.. [email protected] في أوائل ثمانينيات القرن الماضي وليس ببعيد عن تخطيط الكيزان ، حينما انقضوا على نظام مايو وهو يعاني في قمة ترنحه بعد فشل المصالحة الوطنية وبدأ يبحث عن حليف يتكيء عليه في تلك المرحلة التي فقد فيها الدرب في مياه تخبطه ، فرض على المغتربين الضرب على البطن، باعتبارهم الحيطة القصيرة التي لا ظهر لها ، وهو ما سمي بضريبة الاغتراب التي لا تستند الى مسوق قانوني ، لاسيما بالنسبة للذين فروا بجلدهم مجبرين حيال ضيق سبل العيش الكريم وارتفاع غلاء المعيشة والتحقوا بوظائف في بلاد المهجر بموجب تعاقدات خاصة ، تتفاوت في درجاتها ، وفقا لظروف الشخص ومؤهلاته أو حتى اضطراره ،ورغم ذلك أستجابت جيوش المغتربين بكل طيبة خاطر لا اكراما للنظام وانما مساندة للوطن وأهله المنكوبين ،و أيضا ليس لان الدولة ربطت ذلك بتكملة اجراءات تجديد الجوازات والمعاملات الأخرى وأهمها ربطها الاجباري والمخزي بتاشيرة الخروج في ظاهرة فريدة وغريبة لم تفرضها اية دولة في العالم بغرض لوى ذراع المغترب على مطلقة ، فيما كان من الممكن تفهم الأمر لو أن الدولة فرضت تلك الضريبة على من تكرمت عليهم بفرص الانتداب للعمل بالخارج أو الذين منحتهم اجازات بدون راتب بمقدار مدة اغترابهم ، وهم الذين سيعودون لممارسة وظائفهم عقب عودتهم بعد انقضاء مهمة الانتداب أو انتهاء فترة الاجازة في حالة عدم رغبتهم في الاستقالة أو تسوية أوضاعهم بصفة نهائية ! وكان من الممكن مناكفة الدولة في ذلك الصدد بشتى الوسائل على الأقل للحصول على مكاسب مقننة مقابل ما يسدده المغترب من التزامات فرضت عليه ، فيما كان الكثيرون ممن يتكسبون داخل الوطن اضعاف دخل المغترب لا تقترب منهم سكينة الضرائب أو يتهربون من التزاماتهم بمختلف الوسائل والحيل ! ولعل سابقة كسب المغتربين المصريين قضيتهم ضد الدولة بواسطة المحكمة الدستورية حينما حاولت حكومتهم تطبيق نظام الضرائب عليهم ، تمثل نموذجا مثاليا ، كان من الممكن الاحتذاء به ، رغم أن للمغترب المصري شروطا وضمانات لا توفرها حكوماتنا في حدها الأدني من حيث الاحتفاظ له بوظيفته بموجب عقد يجدد اثناء فترة غيابه ويحفظ له حقه في الترقي والتقاعد ، وبمقابل رسوم رمزية اعتبرها المغتربون مجزية وكافية جدا لمقابلة تلك الخدمة ! بينما اعتبرت حكوماتنا المتعاقبة أن سكوت مغتربينا لكل ما تفعله فيهم من بهدلة غير مبررة ، انما هو تصعير للخد و نوعا من الخوف ، دفعها الى تطبيق نظريات ما أنزل الله بها من سلطان في كل البلدان و الأوطان ، فاخذت تكيل عليهم ركام الاعباء بشتى المسميات ، من ضريبة الاعلام كرسوم مبطنة للقدوم بالعملة الصعبة و تحصيل رسوم المغادرة بالعملة المحلية ! وارتفاع رسوم المعاملات والتوثيق بما لا يتناسب مع نوعية الخدمة ، مثل مدة تجديد الجواز التي لا تزيد عن العامين ، فيما لا تقل مدة التجديد في كثير من البلاد عن خمس سنوات كحد أدني بما يوفر الضغط على مكاتب قنصلياتها وسفاراتها الخارجية ، ومكاتب جوازاتها بالداخل كل تلك المثالب يعانيها مغتربنا السوداني فضلا عن التهزىء