابع وردية يوم قتل الخطّاب. وهنا، تبتديء رحلة ليبيا بأصابع تقطر دما يوم جاء العقيد، وتنتهي بأصابع تقطر صديدا يوم قُتل العقيد. فيا حسرتاه على العباد! في أوائل مارس الماضي، وكانت الأرض تميد تحت أقدام طواغيت العرب حيث ذهب بن علي في يناير ومبارك في فبراير وضجت ليبيا واليمن وسوريا والبحرين وتململ البقية، تداول الناس ما قاله الفلكيون من أن 19 مارس الوشيك سوف يشهد اكتمال البدر في أقرب مسافة بين كوكب الأرض والقمر منذ العام 1992م، مما يعتبر فرصة لالتقاط صور للقمر في أكبر حجم له، وهو ما يسميه الفرنجة بالسوبرمون super-moon وسنسميه القمر البهى، وهي ظاهرة فلكية تتكرر بشكل غير منتظم نتيجة لوقوع القمر في حالة اكتماله في أقرب مسافة بين مداره البيضاوي وبين الأرض، ويحذر فلكيون من أن قرب القمر بتلك الدرجة يتسبب في حدوث الزلازل والبراكين، فحينما حدثت في 2005 كانت كارثة تسونامي، وخاف الناس مما سوف يحدث في ذلك اليوم، ولكن عالما بالمركز العالمي لعلم الفلك يدعى بيت ويلز تشكك من تلك التحذيرات وقال إنه لا علاقة بين ظاهرة القمر البهي والكوارث الطبيعية وهذا يعود لنظرية المؤامرة فحسب! وأكد أنه في 19 مارس لن يحدث سوى زيادة في المد والجزر، ولكن في ذلك التاريخ بالتحديد بدأت عملية «فجر الأوديسا». «فجر الأوديسا» هي العملية الأمريكية لتعزيز قوات حلف الناتو في عمليتها الأولية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1973) بحظر الطيران على أجواء ليبيا والممتدة في الفترة (19-31 ) مارس 2011م. قال إريك إليوت، الناطق الرسمي باسم قوات أفريكوم المسئولة عن عملية «فجر الأوديسا» إنها سميت بطريقة عشوائية فهي محض هراء nonsense أنتجته وسيلة التسمية الرمزية العشوائية في البنتاغون ولا معنى لها البتة، فناموا ملء جفونهم عن شواردها، بينما سهر الخلق جراها واختصموا! ومع أن قوات حلف الناتو المشاركة في الحرب اتخذت تسميات مغايرة: البريطانية سمتها «عملية إلامي»، وكندا سمتها «عملية موبايل»، وفرنسا سمتها «هارماتن» أي «الرياح الحارة الجافة التي تهب من الشمال الشرقي أو الشرق في الصحراء الغربية». إلا أن الاسم الأشهر والذي حرّك الخلق وسبب خصومتهم كان اسم «فجر الأوديسا» وتاريخها: 19 مارس. أمريكا محكومة بالرمز بشكل مريب. والمطلع على روايات الكاتب الأمريكي دان براون، تحديدا، «الرمز المفقود» والتي يتناول فيها إرث الماسونية في الولاياتالمتحدة ودور الرمز في تلك الأخوية وكيف أثرت رموزها في التاريخ والتراث الأمريكي، سوف يصعب عليه تخيل أن تكون تسمية فجر الأوديسا محض هراء أنتجته الحواسيب في توليدها العشوائي للرموز. وفي بعض المدونات المعنية بالتاريخ جرى نقاش مستفيض لمغزى التسمية ومغزى يوم 19 مارس، وللأسف فإن معظم النقاش العميق كان بالإنجليزية وكان النقاش بالعربية فقيرا فقر عوالم السجم والرماد، يا حسرتاه على هذه البلاد! أشار بعضهم لمغزى التاريخ فلكيا من تطابق حالة القمر البهي مع اليوم السابق للاعتدال الربيعي (20 مارس)، مع (19) مارس يوم الاحتفال بمينيرفا (أثينا) وكان اليونانيون يمجدونها للحكمة