[email protected] ذهبت رباح الي ان الجماهير لا تتبدل ولا تتحول في ولائها للسيد الصادق: "ويعلم الله أنّ الجماهير لا تريد للصادق بديلاً، وهذه المعلومة هي التي تؤرّق الجميع" الرأي العام 3/3/2012م. الافادة التي ادلت بها الاستاذة مشفوعة باليمين كحقيقة مسلّمة، لابد من فحصها ووضعها تحت المختبر حتي لا يكون الكلام مطلوقا، هكذا، علي عواهنه، وهذه فرضية لا بد من اثباتها او دحضها بالدليل لا بالأماني لأنّ العاجز هو الذي يتبع نفسه هواها ويتمني علي الله الاماني. فدعونا نبسط الحقائق التالية حتي يكون اتفاقنا واختلافنا قائم بيّنة. في سنة 1986م تاريخ اجراء آخر انتخابات تعددية معترف بنزاهتها من قبل كل الاحزاب والفعاليات السياسية، احرز حزب الامة برئاسة السيد/ الصادق الاغلبية متفوقا بما يقارب الضعف علي الحزب الذي يليه مباشرة في الحجم الانتخابي. كان عدد نواب درافور في ذلك البرلمان 36 نائبا من الدوائر الجغرافية، 34 منهم حزب امة وواحد اتحادي والاخر جبهجي. اي أنّ 94% من الكتلة البرلمانية الدرافورية حزب امة. في تلك الفترة تقول التكهنات ان عبد الواحد محمد نور كان في المرحلة المتوسطة، ومني مناوي لم يك شيئاً، وكان خليل ابراهيم في صفوف الحبهة الاسلامية ومن صقورها، بينما كان التيجاني السيسي حاكما لاقليم درافور ممثلا لحزب الامة. 26 عاما بالتقريب قد مضت علي بداية تلك الحيثيّات، وخلال هذه الفترة، مياهٌ كثرة تحت الجسور قد جرت. فماذا حدث؟، أولا: في عام العام 2003 استطاع مِنِّي، الذي لا نستطيع حتي هذه اللحظة ان ننطق اسمه بطريقة صحيحة، استطاع ان يجتاح مطار الفاشر ويثبت للحكومة انه صاحب سند جماهيري وعسكري وانه يشكل خطورة علي حياة النظام استنادا علي الاف الجنود المدججين بالسلاح من خلفه. ثانيا: في الثلث الاول من شهر مايو من العام 2008م استطاع خليل ابراهيم ان يدخل امدرمان في منتصف النهار ويرابط علي بعد امتار من قبة البرلمان، عابرا الي ذلك مسافة طولها 1800 كلم من ابشي التشادية حتي الموردة بام درمان، ورباح بوصفها مهندسة اكثر دراية بقياس الاطوال من قياس (الأوزان). وبالطبع لم يدخل ام درمان بالبص السياحي وإنما بآلاف الجنود ايضاً. ثالثاً: الملايين من النازحين الدرفوريين في المعسكرات وتجمعات النازحيين، كثيرا ما يرددون الهتافات التي رواها شهود العيان، والمكتوبة علي لافتات من اقمشة عرضتها الكاميرات ، الشعار المنحوت علي تلك اللافتات القماشية المعلقة علي اسطح العرائش والرواكيب هو ... الله واحد وعبد الواحد ... الله واحد وعبد الواحد ... ولعلكم تتفقون معي أنّ احدا في تلك المعسكرات لم يهتف ...لن نصادق غير الصادق!... رابعاً: علي طول الشريط الحدودي بين الكرمك والحدود الاثيوبية، نفرت الجماهير خفافا وثقالا خلف مالك عقار الذي سبب صداعا للدولة. خامسا: احفاد ادم ام دبالو والميراوي والسلطان عجبنا والسحيني في الجبال الشرقية والغربية من جنوب كردفان لبّتْ نداء عبد العزيزالحلو والآن هي في خطوط النار الامامية ليست في صفوف كتائب جيش الامة وإنما ضمن كتائب جبهة القوي الثورية. ولعلّ نصر الدين الهادي اكثر ذكاءاً في تحليله للواقع. هذا اذا افترضنا ان جماهير شمال كردفان والنيل الابيض والجزيرة واقاصي الشمال ما ذالت علي دين آبائها. ولا ننسي ان التيجاني السيسي احد اقطاب حزب الامة قد اسس حزبه او حركته الخاصة به واستقبله مئآت الآلاف. ثم انساك عن الذين صفقوا لنهار ومسار والصادق الهادي والزهاوي ومن لفّ لفهم غضّ النظر عن حجمهم. كما يقول الحبيب ابوهريرة زين العابدين، دعونا نعقلن الاشياء، أليس هؤلا الذين ذكرنا يمثلون العمق الجماهيري لحزب الامة؟ أليس هؤلاء بالفعل قد اتخذوا بدائلهم في أولئك القادة الجدد علي المسرح السياسي؟ أم تظن الكاتبة الموقرة والذين يذهبون معها ذات المذهب إن وجدوا، أنّ هؤلاء أرادوا ان يذعجوا الحكومة بحركاتهم المسلحة ثم يعودوا بعد ان تعود الديموقرطية بفضل نضالاتهم ليقبلوا ايادي السيد الصادق ويدلوا له باصواتهم في الانتخابات؟. اعتقد أنّ رباح بحكم وجودها الدائم بمكتب رئيس الحزب، تستطيع الحصول علي معلومات لا تتوافر لغيرها، فان كانت تلك النتيحة التي توصلت اليها فيما يتعلق بديمومة ولاء الجماهير لسيد صادق هي مجرد تكنيك خطابي للتعبئة الجماهيرية والاستهلاك فلا بأس، امّا اذا تعاملت مع الامر كحقيقة مسلمة علي ضوء المعلمومات التي تمتلكها، لا شك انها تعاني من غربة زمانية، وفي هذه الحالة لا نملك إلا أن نشفق عليها. فالقراءة الامينة للواقع تتطلب الاعتراف به اولا ومن ثم الشروع في صياغة استراتيجية بديلة لاسترداد عافية الحزب واستعادة دوره المحوري في حركة السياسة والمجتمع، وليس استرداد جماهيره كما يتوهم البعض. ذلك لأنّ فكرة الجماهير ذات الولاء العقدي لاي حزب قد انتهت، وهي فكرة في نظري غير مفيدة لعملية التطور السياسي والفكري، وتقود الي الكسل والتراخي لاعتقاد البعض أن انجازات الماضي يمكن ان تقود لمزيد من النجاحات في المستقبل. فالجماهير ما عادت رصيدا معلبا لكنها تتشكل مع الخطاب المطروح، واصبحت لديها اشواق وتطلعات ولم تعد في حالة تنويم مغناطيسي. وأزمة حزب الامة الآن هي أزمة خطاب في المقام الاول، والخطاب المطروح لا يصل الي آذان الجماهير ولا يلامس حاجاتها ولم تعد تستمع إليه، ولذلك استجابت للحركات المطلبية والاقليمية وضحت من اجل ذلك بحياتها وأعرضت عن الخطاب الحزبي. والخطاب يستمد مصداقيته من تطابق الموقف مع الشعار ولا تجدي محاولات التبرير. ومن ذلك التخريجات التي حاولت رباح ان تعيد بها قراءة خطاب رئيس الحزب فيما يتعلق بخياراته الثلاثة حيث قالت: "كان برأيى يستخدم لغة تهديد ووعيد وليس وعداً". هذه محاولة تشاطر لو جيئ بالراسخين في العلم وجمهور المفسرين من لدن حبرهم عبد الله بن عباس الي عبد الله الطيب والشعراوي، لما خطر ببال احدهم ان الفضاء الدلالي للنص قد يحتمل تأويلا من شاكلة الذي ذهبت اليه إبنة الكرام. وعلي العكس من ذلك، لو استخدمنا منهج الدكتور علي حرب في مسائلة النص، وبما ان النص بطبيعته مخاتل ومخادع ومراوغ حسب نظريتة، فإنّ القراءة المنتجة لا تهتم بما يصرِّح به النص ويفصح عنه وينطق به، بل تهتم بما يخبئه ويسكت عنه ويداريه. وإذا ساءلنا خيارات الامام الثلاثة: -الاستجابة للاجندة الوطنية او الاستقالة او الانضمام للقوي الداعية لاسقاط النظام-، علي ضوء نظرية علي حرب، فما سكت عنه ولم يصرح به هو قوله للنظام: أنّ بيننا تفاهمات واتفاقات، ونحن اقرب الي بعضنا لكن العرض المقدم منكم دون الطموح ولا يبرر المشاركة، وعدم استجابتكم لهذه الاجندة يضعني امام خيار صعب، وأن الصقور في حزبي قد يدفعوني الي الوقوف في صف القوي الداعية لاسقاطكم، ونصبح انا وانتم تحت رحمة اجندة السودان (النقيض)، وكثرة الشرح تفسد المعني. للأسف الشديد، او لحسن الحظ، أنّ ما فسّرته رباح علي أنه تهديد ووعيد، لم يهدد أحداً وأعرض المؤتمر الوطني عن الاجندة الوطنية بالكامل، فماذا انتم فاعلون؟. يبدو ان رباح ومن آذرها، إن كان هناك ثمة من يؤاذرها، تضخم من امر الجماهير دون النظر في المتغيرات في محاولة لإعادة التماسك والتوازن (النفسي)، لكنّها لا تلغي بالاً لهذه الجماهير وتذدريها في لا وعيها حينما تذهب الي أن هذه المذكرة لا قيمة لها لانها قاعدية. وبعيدا عن التزلف السطحي للجماهير، لابد من احداث تغيير جذري علي الصُعَد كلها، وهذا ما نحاول تلمسه في الحلقة القادمة. نواصل.