[email protected] تتضافر الجهود هذه الأيام من أجل إقامة مدينة السودان الرياضية وذلك بتكوين اللجان المتخصصة لجلب الدعم من الداخل والخارج ومخاطبة الجهات ذات الاختصاص في الداخل،ولكن هل تحتاج جهات الاختصاص في الداخل الي لجان لمخاطبتها ألا يمكن صدور توجيهات لها او الطلب منها القيام بدورها سوي بإعداد التصاميم والدراسات او الاستعانة ببيوت الخبرة في الخارج للقيام بهذا الأمر او وضع الميزانيات وخطط العمل دون اللفة الطويلة المتمثلة في اللجان وما يصاحبها من مصروفات وتغييب للمسؤوليات ، أما بخصوص الدعم المالي من الداخل فهذه قضية تحتاج لتوضيح فما هي تلك الجهات بالداخل التي تملك فوائض من الأموال لتساهم بها علماً بأن هنالك كثير من الاحتياجات الماسة في الحقل الطبي والتعليمي وغيرها من المجالات التي تحتاج للدعم وتصد بحجة نقص االسيولة وإذا كانت هنالك فوائض أليست وزارة المالية هي الجهة المنوط بها التعامل مع الجانب المالي حسب اولوياتها وبرامج الميزانية الموضوعة سلفا؟ وأين كان موقع المدينة الرياضية عند وضع الميزانية لهذا العام؟ للأسف تعودنا خلال فترة وجود هذا النظام الغشيم الجاثم علي صدر البلاد دون حياء علي سماع الجعجعة وغياب الطحين من خلال اقتراح المشاريع ألكبري وقيام التظاهرات الاحتفالية والخطب الحماسية وإعداد الدراسات والتبشير بالمستقبل الزاهر والحصول علي الدعم من بعض الجهات ومن ثم ينفض السامر وترجع حليمة الى عادتها القديمة وتمكث تلك الدراسات داخل أدراج المسئولين تعاني العزلة وتتحول الي مسكن مريح للعناكب والغبار. وتمثل المدينة الرياضية اكبر نموذج لسوء التخطيط وغياب المحاسبة وأصبحت أطلالها شاهد علي فشل المسئولين وتهتك الذمة وإندياح الإهمال والتسيب و بؤرة للفساد والخراب الشوفتو ما دايرالَه عين بتعبير حميد و هنالك دخان كثيف يدور حول أموال وأراضي المدينة الرياضية وأنها تحولت الي نافذة لثراء البعض. وذكرني موضوع إعادة بناء المدينة الرياضية بقصيدة حميد الجابرية ومشكلة أهلها مع الحكومات المتعاقبة، وأهل الجابرية يحاولون في كل مرة بعث الأحلام المقبورة وإعادة ترميمها مع تعديل الشعارات التي تناسب كل حكومة مع ثبات اليافطة في نفس المكان كدلالة علي ثبات المطالب ومركزيتها في حياة الجابرية وهي مطالب الصحة والتعليم والخدمات وفي كل مرة يصطدمون بحكومة مستعجلة وصماء لا تسمع ندائهم وصوت أنّاتهم وآهاتهم وهي تعيش معهم بجسدها فقط من غير روح او إحساس بهم وهي لاهية في ملكوت نعيمها وكيفية المحافظة عليه، وتُصدِر لهم الوعود الجوفاء والأحلام الكاذبة. ولذلك اعتقد قبل الشروع في إقامة مدينة السودان الرياضية لابد من معرفة الكيفية التي تم التعامل بها مع أموال المدينة الرياضية ولأجل من تقلصت مساحتها وما هي الجهات الممولة والمنفذة للعمل السابق ولماذا لم يكتمل العمل بها منذ ذاك التاريخ (ان لم تخني الذاكرة و خلال قيام بطولة الامم الافريقية