شئ من حتي مشاركة.. أم محاصصة وإحتواء؟! د.صديق تاور كافي شئ من حتي مشاركة.. أم محاصصة وإحتواء؟! ٭ لا يمكن قراءة فكرة الحكومة العريضة وتوسيع قاعدة الحكم ودعوة الآخرين للمشاركة، خارج اطار مفهوم جماعة الانقاذ لفكرة السلطة نفسها، فعلى الرغم من ان هؤلاء قد بدأوا عهدهم بالشعار المعروف (هى لله.. لا للسلطة ولا للجاه)، إلا ان الممارسة العملية لهم في الحكم خلال ما يزيد على العقدين من الزمان، كلها كانت تفيد العكس تماماً. ومنذ البداية كان شعار (التمكين) الشهير يقوم أساساً على فكرة تغلغل أعضاء التنظيم في المفاصيل الحيوية والحساسة للدولة في كل مؤسساتها الاقتصادية والسياسية والأمنية. وقد تطلب ذلك ابتداءاً الدوس على?المؤسسية واللوائح والقوانين والاعراف وكل تقاليد العمل واخلاقيات المهنة، عن طريق ثلاثة مداخل اساسية: أولها الفصل التعسفي تحت لافتة الإحالة للصالح العام الذي لم يكن غير صالح خاص للجماعة والمحاسيب، وثانيها التحكم في سياسات التوظيف واللجان الخاصة به على مختلف المستويات حتى صار الحزب هو البوابة المشرعة والسكة السالكة نحو الحصول على وظيفة في الدولة، والاخير صياغة وتفصيل القوانين واللوائح بما يسمح بالتصرف وفق هوى الاشخاص وليس المؤسسات، وبالتالي صارت الجماعة تعز من تشاء وتزل من تشاء. هكذا اصبح الوزير ووزير الدولة ?وكيل الوزارة أو أمينها العام، ومستشارو الوزير ورؤساء الوحدات وأعضاء اللجان والسكرتاريا والحرس هم جماعة الحزب الحاكم ومحاسيبهم فقط واختفت قياسات المهنية والكفاءة والعطاء والقدرة على خدمة الناس، في مقابل قياسات الاستنفاع والمصلحة الخاصة والقرابة والقبلية والجهوية وما الى ذلك. ومن الطبيعي ان تنتهي هذه الممارسة بمرور الزمن الى إنهيار كامل للخدمة العامة وانتشار للفساد والمحسوبية بعد أن تغلغل منسوبو حزب السلطة، وتمددوا بصورة سرطانية في مؤسسات الدولة وأجهزتها. ولا يحتاج ذلك الى كثير عناء لملاحظته أو إثباته، ولكنه?يحتاج جهوداً جبارة وإرادة قوية لاستئصاله والتخلص منه كورم سرطاني مدمِّر. ٭ الانغماس الزائد في السلطة وملذاتها، كان يتم تحت عناوين الجهاد في سبيل الله، وتمكين شرع الله، والقوى الامين، والمشروع الحضاري.. الخ الخ. ولكن أبجديات الاسلام هذا الدين الحنيف التي لم يقرؤها هؤلاء تقول بأن الجهاد الاكبر هو جهاد النفس بكبحها من المفاسد والظلم وأكل حق العباد بالباطل، وسوء إستغلال السلطة والنفوذ وشرع الله يقوم على ركائز العدل والخير والحرية ومخافة الله في عباده، والامانة والصدق وعفة اليد واللسان. فلم يألف الصحابة الأجلاء والمسلمون الاوائل حملة الرسالة وناشروها، لم يألفوا حياة البذخ والدعة، أو?العيش في القصور والعمارات السوامق والڤلل، وأحواض السباحة التي يُحرم من أجلها عامة الناس من ماء الشرب، ولم يألفوا حياة التخمة والنعيم على حساب عامة الناس، ولم يسوسوا الناس بالقهر والقمع. لقد ألِف هؤلاء حياة البساطة والكسب الحلال، والعيش المتواضع، والزهد عن المفاتن والبعد عن أكل السحت. ولو أن هؤلاء قد جاءوا اليوم لما إختاروا العيش في قصور دعاة التوجه الحضاري، ولا إمتطوا فارهات الاساطيل ولا إستطابوا طعامهم، وإنما سوف يختارون حياة عامة الشعب، حياة الكدح والصبر والرزق الحلال والكسب الشريف مخافة يوم لا تنفع فيه ?زارة ولا عمارة ولا معتقلات ولا حاشية، يوم ينفع فيه العمل الصالح فقط لا غير. ٭ لقد كانت مفاصلة العام 9991م تجربة قاسية وكافية كيما يصحو جماعة الانقاذ من غفوتهم وإنغماسهم حتى الاذنين في مفاتن السلطة وبهرجها. فقد أدى صراع المصالح والنفوذ الى ذلك الانقسام الشرخ في البنيان الانقاذي ما بين (القصر) و(المنشية) ولكن الذي حدث هو أن الفراغ الذي أحدثه خروج نصف التنظيم بخروج الشيخ نفسه، قد إستعاض عنه فريق القصر بذوي الاستعداد للتعايش مع الحالة الانقاذية بكل بلاويها من طالبي السلطة والوزارات والمنافع الخاصة، واصبح حزب المؤتمر الوطني هو مدخل أى شخص لمراكز السلطة والمال والجاه. هكذا نشأت طبقة جدي?ة من رأسمالية السلطة في السودان، الذين وجدوا طريقهم للثراء الفاحش في أزمان قياسية من خلال تبوؤ المناصب الرسمية في الدولة، أو من خلال حماية السلطة لانشطتهم الخاصة، تحت عنوان الاستثمار والبزنس. ٭ هذه الخلفية ضرورية لفهم التشوهات التي حصلت في المفاهيم والقيم ذات الصلة بالعمل العام، حتى اصبحت هناك ثقافة جديدة غريبة على ثقافة التضحية والاخلاص والتفاني والوطنية. لقد صارت الوزارة أو الموقع الدستوري في الدولة أو المواقع التنفيذية الحساسة، هى مجال للمساومات والمجاملات والترضيات على أسس الولاء الحزبي لحزب المؤتمر الوطني والمرجعية القبلية أو الجهوية، أو الطائفية وبدلاً من أن يتراجع تأثير الولاءات اللاموضوعية السياسي والاجتماعي، صارت هذه الولاءات هى المعيار الاعلى والاوحد لتقديم هذا الشخص أو ذاك للموقع ال?عني. ولم يعد الانتهازيون من النخب القبائلية يتحرجون من إعتبار الموقع الذي يوكل الى أحد منسوبيها موقعاً للقبلية والحاشية ومن ثم اصبحت فكرة المشاركة في السلطة مطابقة لفكرة المحاصصة وإقتسام المغانم ليس اكثر أو أقل. ٭ فكرة توسيع المشاركة التي طرحها الحزب الحاكم ليست هى رغبة اصيلة، نابعة من توجهات صادقة لدى قيادة الحزب، بقدرما هى مساعي إستباقية أو تحوطية لمواجهة موجة الربيع العربي القادمة على الساحة السودانية. فالروح الإقصائية والانفرادية المتأصلة لدى جماعة الانقاذ قد افصحت عن نفسها بشكل صارخ جداً في انتخابات ابريل 0102 حين اصر هؤلاء على إخراج العملية برمتها بدءاً من قانونها ولجانها وإدارتها والتحكم في نتائجها، بما يضمن لهم الإستمرار بذات النهج السيء. يمكن ملاحظة ذلك في شكل المجلس الوطني والمجالس التشريعية التي يسيطر ع?