مفهوم المشاركة السياسية واجندة الحزب الحاكم بقلم : أ. سليمان علي [email protected] المشاركة السياسية كمصطلح أكاديمي تعني ( تمتع النظام السياسي بقاعدة شعبية واسعة وتأييد كبير وبمعني آخر هي ( قدرة النسق – النظام السياسي – علي تعبئة الجماهير في منظماته الجماهيرية وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وبالتالي تتمدد السلطة الشعبية لتشمل جميع الاجهزة الحاكمة في النظام السياسي المعين . مما يجعل النظام مسنودأ بارادة شعبية قوية وكبيرة . أما علي المستوي التطبيقي في السودان فقد تم استخدام المصطلح منذ فجر الحكم الوطني فيما يسمي بالحكومات الائتلافية وهي ان يتفق حزبين او اكثر من خلال الكتل البرلمانية للاحزاب علي تشكيل حكومة ائتلافية تتوزع فيها انصبة السلطة بحسب عدد مقاعد كل حزب في البرلمان . كما شهدت الحكومات العسكرية مشاركة سياسية علي مستوي السلطة التنفيذية فشهد الحكم العسكري الاول مشاركة الاستاذ / احمد خير المحامي ( الحزب الوطني الاتحادي ) بمنصب وزير الخارجية . وفي عام 1977 م عقد اتفاق المصالحة الوطنية بين الاحزاب السياسية ونظام 25 / مايو / 1969م العسكري وتم تكوين السلطة التنفيذية من كوادر الاتحاد الاشتراكي مع استيعاب وزراء من الاحزاب المصالحة ولم تحقق هذه المشاركة للاحزاب أدني قدر من التغيير لصالح التحول الديمقراطي وانتهي الاصطراع الداخلي في دهاليز الاتحاد الاشتراكي بقيام انتفاضة أبريل 1985م وعودة الحكم التعددي في نسخته الثالثة . اتسمت المشاركة السياسية في الديمقراطية الثالثة بتعدد الائتلافات الحزبية بين الامة والاتحادي والجبهة الاسلامية مما ادي الي حدوث ارتباك وعدم استقرار سياسي نتيجة للخلافات داخل الائتلافات الحاكمة الشئ الذي انعكس علي الشعب الذي اصبح بعيداً عن الحكومة وغير متحمس للمشاركة السياسية مما افقد الحكومة اي سند شعبي لها وتبلور هذا الشعور وتطور الي ان استولي الجيش بدعم من الجبهة الاسلامية علي السلطة في 30 / يونيو / 1989م وتحول الشعور بالاحباط من الائتلافات الحزبية الي تأييد للانقلاب العسكري حيث لم تخرج الجماهير لتعبر عن رفضها للحكم العسكري الثالث في تاريخ الحكم في السودان . تمكن الاسلاميون من السلطة في السودان عن طريق الانقلاب العسكري وتم حل جميع الاحزاب والنقابات والاتحادات وتم تكوين منظمات جماهيرية تتبع للنظام الجديد كوعاء لاستقطاب المشاركة السياسية الشعبية ونجحت السلطة ولمده عشرة اعوام في تفعيل المشاركة الشعبية من خلال التنويع في الواجهات والمؤسسات والهيئات لتقود العمل السياسي والاجتماعي في اوساط الجماهير . في العام 1997م تم توقيع اتفاقية البرنامج الوطني بين الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة الشريف زين العابدين الهندي والمؤتمر الوطني ممثلاً بشخص رئيسه عمر حسن البشير بعد اللقاء الذي استضافته دولة جيبوتي وتمخض الاتفاق عن مشاركة سياسية بين الحزبين علي مستويات السلطة ( اتحادية – ولائية ) ومنح الاتحادي حقائب وزارية في الصناعة ووزير دولة في الخارجية واخر في التعاون الدولي بنسبة في السطة ربما لم تتجاوز 5 – 10 % من السلطة التي تركزت في حزب المؤتمر الحاكم . بعد توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام بين الشمال والجنوب بدأت مرحلة جديده من المشاركة السياسية اصطلح علي تسميتها في الاوساط السياسية والاعلامية بالشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والتي نتجت عن قسمة السلطة والثروة بين الحزبين . واتسمت الفترة الانتقالية التي قامت عليها الشراكة بالصراع الحاد المعلن وغير المعلن بين مكونات الشراكة ( المؤتمر والحركة ) ولم تثمر هذه الشراكة ادني درجات الاستقرار السياسي المنشود فقد تكبلت اجهزة الدولة نتيجة لازدواجية الادارة بين الوزير ووزير الدولة في كل وزارة فقد انتجت الاتفاقية هذه الازدواجية باقرار تعيين الوزير من المؤتمر ووزير الدولة من الحركة والعكس صحيح ولم يتحقق اي انسجام يذكر وانسحب ذلك علي الاداء الحكومي خلال تلك الفترة . وخلاصة القول ان تجربة الشراكة لم تختلف كثيراً عن نموذج الائتلافات الحزبية في تاريخ السودان وطغت المصالح الحزبية الضيقة علي المصالح القومية العليا للوطن . توالت الصراعات الداخلية في حكومة الشراكة ورسبت تبايناً كبيراً بين الشمال والجنوب خاصة في الاوقات التي شهدت تصعيداً في الخلافات وبمرور الوقت صارت خصماً علي مستقبل الوحدة الوطنية في السودان وساهمت في تغليب خيار الانفصال لشعب جنوب