تراسيم.. الحساب ولد ياشيخ !! عبد الباقي الظافر عندما ولج اللص الشهير إلى بيت الدكتور قطبي المهدي كاد أن يغمى عليه.. اللص وجد أمام ناظريه عملات أجنبية من كل الأنواع.. ستة وعشرين ألفاً من الدولارات الأمريكية.. وشيء من الفرنكات السويسرية.. وبعض من اليورو الأوربي.. التقييم الرسمي أكد أن قيمة العملات تجاوزت ثلث المليار بحسابنا القديم.. السائق البائس كان يطمع في بضعة ألوف من الجنيهات السودانية توفر له مقدم قسط الإسكان الشعبي. الإنقاذ حكمت بإعدام الشاب مجدي محجوب لأنه وجدت في خزنة منزله مبالغ 782 دولار أمريكي.. الثورة القاهرة لم تهتم لتوسلات والدته المفجوعة.. ولا تبريرات الشاب التي تقول إن الخزنة وما فيها جزء من ميراث والده رجل الأعمال الذي توفي قبل سنوات قلائل.. آخر ما طلبه الشاب مجدي قبل أن يعتلي المقصلة كوب من الشاي الأحمر. لم يصدر رئيس القطاع السياسي بالحزب الحاكم توضيحاً عن هذه العملات الأجنبية المتناثرة في بيته.. ربما في تقدير الدكتور قطبي أن الأمر لا يستحق.. وأن وجود مثل هذه الأموال أمر عادي.. رغم أن الخرطوم في هذه الأيام تلهث من أجل توفير نقد أجنبي.. وفي سبيل إحكام السيطرة على سوق العملات الأسود اعتقلت بعض تجار العملة. كان ظني أن الدكتور قطبي ليس من عوام هذا الشعب.. لم يمتنع عن أكل اللحوم بسبب ارتفاع سعرها.. ولم يجد مصاعب في توفير وجبة إفطار تلميذ لأن ابنه ليس من بين مائة وأربعين ألف طالب سوداني لا يتناولون إفطارهم بسبب العوز والفقر.. على هذا التحليل اتكأت.. وقلت لنفسي ما دام الرجل لا يشبهنا فلماذا نكدر صفو حياته بسؤال من أين لك هذه العملات الأجنبية. السيد الرئيس ذكرنا خلال مخاطبته لأهالي أمبدة أمس بمناسبة افتتاح مركز ثقافي: إن حكامنا كانوا من زمرة الفقراء.. الرئيس أكد أن أمبدة كانت منطقة عشوائية قبل بزوغ فجر الإنقاذ.. وأن قادة الإنقاذ جاءوا أيضاً من مناطق تماثل أمبدة في ظروفها.. الرئيس أشار إلى ساعده الأيمن الفريق بكري حسن صالح باعتباره من سكان الكلاكلات.. وذاكرتي أسعفتني بآخرين كانوا يشبهوننا.. الدكتور الطيب إبراهيم (سيخة) كان يسكن في مرزوق بأمدرمان في بيت لا يتمتع بخدمات الكهرباء والمياه.. والعميد صلاح كرار اتخذ من الكلاكلات مسكنا.. ومولانا أحمد إبراهيم الطاهر كانت داره في (عد حسين) مجاوراً للدكتور خليل إبراهيم. لن تكتمل المقارنة إلا بطرق أبواب الذين نزلوا مبكراً من قطار الثورة الظافرة.. العميد عثمان أحمد حسن ما زال يسكن الخوجلاب ويعمل بالزراعة.. العقيد محمد الأمين خليفة كادت أن تقرع الأجراس لبيع بيته في المزاد العلني والقائمة تطول. في تقديري أن السياسة يجب أن تفقر أصحابها إن مارسوها بحقها ومستحقها وأعرافها.. السياسية في السودان تعني البيت المفتوح واليد الممدودة لمساعدة البائس والفقير.. إلا أن الحقيقة أن معظم حكامنا الحاليين لم يزدهم الحكم إلا ثراءً.. انظروا إلى مساكنهم. التيار