حزبا الامة القومي والاتحادى الأصل.. حالات فصام متكررة ! محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] يبدو أن أحزابنا الكبيرة عمرا ، هي كالسمكة في سذاجتها ، لا تلبث أن تعود لطعم السنارة وان خرجت منها جريحة بتجربة افلات سابقة ! فالأنظمة الشمولية التي حكمت السودان طويلا وتحديدا مايو والانقاذ اذا اعتبرنا فترة حكم نوفمبر استثناءا من موضوع مقالنا ، كانت دائما ولمعرفتها بأصالة الولاء الجماهيري في لبوسه الطائفي وغطائه السياسي للاحزاب التقليدية ، فانها تسعي منذ يوم وثوبها الأول على السلطة عبر الدبابات الى دق الأسافين التي تفتت تلك الكيانات باعتبارها عقبة كؤودا في طريق استمراريتها ، ومع انها ايضا تكون عينها على اضعاف الفعاليات السياسية الأخرى متى ما تضاربت معها المصالح ، ولكن يظل استهداف ، حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي هو الشغل الأهم الشاغل للشموليات ، فتبتدع اساليبها المختلفة لاضعاف شوكة تلك الاحزاب ، تارة بترغيب بعض من كوادرها اغراء بالمشاركة وشق عصا الطاعة على قادة احزابها أو قل طوائفها ، اذا لم تنفع اساليب الترهيب في كسر تلك الشوكة مع البعض الآخر ! حزب الآمة ربما مثل الرقم القياسي في ابتلاع طعم التفتيت منذ حقبة مايو ولا زال يراوح جريحا لابتلاع المزيد منه رغم ما لحق به من تشظى احاله الى كيانات ومسميات حملت كلها اسمه الأول مضيفة اليه تعريفات للتفريق بينها تفاوتت بين القومي والاصلاح والتجديد ..الخ ، تلك القائمة من تقاسمها الاعضاء الخارجون من خيمة الحزب الكبير ليتشتت بعضهم ( كزرائر ) لزوم مالا يلزم في عباءة السلطة يتساقطون عند الغسيل في التعديلات الوزارية أحيانا ، ويستبقيهم ولي النعمة وهو النظام متى شاء ، ولايملكون الا الصمت على المنة ولو بأذى التهميش ! الآن يشتد وطيس التراشق بالاتهامات بين مبارك الفاضل الذي استن المشاركة بعد اتفاق جيبوتي وبين ابن عمه الصادق المهدى الذى كان وقتها قد وقف أمام العتبة ساحبا أرجله بعيدا عن باب الدخول الى مصيدة النظام ،وقد قفزت الى ذهنه خدعة النميرى له قبلا! فكان الانقسام الثاني للحزب وتلته انقسامات ما بعد خروج الفاضل من القصر ! وهاهو مبارك يحّرم على ابن الصادق ما حلله لنفسه سابقا ويكيل الاتهامات للفريق صديق أمين عام الأمة القومي ،باعتباره دخيلا على الحزب وليس اصيلا في انتمائه ، وكأنه يعيد الكيان الى دائرة الملكية العائلية المطلقة التي نفرّت نبرتها الاستعلائية من قبل الكثير من الكوادر التي تفاءلت بما تصورته انفتاحا في بوابات بيت ال المهدي على الشارع العريض لأبناء الحزب من كل الطبقات ليتبوأوا المراكز المتقدمة في قيادة الحزب ،! الآن الحزب وكأنه ينقصه المزيد من التقسيم يتجه بكلياته الى صراع مهداوي مهداوي متجدد على خلفية ما وصف بالخروج عن النص من طرف نصر الدين الهادي ، وهاهي قيادات الحزب المحسوبة على الامام تتوعد الرجل بالمحاسبة على خطوة اتفاقه المعلن مع الجبهة الثورية ! فيما نجل الامام بدعوى انه يمثل نفسه ليس الا. معفي من اية مساءلة ولو من قبيل حفظ ماء الوجه أمام جماهير الحزب العابسة حيال تلك المشاركة التي شدت ايضا نجل الميرغني الذي لا يقل حزبه الآخر نزفا من جراحات اختراق سكاكين النظام له ،فكانت رمزية مشاركتهما بالنجلين ترياقا ولو خادعا توهم به النظام انه تعافي من غضبة الشارع وهو الذى كان قد ترنح على هبة الرياح الثورية وهي تتلوي نحوه عبر ممراتها العربية! قلناها في اكثر من مقال ان المواقف الرمادية للامام الصادق تجاه هذا النظام وسياسة تقديم رجل نحوه وتأخير الأخرى الى الوراء منه ، والتصريحات المتناقضة التي تنسخ بعضها بين ندوة وأخرى أو لقاء تلفزيوني أو حوار صحفي يجرى مع الامام تعتبر من نقاط الضعف التي قصمت ظهر المعارضة وأوهنت رصتها على علل صفوفها! بالطبع لا يمكن وضع الثقل كله على ظهر الرجل فكل اناء من مواعين معارضتنا التعيسة بما فيه من فيض الخيبة ينضح ! بيد اننا بتركيزنا على الحزبين الكبيرين أردنا أن نقول أن فاقد الشىء لا يعطيه ، رغم علمنا بفوارق سيل الكلام من طرف الامام عن سماكة حوائط الصمت عند مولانا الميرغني ! والكلام هنا موجه للسيد الامام تحديدا الذي استنكر على النظام في آخر تصريحاته ما اسماه بتدجين ضباط الجيش وهو من رفد الحكم بابنه الضابط الذي حمل السلاح في يوم من الايام لاسقاط الانقاذ ، فيما يستنكر على ابن عمه نصر الدين أن يمد يده لحملة السلاح ضد النظام ولو من قبيل المصافحة كذراع سياسي مرادف في النضال ضد النظام ، الذي يرفده الامام ايضا بعنصر أمن آخر من صلبه ! وكلها في رأينا المتواضع والحادب على وحدة الصف في الحزب الذي كان كبيرا ، تناقضات لاتحسب على الكيان في حد ذاته وانما تتجاوزه الى عصا منازلة هذا النظام الدموي المكسورة أساسا ! فاصلاح الأحزاب الكبيرة من داخل بيوتها ومكاتبها ديمراطيا هو المقدمة الأولي لتأكيد حسن نواياها تجاه العمل الوطني الخالص الذي يجب أن يكون موحدا ضد النظام و لن يخرس تحدى سدنته للشارع الا بنقض غزل تلك الأحزاب ( الامة والديمقراطي) عن نسيجه الواهن كبيت العنكبوت ، وعودتها بكلياتها متحدة ومتماسكة لتضم صوتها لهتاف الشارع القادم قريبا لامحالة ، والا فان خور التاريخ الهادر في ظل سنارة النظام الملقاة قريبا من احناكها ، سيجرفها بعيدا عن جماهيرها التي لم تعد متحجرة عند مراحل تقبيل الايادى واغماض العيون عن النظر الى الزعيم رهبة واحتراما و ربما خوفا والتي طواها الزمن في فصول الوعى المتزايد جيلا بعد جيل! يا هدانا الله والجميع..انه المستعان .. وهو من وراء القصد.