أفق بعيد يوم أكل الثور الأبيض فيصل محمد صالح [email protected] كان من المفترض أن نمضي في الحديث عن محمد وردي، فقد جاء يوم شكره، لكن الحادثات لا تترك لنا سبيلا. في حوار أجراه الزميل عادل الباز مع السيد الفريق محمد عطا رئيس جهاز الأمن الوطني، ونشرته الأحداث قبل حوالي أسبوعين، نفى الفريق عطا استمرار الرقابة، وقال إنها رفعت ولم تعد موجودة، وحين سئل عن التعليمات التي ترسل للصحف عبر رسائل الموبايل، أجاب رئيس الجهاز \" هذا request \" أي طلب وليس أمر. فرد الباز سريعا..ولكن يتم مصادرة الجريدة من المطبعة. هذا هو الواقع الذي تعمل في ظله الصحف، أعلن قبل أشهر طويلة عن رفع الرقابة المباشرة، حيث كان ضباط الأمن يأتون لمكاتب الصحف ويراجعون الصفحات، لكن استمرت الرقابة بأشكال أخرى، منها التعليمات التي تأتي بالتليفون أو بأشكال الاتصالات الأخرى, وهي ليست طلبات ورجاءات، بل هي تعليمات، إذا لم تلتزم بها الصحف يتم مصادرتها بعد الطباعة مباشرة، والعقوبة هنا مضاعفة بتحميل الصحيفة قيمة الطباعة مع منعها من التوزيع. تم استخدام هذا الأسلوب مع عشرات الصحف، حتى لم تبق صحيفة تقريبا، لم تتعرض لهذه المصادرة المكلفة، الصحافة- التيار- الأحداث- الجريدة- الميدان، وقبل ذلك أجراس الحرية ورأي الشعب....الخ. وهذه بالتأكيد عقوبة مغلظة ومضاعفة تزيد من الأعباء المالية للصحيفة، لكنها ليست العقوبة الوحيدة، فالأمر قد يصل للمصادرة ومنع الصحيفة من الصدور، كما حدث ل\"رأي الشعب\" و\"ألوان\" وحدث من قبل لصحيفة \"الجريدة\". وما حدث أمس واليوم هو مواصلة لهذا السلوك المستمر، أرسل جهاز الأمن رسائل للصحف بعدم نشر أخبار المؤتمر الصحفي للدكتور الترابي، وتم مصادرة الصحف التي لم تلتزم بالتعليمات، ومن بينها صحبفة التيار. أكثر من ذلك فمن غير المسموح الاحتجاج بأي صورة أو وسيلة على عملية المصادرة هذه، فهي أيضا تصبح تلقائيا من الأخبار الممنوعة. ما هو المعيار الذي يستخدمه جهاز الأمن لتصفية الأخبار، هو معياره الخاص غير القابل للمناقشة، وماهو مستنده القانوني الذيه يعطيه المشروعية؟ لا يوجد، لا في الدستور ولا في القوانين المعروفة التي تمت صياغتها وفق الأعراف القانونية والدستورية المعروفة، لكنه يستخدم قوته وسلطته المطلقة. المهم في الموضوع أن الصحف قبلت الرقابة واستسلمت لها، وفي كل يوم يضيق الهامش، الضيق أصلا، وتزيد المواد المراد حجبها، وفي كل يوم يتم قضم مساحة حرية كانت متاحة بعد نضال عنيف ومستمر. وتترك الصحف زميلاتها من الصحف الأخرى تنال عقابها وحيدة، دون أي شكل من اشكال التضامن الذي تقتضيه روح الزمالة وحقيقة أن هذه الكاس تدور، ولا بد أن كل صحيفة ستذوقها، وحيدة منفردة، حتى تبقى آخر صحيفة تندب حظها وتصيح : لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض.