[email protected] إثر اندلاع لهيب الثورات في تونس أنكرت كثير من الأنظمة وصول اللهيب الي حماها ثم ما لبست ان حاصرت دائرة النار نظام مبارك لتحرق كرسي العرش وتلقي بالفرعون الي خارج أسوار السلطة وتمتد الي القذافي الذي يعيش داخل كبسولة خارج الزمان ويتغطى بالعظمة والأوهام لتلتهمه نار الثورات وهو يصيح غير مصدق، وتصل ألي اليمن وسوريا وهي قابلة للوصول لكل أنظمة المنطقة التي تشبه العشب الجاف الذي لا يقوي علي تقديم المنفعة المرجوة منه وأصبحت أكثر ضرراً بعد نمو الحشائش الطفيلية(الفساد) التي أفسدت البيئة وجعلت مطلب حرقها وتطهيرها الوسيلة الوحيدة لبناء النهضة الممكنة، وحقيقة عوامل اندلاع الحريق متوفرة في كل المنطقة منذ فترة طويلة خاصة بعد المسيرة العرجاء لدول المنطقة بعد الاستقلال وفشلها في تحقيق الكرامة والحريات والمشاركة والقوت والعدالة والأمان لشعوب المنطقة وهي مبررات وجودها وحولت البلاد الي مجرد إقطاعيات عائلية والمواطنون الي مجرد أتباع ينحصر دورهم في تحقيق المنفعة والرفاهة وتوسيع النفوذ للسادة الاقطاعين ورؤساء المؤسسات والأجهزة وملاك راس المال. مما سبق يتضح ان عوامل تفجر الثورات متواجدة ولكن أوان اشتعالها ومساراتها بعد ذلك هو ما تتباين فيه الدول والمجتمعات المحلية، والثورة في حقيقتها هي ترجمة للصراع بين السلطة المُغتَصِبة والشعب المُغتَصَب والسلطة نقصد بها تحالف الرئيس/العائلة/الحزب مع الجيش/الامن/الاستخبارات مع رجال الاعمال ضد كافة قطاعات الشعب ونجاح الثورة يعني بالضرورة قدرة الشعب علي التوحد والتكتل وتشكيل خطورة علي مصالح مكونات تحالف السلطة وإبراز التناقضات داخله والدفع في اتجاه تأجيج الصراع بين هذه المكونات ومحاولة كسب احد الإطراف خاصة الجيش او علي الأقل تحييده لتصب نتائج حسم الصراع في مجري الثورة.هذا ما رأيناه في تونس ومصر علي الأقل من سهولة التواصل بين قطاعات الشعب ومركزية الثورة ونقصد بها وجود ساحة واحدة او ساحات قليلة للتجمع لجذب اكبر قدر من المشاركين بمختلف تبايناتهم وانصهارهم في بوتقة مطلبية واحدة وتركيز الضغط في اتجاه هدف واضح وتحييد الموقف الدولي او إجباره علي الرضوخ لمطلب الثورة مما عجل بانتهاء تحالف السلطة. أما بالنسبة لسوريا فنجد الوضع اختلف حيث نجد الثورة استغرقت زمن أطول دون حسم الأمور لصالحها وذلك لان الثورة السورية لم تستطع حتي الآن تشكيل تهديد حقيقي لتحالف السلطة وهو تحالف أكثر تعقيد ومِنعة بسبب دخول الطائفية في المعادلة حيث نجدها عابرة لتحالف السلطة (الرئيس والجيش/الأجهزة الأمنية ورجال الأعمال) مما قلل من مساحات التناقض داخل مكونات التحالف واكسبها قوة وصمود ( للتوسع في موضوع الطائفية يمكنك الرجوع لمقال للدكتور صبري محمد خليل وأيضا مقالات الكاتب العربي الأستاذ غسان الإمام) وأيضا مما اضعف الفعل الثوري تشتته بكل أنحاء سوريا وغياب المركزية الثورية ووجود الساحات المركزية التي يتم من خلالها حشد اغلب الجماهير وتوحيد الأهداف وإزالة التناقضات بين مكونات الشعب من خلال بناء شعارات تستقطب الجميع وتزيل تخوفات المترددين أضف الي ذلك ضعف مشاركات جماهير اكبر مدينتين وهما دمشق وحلب بصورة كلية وحاسمة بسبب الضغوط الأمنية وارتباط مصالح الكثيرين بحياة الاستقرار الشكلي التي يوفرها النظام وبالتالي إقناع هذه الجماهير بأهمية الثورة والمكاسب التي ستجنيها من زوال هذا النظام يشكل الرافعه الحقيقة التي تستطيع الإطاحة بهذا النظام فيما يخص الوضع الداخلي ولكن للأسف الأمر أكثر تعقيد بحكم موقع سوريا سياسيا وتاريخيا وجغرافيا في منطقة أكثر حساسية من تونس ومصر لقربها من إسرائيل وحقول النفط في