يها حزب واحد بأكثر من 08%، الشيء الذي لم يحدث في أى انتخابات سودانية أو غير سودانية، اللهم إلا عند هؤلاء ولان النتيجة كانت فضيحة لا يمكن مداراتها، فقد سعى الجماعة الى تغطية عورتهم بالدعوة للحكومة العريضة التي قيل إنها حكومة بذات البرنامج الذي (فاز؟!!) به حزب المؤتمر الوطني في الانتخاباب. فلو كانت النية صادقة فعلاً في إشراك الآخرين في إدارة البلد، لكان الاسهل والاوفى إجراء انتخابات شفافة في مناخ ديمقراطي حقيقي، وبما أن شيئاً من هذا لم يحدث، فإن ما يطلقه جماعة الحزب الحاكم لا يعدو كونه تغبيشاً للرؤية في عيون الناس الذين منحهم الله سبحانه وتعالى البصر والبصيرة. ويبقى السؤال المركزي هنا هو، ما الذي تغير في نهج وسلوك الجماعة حتى يستدعي التنازل عن المواقف ومسايرتهم فيما هم فيه منغمسون؟ لم يتغير شيء حقيقة لا في القوانين ولا في التعامل مع مؤسسات الدولة وتوظيفها لصالح شريحة الحكام، ولا في السياسات ?لاقتصادية ولا في النظر لدور الآخرين بإحترام. الطريقة التي ارادها المؤتمر الوطني لمشاركة الآخرين هى ليست مشاركة وإنما محاصصة من نوع شراء الصمت بالمناصب على حساب الشعب وعرقه وكده ( أنظر ما يتحصله جيش دستوريي الانقاذ وتنفيذييهم من الخزينة العامة للدولة في مقابل الحد الادنى للأجور لعامة المواطنين). المشاركة في مفهوم الحزب الحاكم هى شراء مواقف وإحتواء، لأن المواقع في فقه هذا الحزب هى منفعة شخصية لمن يشغلها ولذلك فهم لا مانع لديهم من الصراع والاصطراع حولها بلا قيود أو وازع. ٭ وما أقدمت عليه قيادة الاتحادي (الأصل) من (مشاركة؟!) شكلية لا يخرج عن كونه محاصصة ومساومة على ذات النسق الذي اوردناه، ويعني أن هذه القيادة على الرغم من تعليقها لهذه المشاركة الباهتة على شماعة القضايا الوطنية، إلا أنها ليست حريصة على مباديء او جماهير، وإنما على مصالحها فقط. ومن حق أى مواطن ان يتساءل عن المعيار الذي أُختير به نجل الزعيم والذي لا يعرف جغرافية الازمات في السودان، وأغلب حياته خارج السودان، وما امضاه فيه من سنوات في برج عاجي بعيد تماماً عن أهل السودان، وما الذي يُنتظر من هكذا شخص ان يقدمه من مس?عدة لحزبه ناهيك عن رئاسة الجمهورية، وماذا تنتظر الاخيرة منه أصلاً؟ ولا يختلف الحال كثيراً عن نجل المهدي الذي أُختير بمعايير لا يدري أحد ما هى إن لم تكن صفة كونه نجل المهدي. نقول من حق أى مواطن ان يتساءل عن معايير إختيار هذا وذاك والآخرين، لأنهم يُنفق عليهم من عرق الشعب وعلى حساب قوت يومه ودواء أطفاله وتعليم أبنائه، فالأحق بما يُنفق على هؤلاء هم أولئك الذين يموتون بالسُل والجوع في شرق السودان، وسكان المعسكرات في دارفور ونازحو الحرب في جبال النوبة والنيل الازرق، والذي يعانون العطش في كردفان، والمعاشيون الذين ينتظرون طويلاً لاجل استحقاقاتهم الفتات وفقراء مدن الصفيح في العاصمة والاقاليم وغيرهم وغيرهم. الصحافة