[email protected] ذات مساء موشح بالأحزان ومجلل بالسواد , حومت المنايا حول حمى السودان واصطفت وردي ,,,رحل وردي فاستحال الزمان دهورا من الأسى واستحال المكان سرادقا للفجيعة ,,, يا لبؤس الموت ويا لنجاعته في اصطفاء الجياد.رباه ,,, ما أضيق وعاء الكلمة حين يراد له احتواء فجائع المعاني وحزينها, وما أتعسني إن هممت بحروف دامعات في حضرة الغياب الكبير. كثيرا ما شدني بيت صناجة العرب – المتنبئ- (وما المرء إلا كالهلال وضوءه ,,,يوافي تمام كماله فيغيب) ولكم أردت استكناه كنه ذلك البيت وتمثله , فما أدركته إلا حينما مار كوكب السودان النضاح وبلبله الصيداح في تراب مقابر فاروق, يا لجسارة هذا التراب الذي ماجت ذراته سنا تحت الأنغام الوردية , أن يحتوي من جعل السائرين على سطحه أساري في عوالم العشق والدله والوطنية , أتراه يبادل ضيفه حبا بحب ؟ لكن وردي مقيم بأضرحة القلوب مكانها . وردي لم يكن بحاجة إلى ذلك الاستفتاء الكبير الذي شهدت به مقابر فاروق , فهو منحوت بذاكرة شعب وهبه حياته وأغنياته , وذاك نحت لا تطاله خدوش الزمان وان تطاولت عهود الفانية ولا تعتريه غبرة التقادم وان مشت على رسم الحياة أحداث وأحداث , حدثني قلبي حينما حلت رسالة بصندوق الوارد في هاتفي المكلوم نصها \"وردي لم يتم التسليم\" كان ذلك تقريرا لرسالة محملة بدعوات العافية للهرم العظيم , وما اعرفه عن وردي أنه يرد على كل ما يرد إليه من اتصالات ورسائل , حينها أدركت أن الروح الوردية تحلق بعيدا . وردي حالة من الألق تستعصي على المقاربة وتستحيل على التكرار , هي حالة لطالما زهت بها المكتبة الغنائية السودانية وهى تنثر جميل شدوه ورفيع موسيقاه , وتلك منظومة يدركها حتى من به صمم , ويألفها كل من ألقى النظر وهو شهيد على السيرة الوردية , سيرة أسهمت ثمة عوامل وعناصر في تأطير وتعطير لوحتها , فانحداره المعاكس للنيل مجرى من لدن أقاصي الشمال حيث مهد الحضارة النوبية , شكل أولى المحطات في الرحلة الوردية , فما بين وردي و بعانخي وترهاقا , وصلة خؤولة تجمعه بالخليل , حروف مختلفات ومعان مؤتلفات , لعلها حروف حفظ بها وردي تأريخنا من الضياع واهبا البسمة للنهر القديم ومخلدا شهداء الأمة وكبارها واحدا تلو الآخر , ومؤرخا لأحداثها الجسام حدثا, حدثا من لدن ترهاقا والمهدي وعبد القادر ود حبوبه وعلى عبد اللطيف والاستقلال وأكتوبر وأبريل 1986م , عندها وقف \"ضل التاريخ السوداني ولم يزد\" . وتلك معان نظم بديع ألحانها وردي غارسا روح الوطنية بعد فوات وباعثا آمال الأمة من بعد موات . في زمن الغربة والارتحال , تأخذني منك وتعدو الظلال , هكذا أنشبت المنايا أظفارها مسرعة فتلفح النيل ثوبا اسودا من بعد اخضرار , ولم يعد الخصر معاكسا لامواهه ليميل , بيد أن شرفة التاريخ ستظل دوما مشرعة على طرقات الوطن, تنسجها خيوط الطواقي , وتناغمها أصوات السواقي ,وتدانيها دموع الفراق . وداعا يا من جعلت الوطن يكتب بمداد الحياة ويرطن بلسان الأمل,,,وداعا يا من منحت جروف النيل نضرتها,,,وداعا يا من أسمعت العالم صوت طفلة وسط اللمه منسيه,,,وداعا يا من برحيلك رحل بريق الوطن وجفت بوداعه ينابيع الفن والشدو الأصيل,,,وداعا يا من رحلت تاركا الفن من بعدك يتيما على موائد اللئام ,,,من لشعبنا المغلوب يا ملهم ثوراته؟؟؟ من لوجداننا من بعدك في مواسم الفجيعة والشدو الأسيف؟؟؟من للنيل والنبل وقد جفت كأسات الحياة؟؟؟وكيف يطيب لنا الجلوس مهذبين في حضرة الوطن وأنت روحه؟؟؟ وردي سلام على وجهك في الخالدين