بقلم / منصور بسيم الذويب بغداد [email protected] لست ناقداً للشعر ولا أستاذاً لعَروضه ، ولكني أتذوق المُحْسَن منه والمجاد ، فتأخذني نشوة وطرب واعتزاز ، يبعثُ فيّ طاقات كانت خامدة ، ونشاط ذهنيّ بعد تبلُّد ، ويؤجج فيّ حماسة وطنية بعد ضعف واستكانة ، ويجلو قلبي إذا ما علاه صدأ ، ويزيد إيماني إذا تطرق إليه نقص ، ويشحذ همتي إذا ما أصابها فتور ، فكل ضرب من ضروب الشعر يوقظ في متذوقه ما يكون قد اضمحل من سجاياه وطبائعه البشرية السامية . هكذا يفعل الشعر الأصيل إذا نبع من وجدان شاعر مُجيد شاءت له الأقدار أن يولد شاعراً بالفطرة ، فينشأ مرهفاً تستفزه نظرة ، أو تستدر عطاءه الشعري ريحانة غضة ناضرة ، أو لوحة جميلة يرنو إليها فتهيِّج تفاصيلها عنده لواعج وذكريات تبعث الشوق إلى فؤاده ، فيجود بالأبيات حتى يخال إليه أن ليس بمقدوره أن يتوقف . وهذا العطاء فطري تختصه الموهبة ولا صلة له بعمر الشاعر ولا بطول السنين والأعوام التي قضاها شاعراً ، ولا حتى بالخبرة أو التجربة ، فقد يحوز الشيخ الكبير على الإبداع ، كما يحوزه الفتى الغرير . ومن هؤلاء الفتيان الشاعر الثائر محمد بسيم الذويب الذي أنفق شطراً كبيراً من سني عمره وهو يمسك بالسيف بيد وبالقرطاس والقلم بالأخرى ، ينهل ويجود بالشعر والأدب ، كما ينهل العلوم العسكرية في ذات الوقت ، فقد نظم قصيدته (حيرة) وهو تلميذ في الكلية العسكرية في بغداد ، لما يكمل بعد سنته التاسعة عشرة ، و لم تفلح الحياة العسكرية وقتذاك بخشونتها أن تنسيه الشعر والأدب ، أو أن تجعله ينسلخ من رقته وإحساسه الإنساني ، فقد شبَّ والشعر طبع من طباعه ، وصفة من صفاته ، وكان من السهولة لمن امتلك نعمة الفِراسة وقوة الملاحظة ، أن يلحظ بصمات الشعر والأدب مرسومة بألوانها المتعددة على قسمات وجهه وعلى تعابيره ، مهما كابر وتصنَّع ، ومهما حاول وجاهد . بهذه الإزدواجية والخلط غير المنسجم بين الشعر والمهام العسكرية ، استحق الشاعر محمد بسيم الذويب لقب (الشاعر الثائر) ، فقد كان يأبى أن يصطنع التجلد والقسوة والخشونة ، حينما يتطلب منه الموقف أن يؤدي واجبه العسكري ، الذي يرى أنه يتنافى مع رقَّته وشاعريته التي جُبل عليها عملاً بالأوامر وامتثالاً لصناعته التي يمتهن ، والتي لا خيار له في تركها . فكان يكابد عنتاً ، لأنه لا قِبَلَ له بعصيان الأوامر . كان الإستياء على آمريه يستولي عليه حينما تصدر له الأوامر التي تتعارض مع قناعاته الإنسانية ، لما يرى من تناقض بين كونه ضابط في ظاهر الحال وشاعر في حقيقته ، في تساوق متناقض لا يملك معه الشاعر له تبريراً أو تصحيحاً . يذكر الدكتور (أحمد مطلوب) وزير الإعلام العراقي الأسبق وأمين عام المجمع العلمي العراقي في كتابه (في الشعر العربي الحديث) حينما يتحدث عن بواكير التجديد في الشعر العراقي . يقول : (وكان من روّاده أي رواد التجديد في العراق جميل صدقي الزهاوي و الرصافي وعلي الشرقي ومحمد رضا الشبيبي . وكان تجديدهم متّزناً إلاّ ما بدا من الزهاوي الذي كان شديد الإندفاع نحو التجديد ، وكان يعاصره شاعر ثائر هو محمد بسيم الذويب الهاشمي الذي تأثر بشعراء المهجر