حديث المدينة تكسير الوقت..!! عثمان ميرغني مفاجأة كبرى.. أدهشني للغاية أنني اكتشفت لأول مرة أن بعض الجرائم لم تكن تقع تحت طائلة القانون.. حسب نص الخبر الذي حملته جميع صحف الأمس لتصريحات الدكتور الطيب أبو قناية.. رئيس آلية مكافحة الفساد.. الذي قال في اجتماع مع لجنة العدل بالمجلس الوطني.. قال إن الآلية بصدد إعداد قانون خاص بها يتضمن (إدخال كل من الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ والثراء المشبوه ضمن مسميات الفساد).. هل صحيح أن هذه (الجرائم!!) ما كانت تعد جرائمَ في القانون الحالي.. وأننا بحاجة لقانون جديد يصنف الرشوة واستغلال النفوذ على أنها جرائم تقع في دائرة (الفساد!).. حسب علمي.. ليس في القانون مصطلح يسمى (الفساد).. فهي عبارة سياسية مقصود منها الإشارة العامة لسلوكيات كثيرة.. بينما القانون عادة يشير إلى سلوك محدد.. فالرشوة مثلاً في أي قانون لا تحتاج إلى تصنيف تحت لائحة (فساد).. فهي رشوة بالمعني الحرفي المعلوم لدى الجميع.. ولم تنتهِ الدهشة بذلك.. قال الطيب أبو قناية في نفس الخبر.. إن القانون الجديد يجب أن يتضمن حماية للشهود والشاكين.. هل صحيح أن الشهود في القانون الحالي لا يتمتعون بأية حماية قانونية؟ مع كل احترامي للسيد رئيس آلية مكافحة الفساد.. إلا أنه يوغل السير في الاتجاه الخطأ.. فإن كان يعلم ذلك ويصر على السير في هذا الطريق.. فتلك مصيبة.. وإن لم يكن يعلم فالمصيبة أكبر.. الذي يجدر أن يعلمه السيد أبو قناية.. أن المشكلة ليست في التشريعات.. ولا في كفاية الأجهزة المنوط بها تطبيق القانون في مختلف مستوياته.. لكن المشكلة هي في (الإرادة السياسية!!).. بعبارة أخرى.. هل صحيح أن الحكومة ضجرت من الفساد أم من (الحديث) عن الفساد..؟؟ هل ابتكرت الحكومة آلية مكافحة الفساد لأنها أحست بخطر الفساد.. أم بخطر (الحديث عن الفساد)..؟ وبالتالي.. هل ابتكرت الحكومة هذه الآلية ل(مكافحة!) الفساد.. أم لمكافحة (الحديث!) عن الفساد؟ على رأي شاعرنا أبو قطاطي (سكتي الخشامة!! وانزلي في العوازل كي). الإجابة على هذه الأسئلة مهمة للغاية لضمان نجاح عملها.. فإذا كانت الآلية لكف العين وإخماد الحديث الرائج عن طوفان الفساد.. فمن المؤكد أن ما قاله الطيب أبو قناية.. يساهم في ذلك.. لأنه يضيع الوقت في سمكرة القوانين وتدبيج الديباجات والصياغات ثم العبور في مسارات طويلة لإجازة القانون حتى آخر المطاف في البرلمان.. وحينها يكون الفساد نفسه ضجر من الفساد.. القانون الجنائي للعام 1991.. في دفتيه كل شيء.. ولا حاجة لإضاعة الزمن في مزيد من القوانين.. المطلوب فقط ضخ العزم في (الإرادة السياسية) لمحاربة الفساد بصورة مباشرة صريحة لا إلتواء ولا تأويل فيها. التيار