بشفافية مسار... هل أنت شاعر؟! حيدر المكاشفي من بعد إطلاقه ل «لاءاته» الشهيرة، لا احتكار للإعلام ولا رقابة ولا حجب ولا إغلاق للصحف ، ومن بعد وعوده المبذولة بحرية الصحافة وتحرير الاعلام من القبضة الرسمية، والتي لم يتحقق منها شئ، بل ولسخريات القدر حدث نقيضها تماما بمصادرة وإغلاق بعض الصحف، ها هو السيد وزير الاعلام عبد الله مسار يعتلي منصة إطلاق الوعود مجددا ويبعث بوعد جديد يبشر بعودة اذاعة البي بي سي للبث من داخل السودان، وحكاية وعود مسار غير المبرئة للذمة هذه، ذكرتني بحكاية الشيخ الجليل محمد متولي الشعراوي مع الشاعر الشهير احمد شوقي رحمهما الله، قيل لما ظهرت قصيدة شوقي التي يقول في مطلعها «رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق» وكان قد نظمها بُعيد انقضاء الشهر الفضيل، واعتبرها البعض من سقطاته الشعرية لتعبيرها عن لهفة لمعاقرة الخمر التي امتنع عنها طوال شهر الصوم، مع ان احمد شوقي نفسه كما قيل لم يكن يتعاطي الخندريس، قيل ان الشيخ الشعراوي قد انزعج جدا من هذه القصيدة فذهب إلى شوقي يسأله عنها وعن سبب نظمه لها ودعوته فيها لتناول الحرام، قيل إن احمد شوقي في رده علي الشيخ لم يزد عن تلاوة الآية «والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر انهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً...» إلى آخر الآية الكريمة، وبهذا الرد كأنما أراد احمد شوقي أن يقول للشيخ لا تعاتب الشعراء بما يقولون وما قلته في هذه القصيدة لا يعدو كونه كلام شعر «ساكت» وان اعذب الشعر اكذبه... اولئك هم الشعراء الذين يجوز لهم اطلاق الوعود الكبيرة والامنيات العذاب التي نستعذبها ونطرب لها ونصفق دون ان نحملهم مسؤولية تحقيقها، فهل السيد وزير الاعلام شاعر يكتفي بإطلاق التصريحات المبشرة والوعود المفرحة دون ان يتبين ما اذا كان في مقدوره تحقيق وتنفيذ ما يتطوع بإطلاقه بطوعه وكامل وعيه وحالته المعتبرة شرعا من وعود، بالطبع لا، فالوزير مسؤول تنفيذي لا يجوز له ان يبيع الناس الوهم والوعود الكذوبة ثم يمضي لحال سبيله كما يمضي الشاعر مزهواً بعد ان يلقي قصيدة عصماء، وآخر ما ألقى به السيد وزير الاعلام على مسامعنا هو وعده بإعادة إذاعة البي بي سي لبثها من داخل السودان في اللقاء الذي جمعه بالسفير البريطاني نيكولاس كاي وهذه الاذاعة كما هو معلوم قد اوقفت بقرار متعسف دون مبررات مقنعة قبل نحو العام ونصف غابت خلاله عن المستمع السوداني الذي ارتبط بها لعقود متطاولة وتعلم من برامجها واخبارها الكثير واستطاعت هذه الاذاعة بما تقدمه وتبثه ان تتغلغل في وجدان الكثيرين وتصنع لنفسها بإجادتها ل «الصنعة» الإعلامية قاعدة كبيرة وعريضة جداً من المستعمين الذين تقدر أعدادهم بالملايين، فهل يصدق مسار هذه المرة فتعاود البي بي سي بثها أم نعود نحن للقول له مجدداً لا تعد بما لا تستطيع فعله ولا تقول ما لا تفعله... الصحافة