المحامى [email protected] لقد استفحلت وتداخلت وتعقدت الأزمه السودانيه وأصبح الجميع يبحث عن الحل , البعض يراه فى ربيع الثورات الذى لم تهب اية نسمه من نسماته على بلادنا حتى الان , والبعض يراه فى تحالف كاودا الذى اشترى الوتد قبل الحمار الذكى , والبعض لازال يتمسك بنظرية (لوح الثلج) . اما أهل السلطه فهم بدورهم يبحثون عن الحل ويقولون أنهم الاقدر على تصحيح اخطائهم . الحل فى نظر الانقاذ هو قولها بأنها حكومه ديمقراطيه منتخبه , لكنها لا تمانع فى فتح الباب امام الاحزاب الكبرى لمشاركتها فى حكومة قاعده عريضه .لذلك لم تجد الانقاذ حرجا فى ان تترك أمر تشكيل الحكومه معلقا لعدة أشهر, وتنصب شراكها لاصطياد من يرضى مشاركتها من الاحزاب الكبرى , وهى ذات الاحزاب التى وصفتها الانقاذ فى بيانها الاول بأحزاب الفوضى والفشل والسياسات الرعناء , ووصفت زعمائها بالخونه الفاسدين المفسدين , جامعى المال الحرام . غير أنه لايعيب الانقاذ فى شئ أن تبحث عن الحل مع الباحثين , فالأزمه أكبر من أن يكون حلها حصرا على طرف دون الاخر , ولو كان الاخر هو صانعها , كما لا يضيرها فى شئ أن ترى فى الاحزاب خلاف ما رأته فى بيانها الاول , غير أن ما يؤسف له حقا أن تظل الانقاذ طوال الاشهر الماضيه تفاوض الاحزاب للمشاركه فى السلطه مع تمسكها بسياساتها وقناعاتها المحسومه سلفا والتى وضعت بلادنا على قائمة الدول الفاشله أمنيا وسياسيا واداريا واقتصاديا , بما يدلل بأن أهل الانقاذ لا يعنيهم من الازمه التى تمر بها البلاد الا ما يمكن أن يشكل خطرا على بقائهم فى السلطه , ولو أدى ذلك الى المزيد من الجهويه والقبليه وتفكك وتقسيم البلاد وأفقار أهلها وتشريدهم . فى محاوله لتقليل كم الاحباطات المحيطة بنا , نذكر أنفسنا بأن الانقاذ وهى تفعل ذلك لم تأت بجديد , فالتلاعب بمصير البلاد والعباد هو نهجها منذ يومها الاول , ومن شب على شئ شاب عليه . لكن ما بال الحزب الاتحادى الديمقراطى الاصل يشارك فى نهش ما تبقى من اجسادنا وجسد بلادنا !!! . من حق بل من واجب الكل أن يبحث عن حل لأزمة البلاد , وقد يكون الحل فى المشاركه فى السلطه , لكن عندما تكون المشاركه بمنظور ذاتى ضيق فتلك أزمة جديده تضاف لازمات البلاد . حتى لانظلم الحزب الاتحادى دعونا نفترض صحة ما اعلنه زعيمه بأن المشاركه املتها اعتبارات المسؤوليه الوطنيه لمواجهة المخاطر والحفاظ على وحدة البلاد , وهو ما يمكن ان نعبر عنه بأن الحزب يهدف لحل أزمات البلاد وفى مقدمتها دعم التحول الديمقراطى السلمى ، بأعتباره أساس الاستقراروالسلام والوحده والتنميه والشفافيه وسيادة حكم القانون ، ثم نحاول الوقوف على مدى صحة هذا الافتراض . بالرجوع لاتفاقية السلام الموقعه بين الاستاذ على عثمان ممثلا لحكومة الانقاذ ومولانا محمد عثمان الميرغنى بأعتباره رئيسا للتجمع الوطنى الديمقراطى ، نجد أن محورها يدور حول تحقيق التحول الديمقراطى السلمى بالبلاد بأعتباره المدخل لحل كل الازمات ، وهذا ما أكدته الاتفاقيه فى ديباجتها ومبادئها العامه , وكان كل طرف مدرك لاهمية دور القضاء فى احداث التحول الديمقراطى وحماية مؤسسات الحكم الديمقراطى , لذلك