سهل وممتنع الصادق المهدى .. احراق الخيارات واعدام البدائل سهل آدم [email protected] بات عصيا على اى مراقب وعسيرا على أى محلل فهم مواقف رئيس حزب الامة القومى ، الصادق المهدى ، ليس ازاء قوى المعارضة المسلحة والمدنية بل من قضية تغيير النظام برمتها ، فالرجل كان قد حذر من انتفاضة شعبية على غرار ما حدث فى تونس متخوفا من ان تأخذ الثورة المفترضة بعدا دمويا لتوافر البلاد على قوى كثيرة حاملة للسلاح ، ثم انه عارض بشدة استخدام القوة لتغيير النظام ، مع توافر المبررات ومقبولية الدواعى ومشروعيتها اخلاقيا وسياسيا ، وغير بعيد موقفه من حملة حركة العدل والمساواة على العاصمة فى مايو 2008 وزيارة المواساة او المؤازرة التى قام بها للرئيس البشير فى القيادة العامة وقتها ، مع ان المهدى كان قد استباح لنفسه مايحرمه على غيره اليوم فقبلا امتلك حزبه (المدنى) زراعا عسكريا هو (جيش الامة) المحلول ، وبعد ان اعلن المهدى فشل حواره المتطاول مع حزب المؤتمر الوطنى حول الاجندة الوطنية ليلحق باتفاق التراضى الوطنى المقبور، رغم اعتقاده ان محاورة النظام يمكن ان تكون وسيلة تغيير ناعم وابيض لمنظومة الانقاذ المتمددة بشكل سرطانى ، ومع استبعاده او لنقل رفضه خيارى الثورة الشعبية او الهبة العسكرية ، لم يطرح المهدى اية بدائل أخرى للتغيير او يبتدع خيارات زكية للتحول ، وليته سكت ، لكنه عمد بازلا جل جهده فى اصدار احكام قاسية على المعارضين السلميين والمسلحين ، الامر الذى خلق حالة من الصدمة والاحباط فى نفوس قطاعات عريضة متطلعة للانتقال بمشاركة حزبه كأحد اهم الروافع ، ولم تتوانى فى وصفه بأنه يقدم خدمات مجانية جليلة لنظام الطاغية ، من حيث يدرى او لايدرى ، بالتخذيل واحراق الخيارات واعدام البدائل. ان الانتقادات الاخيرة التى صدرت عن المهدى فى حق تحالف الجبهة الثورية السودانية واطلقها فى مناسبة بدار حزبه وكررها فى احتفائية (عيد ميلاده) ورددها حزبه فى بيان بمناسبة اغتيال رئيس حركة العدل والمساواة دامغا فيها الجبهة بأنها نشأت فى دولة جنوب السودان ومحذرا من ان ذلك من شأنه ان يقود الى حرب شاملة بين البلدين ، تلك المواقف لايمكن وصفها سوى بانها غير موفقة وما كان جديرا ان تصدر عن سياسى فى حصافة وحنكة المهدى ودربته، فضلا عن انها قد انطوت على غير قليل من المغالطة اللامنطقية والتعامى عن الحقيقة ، فالمهدى اكثر من يعلم ان العلاقة بين الشمال والجنوب دخلت نطاق المواجهة العسكرية المسلحة منذ ان احتلت القوات المسلحة بالقوة منطقة ابيى المتنازع عليها متجاوزة بروتكول المنطقة وذلك بعد ان استحال اجراء الاستفتاء الادارى للمنطقة تزامنا مع استفتاء الجنوب ونكص المؤتمر الوطنى عن الالتزام بقرار محكمة التحكيم الدولية فى لاهاى حول ترسيم حدود المنطقة ، وحينما حدث النزاع المسلح فى ابيى لا أخال ان الجبهة الثورية كانت مجرد فكرة ، ويدرك المهدى تماما ان اسباب الحرب الشاملة بين الشمال والجنوب هى حالة التازم وعدم الثقة والشراكة المتعثرة منذ ايام تطبيق اتفاق السلام الشامل والخلافات العنيفة حول كل بنوده حتى الاستفتاء الذى افضى الى انفصال الجنوب وقبل ذلك فشل الشريكان المتشاكسان فى انجاز ترتيبات ما بعد الاستفتاء قبيل اجراء العملية نفسها ، وهو ما كنت تدعو له بشدة كما نذكر وكنت تحذر من ان عدم الاتفاق حول تلك الترتيبات قبل الانفصال سيصعب من تسويتها عندما تنتقل تلك الملفات كى تدار بين بلدين ورشحت ان يقود ذلك الى انفصال عدائى ومن ثم حرب ، فلماذا تقحم موضوع الجبهة الثورية الآن فى ازمة الجنوب والشمال كسبب رئيسى وحتى ان صدقت هذه الرواية لا نظن ان المهدى لايعلم حرب الوكالة التى تقودها جماعات تمرد جنوبية بدعم من الخرطوم منذ امد طويل ولماذا لاتكون بدورها سبببا للمواجهة المباشرة ، لقد حدث استقلال جنوب السودان دون الاتفاق على الترتيبات الانتقالية الضرورية لتفادى اى احتكاك ولمصلحة علاقة مستقرة ومعافاة بين البلدين ، فلم تحسم قضايا الحدود ولا المياه او الجنسية او العملة او النفط او التجارة البينية ورحلت هذه الملفات الساخنة بكل خلافاتها وتعقيداتها لتبقى وقودا قابلا لاشعال ازمات الدولتين ، كيف