بدولة بوركينا فاسو ذكر احد الكتاب الرياضين ان دولة بوركينا فاسو كانت لا تملك أي استاد مؤهل لقيام المباريات الدولية عندما شرعنا في إقامة المدينة الرياضية وبالرغم من ذلك استطاعت اقامة عدد من الإستادات الدولية المشرفة بل وإقامة العرس الافريقي داخل أراضيها بصورة مشرفة ومازالت مدينتنا في رحم الغيب ) لان الإجابة علي مثل هذه الأسئلة تساعد علي سلامة الانطلاقة وتقنع الجهات المانحة بصدقية القنوات التي ستذهب من خلالها الأموال ومصبها النهائي ولابد من وجود رؤية واضحة للمطلوب إنجازه وإمكانية تمويله بعيداً عن الأحلام الكبيرة والتوقعات المرتفعة والحماسة الزائدة التي تسبب الاكتئاب عند الفشل في تنفيذها و(الفينا من إحباط مكفينا ومدفق). وفي هذا المقام هنالك سؤال يطرح نفسه بإلحاح هل مدينة السودان الرياضية تمثل أولوية في ظل هذه المتاعب الاقتصادية والتعقيدات السياسية والحروبات ومشاكل النفط والحدود مع دولة جنوب السودان. أليست أحوال الرياضة هي انعكاس لأحوال البلاد والعباد، بمعني آخر ألا تمثل إقامة مدينة السودان الرياضية كمن يضع العربة أمام الحصان أي الاهتمام بالرياضة وإهمال المواطن الذي يمارس الرياضة او يشجعها وتركه في العراء يواجه مشاكله ومنقصات حياته من غير حماية او دعم بل ومشاركته في القليل الذي يتحصل عليه بشق الأنفس ومطاردة الدينار في جيبه حتي يستقر بين أحضان منافذ الحكومة التي لا تعرف الشبع ولسان حالها يقول هل من مزيد. لذلك إقامة مثل هذه المشاريع وغيرها كالمطار الجديد والجامعات الجديدة تمثل هروب الي الأمام ومغالطة للحقائق علي الأرض وتؤكد بجلاء علي عمق الفجوة بين القيادات الحاكمة وجموع الشعب الذي بالتأكيد ليس كلهم رياضيين ولا يعلمون شيئا عن ناقة الهلال ولا جمل المريخ ولكنهم بالتأكيد يطمعون في العمل والأمان والعلاج والتعليم واختيار من يحكمهم واحترام آدميتهم وإبراز مواهبهم وقدراتهم في كل المجالات بعيدا عن التصنيفات السياسية او الدينية او العرقية. لكل ذلك المطلوب في ظل الظروف الحالية هو السعي من قبل الجميع لإقامة نظام سياسي يسع الكل والتخطيط للخروج من المأزق الاقتصادي الخانق بأسرع فرصة والمسارعة لإطفاء الحرائق في كل الجهات والتصالح مع الجيران ورعاية المصالح المشتركة بعيدا عن الرواسب والأحقاد وإبعاد العناصر المنفلتة والمنفرة التي تستثمر في الحروب والدماء، والتواضع والاعتراف بتردي الحال بدل المكابرة والعناد وكل ذلك يمثل الأرضية المناسبة ومنصة للانطلاق الي الأمام وفتح أبواب الأمل للشباب مما يزيد من جرعاتهم المعنوية ويفجر طاقاتهم ويقوي سواعدهم من اجل بناء مستقبل يستوعب الجميع بعد التصالح مع الماضي بكل إخفاقاته وعلاج احنه وتقرحاته وتجاوزه والحيلولة دون تكرار كوارثه الماثلة للعيان وعندها فقط سنقول مرحبا لبناء وطن إنساني ديمقراطي عملاق وليس مدينة رياضية فقط ،وأخيرا دعونا نتفاءل وكما يقول المثل مَنْ وثق بماءٍ لا يظمأ.