غاندية ) الامام ..بين الفعل .. والكلام ! محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] ما أصدق الايام وهي تشكل التاريخ في حياتنا ليصبح خزانات لملفات الذاكرة الانسانية ، فان هي نسيت أو تناست ، لكّن رياح التقليب التي تحرك الأوراق من مستودعات الوقائع ، لا تلبث ، أن توقظ في لحظة ما شريط الأرشيق للربط بين المتناقضات في حياة البشر ، تطورا أو انحدارا ! ذلك شأن التحول الدوري في النفس البشرية ، فتتبدل القناعات ، وتتلون المواقف وفقا للمصلحة أو انسجاما مع المرحلة السنية أو الحالة الاجتماعية، فقط الفرق أن طوارىء الحالات ، ارتفاعا أو انخفاضا في افق الحياة أو عمودها لدى البشر العاديين ربما تنعكس على حدود ذاتهم أو على اوسع تقدير تترك تأثيرا في محيطهم الضيق ، جفرافيا أوانسانيا ! بيد أن خطوات من يتصدى للعمل العام تظل مرصودة اثارها عبر كل المراحل والتعرجات ، مهما طالت رحلته ، فانها لا تغيب عن منظار التاريخ الذي يسجلها في ذاكرته التي لا يمحوها النكران أو التنكر ! منذ مايقارب نصف القرن ، ونحن صبية ، على اعتاب المرحلة الدراسيةالوسطي ، وثورة اكتوبرالوليدة والمؤودة وقتها في آن واحد ..قد اشعلت فينا جذوة الوعي السياسي المبكر، خرجنا مع ارتال الجماهير التي كادت ، أن تحمل سيارة السيد الشاب عن تراب الأرض ، بل وانثني الكثيرون من أهلنا الانصار ليتبركوا بأثر عجلات سيارته! كان الصادق المهدي فتي ربما في الخامسة والعشرين ، وهو يزور الجزيرة وتحديدا منطقة الحلاوين التي ناصر أهلها المهدية ، وتجلى ولاؤهم في اشتعال ثورة عبد القادر ود حبوبة في عام 1908 في محاولة لاعادة سيرتها ! جاء الفتي لحشد التأييد لحزب الامة لخوض أول انتخابات أكتوبرية، يلفه سحر ممزوج بين القداسة وعنفوان الشباب الحالم بشيء ربما يمور في دواخله ! استقر موكبه الذي اختلط فيه عباب البشر وسديم الثرى ، عند سراية شيخ البلد ، فاعتلى المنصة وهو يحاول التمنع ، جاذبا يده عن هامات الشيوخ والنساء التي انحنت وهي تحاول تقبيلها للتبرك ، وكأنه يقول لهم، انتهي عهد تقبيل اياد السادة ! واستبشرنا نحن في نشوة يفاعتنا بوصول الفكرة وهي تدغدغ فينا فتحا جديدا للعلاقة ، مابين من كنا نحسبهم ملائكة وبيننا كبشر عاديين ، فيما انقبضت نفوس اهلنا الكبار ، تسخر من انفراج اساريرنا ! ولكن هل ظلت مساحات تلك الاسارير في دواخلنا قبل الوجوه على ذات التمدد ونحن نتابع مسيرة الرجل ، وهو يكبر مع احلامنا التي تصغر حياله ، فيتقلب ويتناقض بين أفكاره وأعماله وافعاله ، ، وهو في السلطة على غير ما يكون خارجها ، تارة يدعو لسلوك طريق الجهاد المدني على طريقة ( غاندي ) يصعّر خده الأيسر لمن صفعه على الأ يمن ، وتارة يحمل سلاح جيفارا، لاجبار خصومه على الترجل من على سرجه المسروق ، اما نتيجة لغفلته وأما غضا لطرفه متظاهرا بالنوم عند تسور السارق لدار سلطته غير المحّرزة! نصف قرن مضي في حياة الرجل أو يزيد من الكر والفر ، في سوح السياسة . لايكاد يهدأ له موج الارتحال بمجداف التفويض ، حتي يكون هو أول من يعكر صفو اليم ، بدورات مزعجة تصدع المركب ، وتقلبه قبل أن يتحرك كثيرا، ولايقوي على العودة به الى شاطيء الامان! الآن الحيرة تلف شباب حزبه الذين هم يترددون من حوله في حيرة بين البقاء ماثلين بين يديه المجدبتين وهما تمسكان بالكيان وكأنه قد بات ضيعة له ولبيته الخاص ، المتولد من البيت الكبير الآفل في تماسكه وبين الانفضاض عنه وهو شيخ !يجاهر بتعاطي الديمقراطية بين أفراد اسرته ، تاركا الحرية لمن يكتب على هواه ولمن يشارك سجانه ! فيما لا يؤسس بذات الانفتاح لديمقراطية حقيقية داخل حزبه ، لتفحم ذلك التناقض الذي لف مسيرته الطويلة ، ويجعل من خاتمة عمره السياسي ، ما يعدينا الى بداية ثورته على القداسة ! وهو شاب يتأبي أن يقبّل الشيوح يده الغضه! غاندي يا سيدى الامام كان قويا بمبادئه حينما جنح الى السلم في مواجهة اعدائه من المستعمرين ، فرش الملح في عيونهم وكاد يعميهم، وهويحرض أهله على عدم انتاجه وقد كان على وضاعة ثمنه مصدرا مهما لبريطانيا ، كاد التوقف عن انتاجه من سواحل الهند ، أن يعطل حاسة الذوق الانجليزية في لسان المستعمر ، فانحني له السادة ! فيما انت اليوم تطّعم بملحك المدخر ( حلة حصا الانقاذ بضعف المهادنة والمشاركة ) وهي التي تفور في نار خداع الشعب الجائع في ليلها الطويل الدامس ، لينام على وهم استوائها باعتبارها بليلة ،وانت تعلم انها حجارة لن تستوي أبدا ، لا على نار الزمن ولا على أمل أن تسد رمقا في الناس لطالما اتسعت شقته! فهل نسيت يا مولانا ، وانت تشهد تكالب شبيحة هذا النظام على ولية عهدك وقد سلموك ذراعها مكسورا ، فيما تأذن لغندوربولوج دارك ، مصدقا له ومسلما بانه سعيد بثورة الناس على شبيههم الأسد الذي يطلق هو الآخر شبيحته ، لكسر ذراع الارادة الشعبية السورية التي انطلقت من عقال الخوف وقد انحبست طويلا ، في زريبة النظام العلوى الفاسد والباطش !مثلما انحبست ارادتنا خلف حوائط عدم توفر القدوة في قيادات ، رفضت تقبيل الناس ليدها في شبابها ، ولكنها ولو من خلف الأكمة تنحني في خريفها السياسي لتقبل اياد نظام كان جلادها قبل أن يكون مذلا للوطن والامة ! فما أعجب الزمان ، وما أضعف ذاكرة الانسان ، الذي اسمه مشتقا من النسيان ! ولكن ما أقسي التأريخ ، حيث لا تموت له ذاكرة ، فهي تستيقظ لا محالة بما رصدت في صحوها وان طال منامها ، أو غفت قليلا ! فهل نصحو معها نحن يا سيادة الامام قبل فوات الآوان؟ والله المستعان .. وهو من وراء القصد.