تعامى السياسى الذكى عن ذلك ، ثم انه كيف ومن اين له القطع بان تحالف الجبهة الثورية قد تخلق فى دولة الجنوب والكل يعلم ان مدينة (كاودا) الشمالية قد شهدت ميلاد واعلان التحالف المعارض المسلح ، وعموما فان الرواية التى بنى عليها المهدى انتقاداته واستنتاجاته هى ذات رواية المؤتمر الوطنى ضعيفة السند التى جعلته يسمى الجبهة الثورية (تحالف ييى) نسبة الى المدينةالجنوبية ، فهل اعتمد المهدى هذه الرواية وبنى عليها أم ان له ما يثبت ادعائه ، وكان لافتا تحامل المهدى على دولة الجنوب وانتقاده القاسى زيارة سلفاكير لاسرائيل واطلاق وصف الخيانة عليها ، ممارسا وصاية غير شرعية على الدولة الوليدة وحقها فى تقرير مسار تحالفاتها الدولية وعلائقها الدبلوماسية ، ولم نسمع يوما ان المهدى انتقد العلاقات المعلنة بين عدد من الدول العربية واسرائيل. مع كامل تقديرنا للطبيعة المدنية والمزاج السلمى لشخصية الصادق المهدى ونزعته نحو اللاعنف وعدم انتهاج الحرب كخيار ، بما يوفر دماء السودانييين وممتلكاتهم ومواردهم لصالح ما يحقق تطلعاتهم ، ومتجاوزين انه قد سبق حركات دارفور مجتمعة الى تشكيل قوة عسكرية هدفها تغيير النظام عنوة (جيش الأمة) ، وانكر هذا المسلك الآن ، الا انه يظل مطالب بالاجابة على كثير من الاسئلة ، على نحو واضح وشفاف ، ماهو الشئ الذى دفع السودانيين فى دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان وشرق السودان على حمل السلاح كتعبير عن النفس والمظالم ، وهل كان بمقدورهم اسماع مطالبهم بغير هذا السبيل ، هل يملك النظام افقا ومرونة تمكنه من تحسس تململ الاطراف وتفهم قضاياها ومطالبها العادلة والاستجابة لها بنحو عادل وقيادات النظام تعلنها بدون مواربة وباغلظ مفردات العجرفة والتحدى ( الراجل يلاقينا والزارعنا غير الله يقلعنا) ، وهل يعرف المهدى ان هذه الحكومة قد استمعت او تفاهمت الى جماعة مدنية لها مطالب حقوقية (قضية الاطباء مثلا) دون ان تكون قد حملت السلاح فى وجهها وارغمتها على التفاوض وبين يدينا نموزج قضية المناصير المطلبية الراهنة وكيف ان السلطات تمارس سياسة التجاهل وعدم الاكتراث وتراهن على (البرد والوقت) فى فض اعتصام آلاف المناصير دون ان يكون لديها استعداد حقيقى لمعالجة الازمة بانصاف من منطلق مسؤلياتها الاخلاقية وواجبها الدستورى تجاه مواطنيها ، وهل اضطر الناس على حمل السلاح سوى هذا المنهج البائس والتفكير الفقير ، وفوق ذلك فحتى الذين اختاروا فى لحظة ما التحاور مع هذه الحكومة وعقد اتفاقات معها ، ومن بينهم المهدى نفسه الذى عقد اتفاق جيبوتى المعروف ب(نداء الوطن) مع الحكومة فى 1998 وعاد بمقتضاه الى الوطن لكن الاتفاق انتهى الى لاشئ ، ولحق به فى 2008 اتفاق (التراضى الوطنى) الذى لم ينفذ منه سوى تعويض حزب الامة بضع مليارات عن اصوله المصادرة واخيرا انهار الحوار حول (الاجندة الوطنية) والصادق المهدى شاهد على وفاة اتفاقية ابوجا وعودة طرفها ، منى اركو مناوى ، الى القتال مجددا ، اضافة الى فشل اتفاق الشرق (اسمرا) فى تغيير واقع انسان الشرق البائس وكذلك اخفاق اتفاق (القاهرة) مع التجمع الوطنى فى احداث تحول ديمقراطى وتأسيس دولة الحريات والمواطنة ، واخيرا فشلت اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) فى الابقاء على السودان موحدا من خلال الممارسة والتطبيق السيئ للمؤتمر الوطنى والذى اقنع الجنوبيين باستحالة البقاء فى هذه الدولة ولم تحقق الاتفاقية التحول المنشود سواء فى موضوعات الحريات او اصلاح اجهزة الدولة او تعديل التشريعات لجهة كفالة الحريات ، كل هذه السيرة من التهرب والتملص والغدر اقنعت الشعب أنه لا أمل فى اصلاح هذا النظام وان الخيار الوحيد هو رحيله ، وهذا النظام المحتمى بادوات السلطة وجبروتها وخبرته فى القمع والبطش لن يرحل بضغوط سلمية من الشارع الامر الذى يفتح الباب امام مشروعية العمل المسلح كخيار اضطرارى ، رغم فداحته ، الا انه لا بد مما ليس منه بد ، فلا مناص من تكامل الثورة المدنية والانتفاضة العسكرية ، لكن كلا الخيارين لا يروقان للامام الصادق المهدى ، فى حين انه لا يملك طريقا ثالثا مع ايمانه بفساد النظام كما نتوقع.