تقرير: تهاني عثمان : انها الدنيا وضجيجها.. والكل يأتونها يصرخون في العادة الا تلك الطفلة التي جاءتها في صمت مطبق منع دخول الهواء الي منافذ رئتيها، مما كان سببا في اخضاعها الي التنفس الاصطناعي.. لتعاني بعدها من التهاب متكرر قبل ان يتم تشخيصه بعد اربعين يوماً من تاريخ مولدها بأن ما كانت تعانيه انما ناتج عن وجود ثقب في القلب، ليحملها والداها من مدينة كوستي الى الخرطوم، لتتكسر آمالهم بسماع أرقام تكاليف العملية، قبل ان يغادروا بها الي ود مدني لاجراء عملية جراحية على يد خبراء اجانب متطوعين، وينتظم نبض قلبها البض ويتدفق الدم منتظماً في شرايين واوردة انهكها اعتلال القلب.. انهم حوالى «600» طفل بالبلاد يعانون من امراض القلب التي اصبحت تمثل القاتل الاول بالبلاد، وتنافسها في ذلك حوادث المرور، وعالمياً «171» نسمة يلقون حتفهم كل عام بامراض القلب والنوبات القلبية والسكتات الدماغية، وفي السودان 20% من مرضى القلب يموتون بسبب السكتات الدماغية والجلطات. وتصدرت امراض القلب قمة قائمة الوفيات بالبلاد، وتعد التغذية الخاطئة هي السبب وراء ازدياد نسب الاصابة بامراض القلب، فقد أوضح اختصاصيو التغذية أن عدم الانتظام في تناول الوجبات وتناول الوجبات الدسمة، يسبب السمنة عند النساء، هذا مع زيادة عدد المدخنين من الرجال والتوتر النفسي، اضف لذلك الأساليب الخاطئة في تناول الشاي والقهوة والمشروبات الغازية. وتعد امراض القلب من الامراض المكلفة جداً، اذ تقدر التكلفة الكلية لعملية قسطرة القلب ب «5» آلاف دولار، وتكاليف العملية الجراحية للقلب المفتوح «10» آلاف دولار، ونجد أن السودان قد تأخر كثيراً في تنظيم خفقات قلبه الى ان انشأ في عام 2000م مركزاً متخصصاً لأمراض القلب. وكان المدير العام لمستشفى الشعب المستر احمد السيد قد أفاد «الصحافة» في حديث سابق بأن المستشفى يواجه زيادة سنوية تصل الى 20%، وترجع هذه الزيادة الى التحسن الذي حدث في الخدمات الطبية، وإن كانت لا ترقى الى المستوى المطلوب، ولكنها الآن افضل بكثير مما كانت عليه في الماضي، بالاضافة الى التحسن العام في الوعي بالصحة لدى المواطن، وهذا لم يمنع ان تكون اكثر الحالات القادمة للمستشفى حالات متأخرة، وفي مستوى امراض القلب نجد أن هناك تقدماً بطيئاً في عدد الاطباء لا يغطي حتى احتياجات البلاد من الاختصاصيين في وقت ترتفع فيه نسب الإصابة بأمراض القلب بالبلاد، هذا في وقت يكون فيه اطباء القلب مطلوبين على مستوى العالم وبمرتبات توازي عشرة اضعاف الى عشرين ضعف راتب الطبيب العامل في السودان، ويضيف السيد قائلاً: «إننا نعاني من هجرة العقول لأن كمية مقدرة من اختصاصيي القلب الآن يعملون خارج البلاد ونواجه نحن نقصاً حاداً». وفي ما يختص بتصنيف نوعية المرضى يضيف قائلاً: «كان عدد الرجال يفوق عدد النساء بفارق كبير سببه التدخين، ولكن في الآونة الأخيرة أخذت نسبة النساء في تزايد بسبب إصابتهن بالسمنة وتناول الدهنيات، مما أخذ في تقريب النسب، وان كانت امراض القلب تصيب كبار السن بصورة اكبر، الا انه في الفترة الاخيرة ظهرت اصابات عند الشباب ناتجة عن الاهمال وعدم المحافظة على نسبة السكري في الدم وعلى ضغط الدم، وارتفعت الاصابات عند الاطفال التي تكون عادة على نوعين، اما امراض وراثية او امراض ناتجة عن تدخين الأم الحامل او التهابات الحمى الروماتيزمية، وهذه يمكن منعها لأنها تأتي نتاج تكرار التهاب اللوزتين، وعند الأطفال تكون اصابتهم بامراض القلب بطريقة غير مباشرة، فتأثير التهاب اللوزتين يظهر على القلب بعد عشر سنوات. وفي اتصال هاتفي ل «الصحافة» بمدير مركز ود مدني لامراض وجراحة القلب الدكتور عبد الله الامين الشيخ، قال ان مرض القلب هو مرض العصر الحالي، والسودان كان في السابق استثناءً من هذه الامراض، حيث تنتشر فيه الملاريا والبلهارسيا، ولكن حدث تغيير كبير في نمط الحياة ونمط الغذاء، واصبحت الذبحات القلبية تصيب نساءً في ثلاثينيات العمر بعد أن كانت محصورة في الرجال فوق عمر الخمسين عاماً، وحالياً الوضع في السودان والدول المتقدمة واوربا الغربية سواء في انتشار امراض الشرايين التاجية، ولم تعد بالبلاد تلك الامراض التقليدية بل اصبحت تمضي نحو الاندثار، وتصدرت بدلاً منها حوادث المرور وأمراض القلب قائمة اسباب الوفيات، ونستقبل حالياً في مركز ود مدني حوالى «700» إلى «800» مريض في الشهر، مع أن المركز في بداياته كان يستقبل حوالى «150» حالة فقط في الشهر كحد اقصى، وهم مرضى من مختلف الاعمار من عمر يوم، وتنحصر جملة الأمراض بين الشرايين والعيوب الخلقية والحمى الروماتزمية. واضاف دكتور عبد الله أن أمراض القلب كانت تصيب الرجال بصورة اكبر، ولكن دخلت النساء منافساً خطيراً في امراض القلب باصابتهن بامراض الحمي الروماتزمية، وتعد امراض الشرايين التاجية من أكثر امراض الرجال، بينما يتساوون في أمراض العيوب الخلقية. ويضيف أن هجرة الكوادر الطبية اثرت كثيراً على البلاد، وخلقت نزيفاً مستمراً خاصة للكوادر المؤهلة، وتعاني البلاد بأكملها من نقص في المتخصصين في مجال التخدير ونسعى في المركز الى معالجة ذلك النقص من خلال الاستعانة بالكوادر الطبية العاملة في المستشفى العسكري.