زاوية حادة ومن الأمثال ما هو «بطال».. (2) جعفر عباس منذ زمن طويل وأنا مولع بالأمثال الشعبية، وأقتني العديد من الكتب التي تعنى بالأمثال السودانية والمصرية والإنجليزية، وأحفظ الكثير من الأمثال المصرية بسبب عنصر الطرافة الكامن فيها، وقد استخدمت كثيرا في مقالاتي مثلين مصريين هما: يموت الزمار وصوابعو بتلعب، ويعني من شب على شيء شاب عليه، و»عديم البخت عضه الكلب في المولد»، وقطع شك فإن شخصا يستهدفه كلب في ساحة مولد من بين عشرات الآلاف من الناس «نحس»، وفي ذات زيارة للقاهرة اشتريت كتاب الأمثال العامية للعلامة أحمد تيمور، وبدأت أقلب صفحاته عشوائيا وابتسم أحيانا وأهز رأسي في إعجاب او استخفاف أحيانا أخرى، إلى أن توقفت عند مثل يقول: حبيبك اللي تحبه ولو كان عبد نوبي.. يعني من دخل قلبك يستحق لقب حبيب ولو كان «نوبيا»!! لا، لم يقل نوبي «حاف» بل جاءت الكلمة مسبوقة بكلمة «عبد».. وتخيل حال أبو الجعافر العامل فيها أبو عرام ويتباهى بمناسبة وبدون مناسبة بأنه سوداني نوبي وابن بلد أصلي، ثم يأتي علامة مصري ليثبت أن المصريين كانوا ينظرون الينا نحن النوبة كعبيد بس ما فيهاش حاجة لو «حبيت» واحد أو واحدة منهم.. عرضت ذلك المثل على الصديق عبد العال الباقوري مدير تحرير جريدة الجمهورية ورئيس تحرير جريدة الأهالي سابقا، فكاد يدخل في أظافره، وبعدها بسنوات عاد بطبعة جديدة من الكتاب وقد صار فيه ذلك المثل «حبيبك اللي تحبه ولو كان عبد نوحي».. نوبي صارت نوحي، وهي كلمة لا وجود لها في القواميس العامية او الفصيحة ولكن من أصدروا تلك الطبعة ادركوا أن المثل بصيغته القديمة جارح لمشاعر النوبيين المصريين وبقية البرابرة فاستبدلوا الحاء بالباء.. وهذا المثل المصري المضمن في أكبر موسوعة للأمثال العامية في العالم العربي، يؤكد ما ذهبت اليه في مقالي السابق من أن الكثير من الأمثال مجرد كلام مرصوص ومسجوع، وليس فيه قدر كبير او هزيل من الحكمة يبرر ان يتداولها الناس ويستشهدوا بها وكأنها من «صحيح البخاري»، وأتوقف هنا وأقول إنه وبالرغم من أن المثل الوارد في موسوعة تيمور طعنني شخصيا في اللحم الحي، إلا أنني وعن معايشة عرب جميع الأقطار لسنوات طوال أستطيع ان اقول ان المصريين عموما أقل العرب «عنصرية»، ربما لأنهم ولقرون اعتادوا على التعايش مع شعوب وسلالات من الشرق والغرب،.. المهم أن رفع شأن الأمثال الشعبية الى مصاف الأحكام القطعية، يطابق التحدث عن «المحافظة على عاداتنا وتقاليدنا».. الكثير من عاداتنا وتقاليدنا حميدة وينبغي ان نعض عليها بالنواجذ، ولكن الزمن أثبت وسيظل يثبت خطأ وخطل الكثير منها: دق الشفاه (الشلوفة) والشلوخ وختان البنات من عاداتنا وتقاليدنا،.. استغفر الله بل كانت من عاداتنا وتقاليدنا، ولكننا حاربناها وما زال هناك من يحاربها من منطلق أنها عادات ضارة.. ولهذا فإنني أتلوى من الغيظ عندما أسمع بانتظام مقولة: من خلى عادتو قلّت سعادتو، فهذا كلام لا قيمة له سوى أنه مسجوع.. هل ستفشل الزيجات إذا تخلينا عن عادة ترقيص العروس و»قطع الرحط»؟ هل ستقل سعادة من يتوقف عن تعاطي البنقو؟ هل سيصاب بالعقم من يرفض الذهاب الى النيل خلال زفة زواجه؟ ثم خذ: إن غلبك سدّها وسِّع قدّها، يعني إذا فشلت في الخروج من ورطة ورِّط نفسك أكثر.. وإذا لم تجد حلا لمشكلة حاول تعقيدها أكثر وليحصل ما يحصل.. هذا تكتيك شيوعيين مفاده أن تأزيم الأزمة يحض على البحث عن مخارج لها.. ولا يعادل ذلك المثل خطلا وخللا إلا المثل القائل: إذا سرقت اسرق جمل.. يعني عندما تخطط لاختلاس، لا تكن «رخيصا» وتسرق رواتب موظفين وهميين في مشروع ما ، بل اسرق المشروع بكامله.. مثل المصريين الذين سرقوا الكرين الذي كان يستخدم لحفر ممرات مترو الأنفاق وكان بارتفاع عمارة من( 16) طابقا ولم يعرف له الدبان الأزرق طريقا، وإذا كنت بحاجة الى دروس تقوية في طريقة سرقة الجمل اقرأ تقارير ديوان المراجع العام لتعرف ان الطيب ود الضحوية وطه الضرير كانوا همباتة أي كلام. الراي العام