الخليج ومجاورتها لإيران والعراق هذا الوضع عمق من تضارب المصالح الإقليمية والدولية بالرغم من اقتناع الجميع بأن هذا النظام فقد شرعيته، فالنظام السوري الذي صدع رؤوس الجميع بشعارات الممانعة والمقاومة يظل أفضل عدو/حليف من المجهول الذي تحمله الثورات لإسرائيل خاصة بعد الوصول المتوقع لتيارات الاسلام السياسي أكثر التيارات تنظيم وتأثير في المحيط العربي ولها مواقفها المعلنة تجاه اسرائيل حتي لو من خلال الشعارات والتعبئة للجماهير من اجل التكسب ولكنها تمثل اكبر هاجس لضعف تجربتها في الحكم كما يري البعض بالإضافة الي قلة استيعابها لتعقيدات العلاقات الدولية وتشابك المصالح وتبسيطها المخل لحجم القضايا والمشاكل وبالتالي طرح حلول تعميمية لا تضع اعتبار للتفاصيل المؤثرة، وهذا الوضع يؤرق الغرب ويجعله يتحفظ ويناور ويتردد ولا يحسم الامر باتخاذ إجراءات عملية و بصورة عاجلة تمس عصب النظام الحي وتعجل برحيل رأسه كأخيه ألقذافي وكذلك دول الخليج بالرغم من دعمها للثوار و مواقفها المعلنة إلا أنها لا تُريد أنظمة ديمقراطية حقيقية في الجوار تسبب لها ضغوط او تأثيرات بنقل عدوي الديمقراطية او توسيع هامش الحريات او التحول من حالة الرفاه الاقتصادي الي المشاركة السياسية ولذلك تفضل دول الخليج أنظمة توضع تحت سيطرتها اقتصادياً وإعلاميا. أما ايران فهي تدعم النظام بالمطلق وتعتبره خط الدفاع الأول وفرصة لتخفيف الضغوط عليها وساحة مناورة في صراعها مع الغرب ومعروف ان حزب الله والنظام العراقي يدوران في فلكها و يأتمران بأمرها وكذلك الموقف الروسي والصيني يمثلان غصة في حلق الثورة السورية وهما يدخلان في لعبة المصالح وتقاسم النفوذ مع الغرب. وفي الخارج ينشط المجلس الوطني السوري ولكن حتي الآن لم يستطع إنجاز اختراق حقيقي في الموقف الدولي علي الأقل توفير حماية للمدنيين في الداخل او كفالة حرية التظاهر والتعبير ناهيك عن الاعتراف به كممثل للشعب السوري او اتخاذ مواقف دبلوماسية حقيقية من قبل الدول الغربية كطرد السفراء او غيرها من الأدوات الفعّالة للتعجيل برحيل النظام وهنالك تخوف من اختراق المجلس نفسه من قبل الغرب لتمرير أهدافه علي ألمدي البعيد مما جعل هنالك بعض التنافر والاختلاف في الرؤى و الاولويات بين معارضة الداخل والخارج السورية. والجامعة العربية بعد إعطاء النظام أكثر من فرصة ومد حبل الصبر والمُهل لدرجة الملل أرسلت بعثتها بعد خراج الروح مع استمرار آلة القتل في الدوران لتُستَقبل بعملية إرهابية كما يدعي النظام وهو يتصّنع البراءة ليجر البلاد الي الفوضى والمجهول وسيناريوهات أكثر تعقيداً، والبداية الفعلية لعمل بعثة المراقبة العربية لا تنبئ بخير وهي تحل ضيفة وتحت رعاية وكرم وحماية النظام الذي تراقبه! وهذا ليس استباق لنتائج الزيارة ولكن الموضوع يتم بصورة اقرب للاستعجال والمخارجة والله يكضب الشينة. وعموماً الموقف في سوريا يسير باتجاه الثبات ونقصد به توازن الإرهاق والضعف لكلا الطرفين فالثورة التي تفقد أبنائها يومياً وعدم قدرة المجلس الوطني في الخارج تحقيق حماية مقنعة لهم في الداخل او التصدي للنظام بآليات مؤثرة من الخارج ومن الجانب الآخر أدرك النظام ان الرجوع الي الأوضاع ما قبل تفجر الثورة مستحيل مما يفتح المجال أمام حلول تُغيير شكل السلطة في سوريا مع إشراك المعارضة وتوفير الحصانة من المساءلة للذين تسببوا في تدهور الأوضاع وإهدار دماء شعبهم وذلك بعد اطمئنان الأطراف الدولية والإقليمية بأن مصالحها تحت الحماية. كل عام وانتم بخير ونسأل الله ان يكون عام رخاء وأمان ورحيل للبنادق ودفن للخنادق وان ترفرف حمائم السلام حاملة أغصان الزيتون والخبز والدواء.