تراسيم.. موت ساحر!! عبد الباقي الظافر كنا الدفعة الأكبر التي ولجت كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم في مستهل عقد التسعينات.. ولج إلى القاعة ذات صباح رجل فارع الطول.. في عينيه بريق يلمح إلى ذكاء خارق.. عرّفنا بنفسه بصورة مرحة.. قال من منكم يعرف ناوا.. في الأساطير التي يتداولها أهل شمال السودان أن هذه الجزيرة يسكنها (السحاحير).. وهذه الجزيرة قدمت الساحر محمد هاشم عوض ومن بعده الشاعر الأعظم سيدأحمد الحردلو. في يوم العيد اختارت السماء أستاذنا محمد هاشم عوض.. البروفيسور محمد هاشم كان كتاباً معطاءً لكل تلاميذه في جامعة الخرطوم.. ولكن قبل ذلك عرف في الوجدان الشعبي بأنه الوزير الذي قدم استقالته للرئيس جعفر نميري.. لم تكن تلك الاستقالة الأولى في تاريخ السياسة السودانية.. بل كانت الأشهر، فقد اعتاد الرئيس المشير نميري أن يعيّن من يشاء ويركل من المنصب من يريد.. وزير التجارة والتعاون محمد هاشم عوض فاجأ (أبوعاج) باستقالة مسببة ثم انصرف إلى مكتبه العتيق بكلية الاقتصاد.. هكذا طلّق الأستاذ محمد هاشم عوض السياسة. أذكر أنني ذهبت إليه في مكتبه أطلب منه لقاء إلى إحدى صحفنا الطلابية.. استجاب لمبادرتي دون تردد.. في ذلك اللقاء الصحفي كشف عن وجهه الآخر الزاخر بالإنجازات.. محمد هاشم عوض لعب كرة القدم وكان من أميز حراس المرمى بفريق الموردة الرياضي.. أخبرنا أنه تزوج بأفرنجية وقت دراسته في بريطانيا.. مضى في ذات الطريق الذي سار عليه مبدعنا الطيب صالح الذي صاهر الإسكتلنديين.. أما جوهرة عبدالله الطيب فقد كانت إنجليزية.. بروفيسور محمد هاشم كان يتحدث عن ابنه من تلك الزيجة، وكان وقتها الابن يلعب للفريق الوطني الإنجليزي في رياضة الرجبي..لا أدري إن كنا نعلم أين هذا الوجه السوداني المبدع. بعد أن وصل أستاذنا محمد هاشم عوض إلى سن التقاعد فجرّ أمرًا في غاية الأهمية.. هل للعالِم عمر محدد وبعده ينزوي من الحياة العملية؟.. تلاميذ البروفيسور محمد هاشم وأنا منهم كنا نرى أن يستمر العالم في عمله مادام قادرًا على العطاء.. وغيرنا كان يرى أن التدريس مثل غيره من المهن يحتاج إلى تجديد الدماء.. وأن لوائح الخدمة المدنية يجب ألا تمنح هؤلاء العلماء إلا استثناءً محدودًا. كانت اللوائح تقتضي أن يخلي أستاذنا محمد هاشم عوض منزله الحكومي في حي المطار.. هنا أيضاً اشتعلت معركة أخرى.. هل مثل محمد هاشم عوض يجب أن تطبق عليهم اللوائح العامة.. حمدت الله أن البروفيسور محمد هاشم عوض مات في ذات المنزل الحكومي الذي شهدت ردهاته وزواياه على عطاء البروفيسور محمد هاشم عوض. أتمنى أن يكون رحيل محمد هاشم عوض محطة فاصلة في تخليد ذكرى نبغاء الأمة.. أقترح أن يجتمع تلاميذ البروف المتفرقون في قِبَل الدنيا الأربع.. من لم يتمكن من الحضور كفاحاً يسجل حضوره عبر الوسائط التقنية.. نجتمع كلنا لنخلد ذكرى أستاذنا بعمل يسعى بين الناس.. أترك الاقتراحات إلى ذاك اليوم. التيار