نصت الاتفاقيه فى العديد من بنودها على دعم وتحقيق استقلال القضاء , ومضى الامر لأبعد من ذلك بأن دخل التجمع فى حوار صريح مع الوفد الحكومى حول واقع السلطه القضائيه وما لحق بها من تسييس فى عهد الانقاذ وكيفية المعالجه وبالفعل تم التوقيع على الاتفاقيه وهى تنص صراحة فى أحد بنودها :-( يؤكد الطرفان على حيدة واستقلال القضاء ويدعمان ما جاء فى اتفاقية السلام حول الهيئه القضائيه من ترتيبات لاوضاعها..). لم تقف اتفاقية القاهره عند هذا الحد بل نصت على تكوين لجان مشتركه لوضع الاتفاقيه موضع التنفيذ , ومن بينها لجنه تختص (بوضع رؤيه مشتركه لترتيب اوضاع الهيئه القضائيه بما يحقق استقلال القضاء ) أوردت كل ذلك لأنه يكشف رؤيه نافذه وادراك كامل من قبل أحزاب التجمع وفى مقدمتها الاتحادى ، لأهمية استقلال القضاء ودوره فى احداث التحول الديمقراطى السلمى وحمايته . لنعود مرة اخرى للحزب الاتحادى اليوم ونراجع موقفه من استقلال القضاء لنرى العجب فى تناقض المواقف . القانونى البارز بالحزب الدكتور المحترم البخارى الجعلى وهو يتحدث عن تفاصيل مباحثات حزبه فى المشاركه أورد (..أما عن السلطه العدليه فأن الحزب الاتحادى الاصل طرح على المؤتمر الوطنى أن يرشح مائة شخصيه قانونيه ، وليست حزبيه على أن يعين المؤتمر الوطنى منها وأحد فى المحكمه الدستوريه وثلاثه فى المحكمه العليا وخمسه قضاة رؤساء محاكم استئناف وقاضى استئناف فى كل ولايه من ولايات السودان .) ان مؤدى مايطرحه الحزب الاتحادى بشأن القضاء هو ان لايستغرب المرء ان ذهب لمكاتب الساده القضاة ووجد لافته مكتوب عليها (قاضى المحكمه الدستوريه فرع المؤتمر الوطنى ) واخرى (قاضى المحكمه العليا فرع الاتحادى الديمقراطى ) .وهكذا يريد الحزب الاتحادى ان يذهب بما تبقى من امل فى الاصلاح القضائى .وقس على ذلك فيما يتعلق بباقى ازماتنا التى يريد الاتحادى الديمقراطى المشاركه فى الحكم بغرض حلها !! حقا انه السودان ...مسرح اللامعقول . ولا يغير من الفهم شئ القول بأنهم سيرشحون لتولى القضاء شخصيات مستقله ، فمن أين يستمد الحزب الحق فى ترشيح القضاة !! ماهو دور المفوضيه القضائيه حتى لو كانت معطوبه وهى بالفعل كذلك !! كيف يكون القاضى مستقلا وقد تم ترشيحه بواسطة حزب سياسى !! احد الزملاء لديه قراءه مختلفه لرؤية الحزب الاتحادى بشأن القضاء ، ملخصها ان الحزب الاتحادى يعى اهمية دور القضاء المستقل ويعلم بما لحقه من تسييس ، وقد بذل مجهودا كبيرا ابان توليه رئاسة التجمع لاقناع الحكومه بتنفيذ ما جاء فى اتفاقية القاهره بشأن القضاء ، وبالفعل حصل على موافقة الحكومه بتشكيل لجنة الاصلاح القضائى ووعدت بتسمية منسوبيها ، ومن جانبه قام التجمع بتسمية ممثليه ، الا ان الحكومه عادت وتنكرت لكل ذلك فى اطار توجهها العام بتكريس السلطه وتجاهل ما جاء فى اتفاقيتى السلام والقاهره بشأن التحول الديمقراطى ، والان الحزب الاتحادى يعلم بأن الحكومه لن توافق على مقترحه الحالى لكنه يقصد احراجها وجرها لاصلاح القضاء ، لان حيثيات الرفض يكذبها الواقع . هذا ما قاله زميلى ، وايا كان الامر فان كل ذلك يؤكد بأن السودان هو مسرح اللامعقول .