تراسيم.. دكان الحكومة!! عبد الباقي الظافر إعلان صغير لشركة فورد الأمريكية أثار زوبعة.. شركة صناعة السيارات العملاقة كانت تغري زبائنها بأنها لم تمدّ يدها للحكومة إبان الأزمة المالية.. غيرها نال حوالي 80 مليار دولار أمريكي، حزمة مساعدات حكومية.. الحكومة الأمريكية لم تكتفِ بالدفع المباشر بل استحدثت وسائل دعم مباشر للمواطنين حتى يزيدوا من استهلاكهم.. إدارة أوباما كانت تشتري السيارات القديمة من أصحابها وتدفع لهم مقدم شراء سيارة جديدة.. القاعدة الأمريكية كانت تنظر إلى أن تعثر الشركات يعني انهيار الاقتصاد الأمريكي. أمس الأول كانت باكورة إنتاج وزارة حماية المستهلك بولاية الخرطوم خبر افتتاح مراكز حكومية لبيع الغاز بالأسعار الحكومية.. فيما اتفقت محلية الخرطوم مع اتحاد أصحاب العمل لطرح إحدى عشرة سلعة بالأسعار الحكومية.. وقبل أن يجف مداد هذه الأخبار كان بعض المواطنين يشكون من خدعة الحكومة لهم.. في فورة الغضب الحكومي على ارتفاع الأسعار مضت ولاية الخرطوم للدخول في العملية الإنتاجية بشكل مباشر.. على ناصية كل طريق افتتحت متجراً حكومياً.. هذا المتجر يتمتع بامتيازات في الموقع وإعفاءات وتسهيلات.. لم تكمل هذه المتاجر عامها، وإذا بحكومة الخرطوم تعيد النظر في أمرها.. معتمد الخرطوم طلب من هذه المتاجر أن تستتر في شوارع خلفية. وزارة الصحة تبشرنا بأنها ستعين ألف كادر طبي في ولاية الخرطوم.. هذه الألف سانحة لا تمثل إلا نقطة في بحر العطالة.. مصنع دواء سعودي جديد بالخرطوم رأسماله عشرة ملايين دولار يخطط لاستيعاب خمسمائة صيدلي في دورة إنتاجه الأولى. الحكومة تتجه في الطريق الخاطئ.. تفترض أن ارتفاع أسعار الغاز سببه جشع التجار.. الحقيقة ليست كذلك، وإلا ما احتفظ الملح بسعره الزهيد.. الملح سلعة مهمة لا يشعر بقيمتها إلا من افتقدها.. رغم ذلك لا أحد يستطيع احتكار الملح بسبب وفرته في جمهورية المليون ميل إلا ربعاً.. ذات التفسير الحكومي صاحب ارتفاع سلعة السكر وسيصاحب غداً ارتفاع أثمان الدواجن أو الخبز. في مثل هذه الأيام من العام الماضي حدث شح في غاز الطبخ.. وزير النفط السابق اتهم وكلاء الغاز بتنفيذ مؤامرة ضد الحكومة.. الوزير وقتها أكد أن حكومته بصدد استيراد نحو عشرة آلاف طن من الغاز.. هذا يعني أن حكومتنا كانت تستورد الغاز حتى قبل انحسار نفط الجنوب.. الآن الدولار أغلى سعره في الأسواق، لهذا من السهل تفسير أزمة الغاز وأخواتها من السلع المرتبطة بالاستيراد. من غير المقبول أن يتدخل شخص ما بين المرء وزوجه.. فكرة ولوج الحكومة لبيع أي سلع تماثل ذاك الانحشار غير المقبول.. المطلوب من الحكومة ليس بيع الغاز والسكر على قارعة الطريق بل تهيئة الفرص المناسبة لزيادة الإنتاج الذي يزيد من فرص العمل ومن ثم يرفع مستوى المعيشة.. عندما تفتح الحكومة متجراً تغلق عشرة من متاجر الشعب. سأقدم لكم مثالاً عملياً.. أحد مصانع الدواء يحتاج لنحو سبعمائة ألف دولار لإنتاج دواء استيراده من الأردن يكلف الخزينة نحو سبعة ملايين دولار.. الحكومة بدلاً من مساعدة ذاك المصنع تلحّ في وضع تسعيرة لأصناف الدواء. التيار