وسار على نهجهم في شعره ونثره . فلم يستطع الدكتور مطلوب أن ينفي طابع الثورة التي جبل عليها (الذويب) والتي كانت سمة من سماته وطبع من طباعه التي تجلَّت فيها الأنفة ، ولاحت فيها عزة النفس بوضوح . درس الشاعر ( محمد بسيم الذويب الهاشمي ) العلوم العسكرية ، وزاوج ما بين الشعر والسيف ، ولم تمنعه مشاغله العديدة وواجباته العسكرية من نظم قصائده الإسلامية والعربية والإجتماعية . وهذه إحدى قصائده الموسومة (حيرة) والتي نظمها وهو تلميذ في الكلية العسكرية في بغداد ، وله من العمر بضع عشرة سنة ، تنشر لأول مرة على صفحات الجرائد الألكترونية والشبكة العالمية للمعلومات . حيرة الشاعر الثائر/ محمد بسيم الذويب حياةٌ كلها ابداً عذابُ ودهرٌ كلهُ عجب عجاب وعمر ينقضي من دون نفعٍ فساوانا به حتى الذُباب وليس لنا بهذا العمر الا طعامٌ او منامٌ او شراب أيا من يبتغي عمراً طويلاً بذي الدنيا طلابك ذاك عاب لأن العيش فيها عيش ذُلٍ وعيش الذُلِّ – لو تدري – مصاب وإنْ طلبَ الذليلُ طويل عمر بها ، فالبوم يُرضيها الخرابُ وعيْرُ الحيِّ بالإذلالِ يرضى ويرضى أنْتنَ الجيف الغُراب ******************* أرى – والمرءُ فيما قال حُرٌ - بأنْ سيكونُ للموتى حساب وان الروح خالدةٌ تُجازَى على ما فرَّطتْ ولها عقابُ وان الجِسمَ هذا سوف يفنىَ وليس له – ولي شَكٌ – إيابُ وأن لنا بذي الدنيا عذاباً وتبكيتُ الضَّمير هو العذاب فهل بحياتنا الاخرى عذابٌ ؟ كهذا أم بها العَجَبُ العُجابُ ؟ عَقاربُ وسْطَ نِيرانٍ وجَمْرٌ عظيمٌ محرِقٌ وله التهاب وحيَّاتٌ لها عَشَراتُ روسٍ وألْسنَةٍ ، ومِنْ نارِ قِبابُ و(مالِكُ) خازنٌ فيها كذاكَ آلْزَّبانيةُ الذَّينَ لهم حِرابُ لَعمْرُكَ لستُ أدري لست أدري وأين العلمُ منيَّ والجواب حنانَكَ ايها الموَلى إلهي فانِّي حائِرٌ وبِيَ اكتئابُ أفي هذي الحياة نرى شقاءاً ؟ وفي الاخرى يلاقينا العذاب ؟ فخبِّرني بحقِّك يا إلهي لِمَنْ سيكونُ في الاخرى الثَّواب وكيف نسيرُ في الدنيا إلهي لنُسْعدَ حينما يأتي المآب ؟ أنعتزلُ الأنام الى كُهُوفٍ ونعبدُ جَنْبَ من لكَ قد أنابوا ؟ ويحظى غيرنا بنعيم دُنيا تعاشره الأوانِسُ والكعابُ أنترك هذه اللذات طراً ؟ ونحيا مثلما تحيا الذئاب ؟! يُقاتلُ بعضُنا بعضاً ليحيا ؟ وأنت تُحِبُّ مَنْ للسِّلم ثابوا ؟ فمُتْ يا من تريدُ كثيرَ عِلْمٍ وخاطبْنا عسى يصلُ الخِطابُ خُلِقْتَ مِن التراب فليس عيباً اذا ما اليوم غطَّاكَ الترابُ ************************ أدَوْرَ طفُولتي باللهِ عُدْ لي لأخبرِك الذي فعل الشَّباب تعالَ تعالَ عُدْ عد لا فريداً ولكن فليجئْ معك العتاب ليجلس جنبنا فنعيد ذكرى مضت وأظن ليس لها إياب أجلْ,فلقدْ أبيدتْ من زمانٍ دفناها وقد عَظُمُ المصاب ولكن أين أنت ؟ ألا تراني انادي أين أنت ؟ ألا جواب ؟ فيا لمصيبتي ، هل أنت ايضاً دفنْت ؟ إذَنْ فقد دُفِنَ العتاب نعم فلقد تُوُفِيَّ كلُُُّ صَحْبي وسوف يموتُ في غدٍ الشَّباب فلو يجدي البكاءُ لكنتُ أبكي وكنتُ نحبْتُ لو يجدي انتحابُ ولكنْ فليَمُتْ هذا فانيِّ أراه منغِّصاً لا يُسْتطاب أيا ليْتَ المشيبُ يجئُ توّاً فأخبره بما فعل الشباب