والرومان للحرب. وأشاروا لأن حروبا كثيرة تشن في هذا التاريخ كنوع من الطقوس الشعائرية الغامضة للتضحية بالدماء البشرية والقتل والدماء باعتبار أن هذا يمنح أصحاب الفرق الباطنية المعنية (الأخويات) سلطة عظيمة، وقد شنت الحرب على العراق كذلك يوم 19 مارس. وأشار آخرون للاسم: الأدويسا، المأخوذ من ملحمة الشاعر اليوناني الأشهر هوميروس (وشخصية القصة الرئيسية تدور حول البطل اليوناني أوديسيوس البادئة من حرب طروادة واستمرت لمدة عشر سنوات)..(كذلك كانت الولاياتالمتحدة تشارك بنشاط في الحرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط في الفترة من 2001 حتى 2011 لما مجموعه عشرة أعوام)..(وعلاوة على ذلك، ينظر إلى هذه الملحمة في العديد من الجمعيات السرية والاخويات المستنيرة كنص أصلي باطني مهم). فأوديسيوس بعد رحلته الطويلة منذ حرب طروادة حتى عودته لإيثاكة وفتكه بالخطاب الذين كانوا يحيطون بزوجته ويضيعون ثروته كان تحت حماية أثينا (مينيرفا) التي كانت (طيلة هذه المدة تلوّح بترسها البراق الحامي من عل، فتساقط الخطّاب كما تتساقط العصافير وقد بددتها ومزقتها النسور) (الأوديسا، ص 257، ترجمة عنبرة سلام الخالدي). وأودوسيوس سماه جده لأمه أوتوليخ قائلا: «أتيت هذه البلاد وأنا اتقد غضبا على الكثيرين من الرجال، فليكن اسمه أوديسيوس: رجل الغضب» (ص239). أليس التطابق بين تلك الرموز وتاريخ الحملة، صدفة غريبة؟ تطرق الكاتب اللبناني السيد حازم صاغية في مقال بصحيفة (الحياة اللندنية)، 22 نوفمبر، للأحداث البشعة التي رافقت نهاية القذافي بعنوان (وحشية الناتو) ونفى أن يكون ما حدث للقذافي عائدا للناتو بل هو من بنات فظائعنا وهي الفظائع ذاتها التي جعلت القذافي يبقى في الحكم لمدة (42 ) عاما ولم يكن ذلك بسبب تآمر المتآمرين. صدق صاغية، في مسرح العبث الذي جرى يوم مقتل القذافي كان ذلك بيدنا. وصدق صاغية، كثيرا ما نغرق في وصف فظائع الآخرين ونهرب من مواجهة المرآة لئلا نرى البعبع الفظيع الذي رأته (الخالة قرشانة) خالة ثعلوب المكار بقصص ميكي جيب يوم نظرت فيها! وصدق صاغية، لم تكن لوحشية الناتو علاقة بمقاطع الفيديو البشعة التي تمت مداولتها فذلك كان بيد ثوار، مسحوا العار بالشنار، كغاسل الدماء بالصديد! ولكن ليس صحيحا جدا.. أن الناتو برئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب! كتب مدون، لعله أمريكي شارحا رمزية الفجر في ملحمة الأوديسا، وقال إن مجازية الفجر تتحول طوال رحلة أوديسيوس من عدم النضج، للنضج، للنوال، مما يدلل على تطور قوة أوديسيوس وتحقيقه للمكاسب بعد تذليله للعقبات، ويبين أيضا كيف تتقدم مجازية أشكال الفجر خلال الرحلة. وعلّق آخر قائلا: إذا كان أوديسيوس قد فقد كل رفقائه في رحلته الطويلة فإنه كان يعلم هدفه، فهل يعلم الناتو هدفه في ليبيا؟ الهدف المعلن حماية المدنيين، الهدف المبطن ابتلاع غاز ليبيا ونفطها وإزالة ذلك الهوس والجنون الذي برغم صحبته الأخيرة فجانبه غير مأمون! والله أعلم، هل أحل الناتو جنونا بدل جنون؟ وهذا ما سوف نناقشه مرة أخرى بإذن الله! وليبق ما بيننا الراي العام