أفق بعيد يا لفجيعتنا يا حميد فيصل محمد صالح [email protected] الموت حق، نعم، لكنه فجيعة، وفجيعتنا في محمد الحسن سالم حميد لا حد لها، هذه هي الفجيعة كاملة، والفجيعة كما ينبغي أن تسمى. مالنا ندخل في دوامات حزن متواصلة وكأن لا خروج منها، يفقد الوطن في كل صباح أخلص أبنائه ومحبيه، شعرائه ومغنيه وحاديي ركبه، الذين ما توقف لسانهم عن النطق بحبه "يا وطن عند الشدائد"، في كل لحظة، حتى عند توقف القلب عن الخفقان. يا للفجيعة يا حميد، لا تشبه الموت ولا يشبهك، رغم أنك لم تكن يوما ابن النعومة والعيش الهين اللين، بل كنت تربالا أغبشا مشقق اليدين لفحت الشمس وجهه وتركت آثارها عليه، لكن كنت رغم ذلك ابن الحياة، تقاتل وتناضل من أجل حياة أفضل وأجمل لك ولوطنك وشعبك. لطالما زرعت هذا الشارع غدوا ورواحا، قطعته في نهارات الصيف وفي ليالي الشتاء الباردة، حتى خلنا أنه اصبح صديقك، فلم غدر بك وبنا في لحظة مجنونة. لكم غنيت له ولصحاريه وبواديه، أجريت الماء في شقوقه اليابسات وزرعت جوانبه خضرة ، بنبوءة الشاعر، لا رؤية السياسي.. "يغنولك غناوى الساب ، وفى بيوضة مافى سراب ، جبال كجمى وفيافى الكاب ، تميد بى الخضرة ...منقسمى ، فيافى الصّى وبيوضة .. ، البراسيم فيها مفروضة ، خدارا يرارى شوف عينى ، على الأبواب .. طواريها وحواريها ، بقت روضة، بقت تشرب من الحامداب .. ، تشوفى رهاب ... بُعُد نجمى، . بشوفو قريب قُرُب نضمى". يا للفجيعة ياحميد، كيف تنام نوري الثكلى ليلتها، كيف تدثرت حواريها بالحزن (الباجور ، الكوارير ، الجريف ، حلوف ، العتامنة ، الغويبة)، كيف نظر رجالها لعيون نسائهم، وماذا قالوا لأطفالهم حين ترقرت عيونهم بالدموع. من نزل منهم للجريف في تلك الليلة ووارى دموعه في مجرى مياه النيل. عشرات الآلاف جاءوا من كل فج عميق، رددوا التكبير والتهليل،حملوك إلى مقابر البنداري، تثاقلت أرجلهم وكأنهم لا يريدون لحظة الفراق الابدي، لكنك مضيت خفيفا في أيديهم للقاء ربك. أودعوا وداعتهم، وكأنهم يقتطعون من كبدهم، ثم وقف شبابهم يرددون مقاطع من شعرك في حب الوطن والشعب، علت حناجرهم وتصاعدت أصواتهم لعنان السماء، عاهدوك أن يظلوا يغنوا لشعبهم، ولن يمنعهم أحد، مهما حاول. يا لفجيعتهم، ويا لفجيعتنا يا حميد، ما زال صوتك العميق والمجروح من الألم في ذاكرتنا من لقاء قناة النيل الأزرق الجميل في العيد الماضي. ثم سرعان ما احتشدنا في قاعة الصداقة لتدشين ديوانك الأخير "أرضا سلاح"، حيث اجتمع محبوك واصدقاؤك وصديقاتك ليقرأوا شعرك وشعرهم، لم تكن هذه عوائدك، وكأنك كنت تودعنا. أما كفى الوطن هذا الفداء العظيم، صرخ فينا الشعراء والمغنون أياما وليالي، شقوا فيافي الليل بأصواتهم، ثم توسدوا أرضه حبا وكرامة، بعد أن غسلوه بعرقهم ثم بدمائهم، ألا يكفي هذا الفداء ليوم الانعتاق. الشاهد