في اروقة الهيئة التي تحمل اسمه لمن يعجز عن السداد الى درجة الاستخفا ف بكتاب الله لاداء القسم عليه بصورة لا تتناسب مع قدسيته ، وهو متبادل في يد من هو أو هي على غير طهارة من الموظفين والمراجعين ، بل وقد اقحمت الزكاة دون التقيد بالنصوص الشرعية التي تحدد نصابها أو استيفاء دخل من تحصل عنه ، فقط للوصول باية صورة الى جيبه المخروم ! وقد تصل مأساة المغترب العاجز عن ايفاء تلك الجبايات الجائرة الى حرمانه من السفر وبالتالى ضياع اسرته ومن يعيلهم و حرمان الوطن من تحويلاته التي تغذي اقتصاده دون شك ايا كان تواضعها ! بينما شواهد اضطهاد المغترب في صالات وساحات الجمارك ، وغيرها لا يمكن حصرها ، وكأن الأمر وقتها قد بات حقدا على المغترب رغم ما يقدمه من تضحيات لايجد حيالها ، ما يحفظ له قدرا من الكرامة في بلاده ، توفر له في بلاد الأغتراب ! الآن المغتربون رغم ما تحملوه سنينا عددا دون من أو أذى تجاه البلاد و أهلهم ، وبعد أن كانوا في عز تتباهي به أغنيات البنات وهن يتسابقن على قلوبهم العامرة بحب الوطن ومواطنيها ! لم يعد لهم ذلك البريق ، ولاعادت دخولهم تكفي لمواجهة ارتفاع المعيشة في بلاد المهجر و مصاريف التعليم ، والعلاج ، وخلافه ناهيك عن مساعدة أهلهم ، ورغم اتسعاع رقعتهم افقيا في بلاد الله الواسعة، الا أن تراجع وضعيتهم العامودية جعلهم من الفئات التي لا تحتمل أية طعنات جديدة في أجسادهم المنهكة ، بل وباتوا بين البين ، لاهم مرتاحون في شتاتهم ولا يستطيعون العودة الى وطن يفتقرون فيه الى الحد الأدنى من عناصر الأستقرار كالسكن وتعليم الابناء والعودة الى وظائفهم لمن هم على درجة من المقدرة على ذلك ! نقول هذا خوفا من أن تتجه الحكومة الحالية وهي تعاني من رهافة خيط اقتصادها بعد فقدها موارد النفط للعودة الى فرض أ عباء جديدة على المغتربين لتغطية جانب من عجز مصروفاتها على قلتها والتي تهدر في ميادين الحروب العبثية والصرف البذخي في البرتكولات و التسليح الأمني والفساد ! وهو ما يدعونا الى أن ننبه المغتربين لأخذ غاية الحذر للوقوف صفا واحدا ضد اية توجهات من هذا القبيل ! وحتي لا يؤخذ الأمر على أنه تحريض للوقوف في وجه مساعدة الوطن في حد ذاته ، فاننا نقول أن قبول مثل هذا التوجه لابد أن يكون مشروطا بعقد واضح يحدد طبيعة المردود المجزي للمغترب كحق طبيعي ، من قبيل المنفعة المتبادلة في حالة فرضه ثانية، لا اعتبار المغترب ( بقرة حلوب ) تعطي من جانب واحد وتترك لتعلف نفسها من فتات الأرض ، دون رعاية ! والا فالسكوت مرة أخرى على تغول الدولة على ما تبقي من شقاء عمر المغتربين ، يعد كتكرار تعلم الحلاقة أو الزيانة في رؤوسهم الحائرة دون بوصلة في جهات الدنيا الأربع ، بينما مقدرات الوطن يقتسمها أهل السلطة والتمكين وذويهم ، في ظل تمثيلية محاربة الفساد التي تعلو نبرتها هذه الأيام جراء الخوف من رياح الغضب التي تملاء الصدور وتزحف على الحناجر عبراتها الحرى ! وكان الله في عون المغترب المسكين الذي لم يطل بلح اليمن ولا عنب الشام ! انه المستعان ،. وهو من وراء القصد ..