قراءة تانية الاتجاهات المتعاكسة.. البترول والثقافة السر قدور تابعت خطاب سلفا كير رئيس دولة الجنوب وهو يتحدث الى جمهور غفير من ابناء الجنوب وتناول فيه بعض القضايا السياسية ولن أعلق عليها، فحديث السياسة من اختصاص أهل السياسة، ولكن اهم ما في الخطاب انه كان باللهجة العامية العربية أو ما تعوّدنا أن نسميه ((عربي جوبا)) لأن سلفا كير وهو يتحدث الى أخلاط من قبائل الجنوب ليست لديه وسيلة للتخاطب غير العامية العربية، وإذا كان قد تعوّد أن يتحدث بالإنجليزية في المحافل ومع ضيوفه الأجانب وفي اجتماعات النخب فإنه لا يمكن أن يتحدث بها مع هذه الأخلاط القبلية التي لا تفهم من الإنجليزية كلمة أو حرفاً واحداً. وكنت قد التقيت بالدكتور شول دينق وهو فنان ومثقف جنوبي بارز ذلك بعد إعلان نتيجة الاستفتاء ولم أناقشه في هذا الأمر رغم أن لديّ وجهة نظر وتحفظات ليس هذا مجال ذكرها واخترت أن يكون الحديث عن الشأن الثقافي والى أين ستتجه الثقافة في الدولة ((المنتظرة)) هل تتجه شمالاً وتحافظ على ارتباطها القوي بالثقافة السودانية وتعبر بها إلى ثقافة الشمال الإفريقي أم ((العناد)) سيقود إلى الاتجاه جنوباً للارتباط بثقافات محلية وقبلية مازالت تعاني من التخلف والضعف.. وقلت له إن القبائل الجنوبية تتفاهم في داخلها برطاناتها القبلية ولكن التواصل بينها وبين بعضها لا يكون إلاّ باللهجة العربية وان هذه اللهجة مترسخة وان عودة أبناء الجنوب من الشمال وبرصيدهم اللغوي الكبير سيجعل من اللهجة العربية أكثر قوة وأسرع انتشاراً بين أبناء الجنوب، واللهجة ليست مجرد أصوات تحمل المعاني ولكنها مكون ثقافي له رموز ودلالات لا يمكن الاستهانة بها. ولعل الكثيرين لا ينشغلون الآن بأمر الثقافة بقدر اهتمامهم بأمر البترول خاصة بعد تصريحات بعض القيادات في دولة الجنوب عن الاتجاه به جنوباً وتصديره عن طريق كينيا أي وحسب وجهة نظري عكس اتجاه الثقافة، ولا أعتقد أن الأمر يستحق هذا الاهتمام المبالغ فيه، فالبترول مادة طارئة ومؤقتة ومصيرها الى نضوب لأنها من العناصر غير المتجددة.. وقد عشنا نحن وعاشت الأجيال السودانية قروناً طويلة في عدم وجود البترول وكانت تعتمد في حياتها على ثلاثة عناصر أساسية هي الأرض والماء والشمس وهي ثابتة وباقية ومتجددة ويمكننا بالاعتماد على هذه العناصر الثلاثة وبالعمل المخطط والجدي أن نحقق نهضة كبيرة في فترة قصيرة.. وهذا لا يعني أن لا نجتهد لزيادة الاكتشافات البترولية واستخراج ثرواتنا من باطن الأرض ومن قاع البحر. وهناك من أهل الفكر وأهل السياسة من يرى العلاقات الطيبة والحسنة وتقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين السودان ودولة الجنوب يمكن أن يؤدي مستقبلاً إلى علاقات أعلى من العلاقات الدبلوماسية ربما كونفدرالية.. أو حتى فيدرالية ولكن الوصول إلى هذه الحالة يستدعي تقوية أواصر الثقافة بين الجانبين وتصحيح الأفكار ومعالجة الفهم الخاطئ ولكي ما نصل إلى هذا علينا أن نعمل على تثقيف السياسة ونكف عن تسييس الثقافة لأنها الطريق إلى علاقات طيبة ومثمرة الآن.. وفي المستقبل. الراي العام