زمان مثل هذا الخسران.. رحلة لم تنتهِ الصادق الشريف وصلت قضية رسوم النفط بين الشمال والجنوب إلى نهاياتها.. صراعٌ مكتومٌ.. سباقٌ محمومٌ ليس فيه منتصر.. أو كما عبّر عن ذلك الشاعر الرائع عاطف خيري: أجملُ الناجين من الذبحِ صارَ يعبدُ خِنجراً والرجال على وشْكِ أن يبيعوا شيئاً عزيزاً فاحترس! كلُّ شيءٍ يعرقُ تحتَ الجِناحِ سيمضي والنباحُ الذي دلّك على النبعِ دلّ الحرسَ كان صراع الحكومتين حول النفط.. صراعاً لا يُقالُ فيه السببُ الرئيس والدافعُ المباشر الذي يمنعهما من التوصل لاتفاق.. تماماً كما كتب قبل ذلك الدكتور فرانسيس دينق (ما لم نقله هو الذي يفرق بيننا). قلنا في هذه المساحة قبل أسبوعٍ واحدٍ فقط : إنّ قضية النفط لن تصل إلى نتائج.. لأنّها ليست مقصودة لذاتها.. فهي كرت الضغط الأوحد لدى الجنوب لإخراج ما تراه جوبا حقوقها لدى المؤتمر الوطني. وبالفعل.. حكا الرئيس البشير للصحافيين المرافقين له (قصة البواخر).. قصة تقديم السبت.. انتظاراً للأحد (رغم أنّ الأحد إجازة في دولة الجنوب). حكومة جوبا لعبت على ثلاث مراحل.. اشترطت إطلاق سراح البواخر قبل التوقيع أولاً.. ثمّ عظمت الشرط بوجود ضمان لإطلاق سراح البواخر عقب التوقيع مباشرة ثانياً.. ثمّ تعاظم الشرط لإطلاق سراح البواخر قبل التوقيع ثالثاً. وبعد إطلاقها مباشرةً قالت جوبا إنّها (لن) توقع اتفاقاً لقسمة عائدات النفط.. بل ستوقعُ اتفاقاً إطارياً (مؤقتاً).. ليس ذلك فحسب بل أنّها لن توقع ذلك الاتفاق الإطاري إلا بعد أن يتخلى الشمال عن (أبيي والحدود) كما تراها جوبا. وها هي بواخر النفط الجنوبية تمخر عباب المحيط.. تبتعدُ عن ميناء بورتسودان.. ويعود الوفد الرفيع الى الخرطوم بِخُفَيِّ وأحذية ذلك الرجل المشهور. وسنعود لمقالٍ تفصيليٍّ آخر نورد فيه عدداً من المعارك التي خاضتها جوبا مع الخرطوم.. وكان النصرُ فيها من نصيب جوبا.. لكن ليس اليوم. اليوم سنعود لمقالنا.. إدارة الصراع/ التفاوض ليس عبثاً.. بل فنٌّ يجب الجلوس لدراسته.. فلا يمكن أن تراهن الخرطوم على كسب صراعاتها عبر منابر الإعلام فقط.. بينما هي في حقيقة الأمر تفقد النتائج على أرض الواقع. فالسامع للأصوات الحكومية المتعالية التي تقول بأنّ الخرطوم ستأخذ نفطها (عيناً.. وشهراً بشهر) من على المنابر.. سيعجب حتماً حين يجد التنازلات تُقدّم تباعاً.. ثمّ تأتي النتيجة النهائية ليفقد كلّ شيء. هكذا كان الحالُ بالنسبة للطائفية والقوات الدولية.. والانفصال.. وأبيي.. والبترول.. وكانت النتائج غرائبية ومدهشة إلى حدٍ كبيرٍ. وفي سياق هذا الخُسران المتواصل للقضايا الوطنية.. علّق لي أحدهم بأنّه حين يقرأ سورة العصر.. ويأتي على جواب القسم (إنّ الإنسانَ لفي خُسر).. يقول في سرِّه (صدق الله.. خاصة الإنسان السوداني). من المحرر: خسرنا قضايا الخارج.. سنعود إلى قضايا الداخل يوم غدٍ بإذن الله.. القضايا التي يمكن أن نكسبها لو أحسنا التخطيط لها.. وهي قضية مصرف الشباب.. فإلى الغد. التيار