السودان الذي صوت بنسبة 98.7 % لصالح نعم للانفصال وفقد السودان ثلث مساحته ونسبة من عدد سكانه والعديد من ثوابته التاريخية التي اصبحت فيما وراء حدود جديدة وتشكلت ملامح جديدة لخريطة السودان لم تجد عند الكثيرين قبولاً ذهنياً نتيجة لرسوخ الخريطة القديمة في الاذهان . بعد إعلان دولة جنوب السودان توجهت الحكومة لما اسمته بالجمهورية الثانية وسعت حثيثاً لاستقطاب مشاركة سياسية تتحمل معها عبء إفرازات الإنفصال من غياب لعائدات النفط ومسؤولية تاريخية ظلت توصمها بها القوى السياسية وهي تدافع عن نفسها تجاه ذلك تباطأت الاحزاب في قبول المشاركة السياسية من عدة إتجاهات فالبعض يرى ان على المؤتمر الوطني ان يدفع ثمن إنفراده بالسلطة طوال عقدين ونيف من تاريخ الإنقلاب العسكري وأن يدفع وحده ثمن سياساته الخاطئة فيما يتعلق بالحروب الاهلية التي زاد اوارها وإشتعلت في عهده.وأن لاتتحمل معه وزر التمزق الذي حدث للسودان بإنفصال الجنوب وبعض المناطق دخلت حيز نفس المصير مثل دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق فقد عادت الحرب في المنطقتين الاخيرتين اللتين كانتا تحت بروتوكولين ملحقين بإتفاقية نيفاشا ودون الخوض في تفاصيل عودة الحرب في جنوب كردفان والنيل الازرق فقد اجمع المراقبون على ان الحزب الحاكم يتحمل جزءاً من المسؤولية في عدم إستدامة السلام في هذه المناطق. إن الحزب الحاكم يضع المشاركة السياسية كمحاولة اخيرة لإخراج نفسه من مأزق الحكم الراهن فالازمة الاقتصادية والإضطرابات الداخلية وبقية القضايا العالقة مع دولة جنوب السودان مثل ابيي تمثل عواملاً خطيرة لمآلات سقوط النظام. إن اجندة الحزب الحاكم في المشاركة ومنذ العام1997م بُنيت على خلق نوع من التمثيل الشكلي للاحزاب الموالية وعدم منحها نسبة كبيرة على مستوى السلطة التنفيذية حتى لا يتأثر الحزب الحاكم في نسبته التي تعادل50+1% بصورة دائمة والغرض هو تمرير كافة السياسات الحزبية بالاغلبية المريحة ولم يريد أن يشرك الاحزاب الموالية في صنع القرار السياسي. وظلت الاحزاب الموالية ادوات تنفيذية للبرامج التي تخرج من مطابخ المؤتمر الوطني الداخلية. أيضاً من اجندة الحزب الحاكم من طرح المشاركة والسعي مع التيارات داخل كل حزب معارض هو خلق صراعات وإنشقاقات داخل تلك الاحزاب بأن تجعل الراغبين في المشاركة يصطدمون بأولئك الرافضين لها وبذلك تحقق إحدى مصالحها إما تفتيت وإضعاف الحزب المعين بالتالي يصبح في شغل شاغل عن الحكومة ودائراً حول نفسه بسبب الصراع الداخلي. وإما أن يشارك فيجمل (جاكتة) الحكومة بوردة بيضاء ذابلة يتم الإستغناء عنها بعد فترة وجيزة وتصبح غير ذات جدوى. إن طرح المشاركة السياسية على انها تنصب فقط في الوزارات والسلطات فهم خاطئ يجلب معه البلاء والفناء للاحزاب السياسية لأن مثل هذا الطرح يغذيه ويدعمه ضعاف النفوس ومدعي النضال الكاذب الذين ظلوا طوال اعوام الحكم العسكري يعارضونه علناً ويعانقونه سراً بالمصالح التجارية والعلاقات الخاصة والخدمات المتبادلة التي قد تصل الى بيع الذمم وخيانة رفاق الدرب الذين ضحوا بالكثير من اجل ان يظل الموقف من الانظمة الشمولية ثابتاً لا يتغير. إن المشاركة السياسية وفق اجندة الحزب الحاكم يجب ان تسمى باسمها وهو(الصفقة السياسية) لأن الحوار ليس على قضايا وإنما على انصبة السلطة. والحوار ليس على قضايا البسطاء والكادحين وليس على الغلاء الفاحش الذي فتك بالاسر السودانية وإنما على شخوص يريد ان يضعهم الحزب الحاكم ليزين بهم واجهة حكومته التي آلت إلى السقوط. إن الاحزاب السياسية السودانية إذا ارادت المشاركة السياسية فيجب ان تركز شروطها على قضايا التحول السياسي الكامل وأن تتركز مطالبها على تفكيك النظام واجهزته الحاكمة التي تكرس له البقاء. وأن تجري جراحة دقيقة لفصل اجهزة الدولة عن الحزب الحاكم ليصبح حزباً متساوياً في الحقوق والواجبات مع بقية الاحزاب لضمان ممارسة سياسية وإنتخابية قادمة شفافة وعادلة. إن بقاء المؤتمر الوطني ملتصقاً بالاجهزة العسكرية والامنية والشرطية سيطيل من امد بقاء حكم الحزب الواحد في السودان الذي سيشابه نموذج مصر في عهد مبارك يجب الضغط لبقاء اجهزة الدولة بمنأئً عن التسييس الضار بمصالح الشعب والدولة. وان تضطلع اجهزة الدولة بأدوارها الفعلية في حماية الوطن وامنه داخلياً وخارجياً. وأن تنائ هذه الاجهزة بنفسها عن الانتماء لأي حزب سياسي كما كانت في السابق. وعلى الاحزاب السياسية ان تتجنب التهافت على السلطة حتى لا تلقي بأنفسها إلى التهلكة.