بقلم/ حامد إبراهيم حامد : هل ستبدأ ثورة الربيع بالسودان على يد الدكتور حسن الترابي المتهم من قبل تلاميذه الحاكمين بتدبير محاولة انقلابية جديدة أم أن السودان محصن ضد عدوى انتقال الثورات العربية كما يقول كبار المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس البشير شخصيا والذي أكد أن ثورة الربيع انطلقت بالسودان منذ عام 1989 أي عندما انقلب الإسلاميون بليل بهيم على نظام ديمقراطي تعددي بالسودان؟ من الواضح أن السودان لا يبدو محصنا ضد ثورة الربيع كما يقول قادته وأن كل عوامل هذه الثورات موجودة بل ربما تتعدى الدول العربية الاخرى وأن ما أعلنه القيادي بالمؤتمر الوطني مهدي ابراهيم من أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها السودان تحتاج الى ثلاث سنوات لتجاوزها لكفيلة بانطلاق الثورة لان هذه السنوات الثلاث ليست سهلة خاصة في ظل الظروف الراهنة التى يمر بها المواطن السوداني الذي يفتقر لأبسط مقومات الحياة وفي ظل توقع حدوث مجاعة طاحنة تحاول الحكومة السكوت عنها. فثورة تونس التي أطلق شرارتها محمد بوعزيزي أسبابها اقتصادية ومعيشية بحتة استغلها الشباب وتطورت لتشكل طريقا للشعوب في كل من تونس ومصر وبقية الدول للإطاحة بالحكومات المستبدة وان الحكومة السودانية التي تتبجح بانها مهد الثورات العربية لا تختلف عن نظيراتها من الحكومات المطاح بها ولكن مشكلة الشعب السوداني انه شعب صبور وأن قياداته من السياسيين ينتظرون من يقودهم ، فهم يريدون للشعب ان يتحرك ولكن على طريقتهم. ولكن الدكتور حسن الترابي العدو اللدود للإسلاميين الحاكمين شذ عنهم ليس من أجل قيادة الورة وإنما نكاية في تلاميذه السابقين الذين أذلوه وأذاقوه المرارة وبالتالي فهو يعمل بكل ما أوتي من قوة للنيل منهم وبأي وسيلة ولكن لا أظن انه يفكر في الانقلاب االعسكري خاصة انه يدرك أن أي محاولة انقلابية رسمية ضد تلاميذه ستقوده حتما الى حبل المشنقة. إن الاتهامات المثارة صد الترابي بقيادة محاولة انقلابية هدفها الاساسي إرباك الشارع المعارض وتشتيت اي محاولات للتقارب ما بين قوى الإجماع الوطني التي يشكل فيها حزب الترابي والشيوعي السوداني رأس الرمح وحزب الأمة والذي يحاول زعيمه وامام الأنصار ايجاد موقع له عبر طريق ثالث لا هو مع المعارضة ولا هو مع الحكومة لانه اتخذ طريقا رماديا ولكن إعلانه بان الترابي طلب منه المشاركة في الانقلاب على الحكومة يجعله أقرب للمؤتمر الوطني ويؤكد ان تعيين نجله مساعدا للرئيس تم بصفقة ما وإلا فلماذا يحاول النيل من الترابي والنأي بنفسه عن المعارضة وهو يدرك أن الشارع السوداني مهيأ وفي انتظار من يقوده . نعم الترابي غير مؤهل لقيادة الشارع السوداني للانقلاب ضد تلاميذه لانه لا يختلف عنه ولكن في ذات الوقت فان المهدي بسبب ممارساته السابقة غير مؤهل لقيادة الشارع وان المؤتمر الوطني يدرك ذلك وانه لايخشى تحالف الإجماع الوطني وإنما يخشى الشارع الذي قد يتحرك تلقائيا مثلما تحرك الشارع في كل من تونس ومصر وليبيا ولحقت به القيادات السياسية التي تقود دفة الأمور حاليا وتركت أصحاب الثورة الحقيقيين في الشارع. فالسودان لا يبدو انه محصن من عدوى ثورات الربيع العربي ، فكل العوامل متوفرة ولكن الحكومة تقول عكس ذلك وتصر على أن المؤتمر الشعبي وزعيمه يحضران لانقلاب عسكري في مسعى لتحييد الشارع وصرف الأنظار عن القادم الجديد، الذي في انتظار من يشعله، بعيدا عن زخم وصراع الحكومة والمؤتمر الشعبي او الترابي وتلاميذه السابقين باعتبار ان الاتهامات ضد الترابي ليست بجديدة وان المتهم الرئيسي في احدى هذه المحاولات اصبح سيدا في القصر ونائبا للرئيس بينما جنوده لا يزالون يقبعون في السجون. من المهم ان يدرك المؤتمر الوطني ان الاعتقالات وملاحقة المعارضين وكبت الحريات وتوجيه الاتهامات الجزافية لن تغير في الامر شيئا بل ربما تقود الى عواقب وخيمة وان عليه الاتعاظ مما حصل في ليبيا وتونس ومصر وسوريا واليمن، فالثورة الشعبية تخرج من رحم المعاناة و الشعب السوداني عانى و لايزال يعاني اكثر من غيره من الشعوب التي ثارت، على الأقل ان هذه الشعوب لم تفقد ثلث البلاد ولم تفقد نصف مواردها النفطية ولم يتهم رئيسها ولا وزير دفاعها بالمحكمة الجنائية الدولية كما انها بلدانها لاتعاني حروبا تمتد على مسافة الفي كيلومتر من الغرب الى الشرق في شكل حركات تمرد. فالترابي قد يكون بذرة للثورة داخل الإسلاميين على واقعهم الحالي الذي لا يسر عدوا ولا صديقا ولكنه لن يكون بذرة للثورة الشعبية على مستوى السودان ، فهو يدرك ذلك جيدا ولكنه يصر على قيادة الثورة الكلامية المعارضة لان الساحة السودانية أصبحت خالية من اي صوت كبير معارض ومسموع بعدما التحق محمد عثمان الميرغني بركب السلطة شريكا الى جانب جلال الدقير واحمد نهار وعبد الله مسار والصادق ود الامام وبعدما اتخذ الصادق المهدي مواقف رمادية أقرب للحكومة منها للمعارضة لشيء في نفسه لم يصرح به ولكن رضاءه بتعيين نجله مساعدا للرئيس قد كشف هذا السر. مشكلة المؤتمر الوطني انه يسعى بكل ما أوتي من قوة ان يحصر الصراع على السلطة في السودان بين الإسلاميين فقط ، ويصادر حقوق المعارضين الاخرين رغم محاولات ادخال الحزب الشيوعي السوداني بخجل في الأزمة وحتى الإسلاميين يحصرها في الترابي شخصيا والمقربين منه، وان الترابي في هذه المرة نجح في جر تلاميذه لمتاهات واسعة باعتقال نائبه المقرب ابراهيم السنوسي وبإغلاق صحيفة الحزب رأي الشعب وبإصراره عبر المؤتمرات الصحفية والقنوات التلفزيونية على كشف حقيقة الأمر الواقع الذي جعل رواية الامن بمزاعم المحاولة الانقلابية تبدو ضعيفة وواهية وإلا لماذا لا يعتقل الترابي مثلما يحدث في كل مرة، هل خوفا من الشارع أم خوفا من ثورة داخلية اسلامية أم من المجتمع الدولي الذي يرى في السودان بوادر الثورة العربية السادسة بعد سوريا واليمن. الراية