العصب السابع داء الدواء..!! شمائل النور خلال أيام معدودة قد يُرفع الدعم عن عدد من السلع الاستهلاكية لتصبح الأسعار الملتهبة الآن أضعافاً مضاعفة، لكن الارتفاع في جميع السلع يُمكن أن يُحتمل ما عدا سلعة الروح.. أسعار الدواء الجنونية أصبحت غير قابلة للتحمّل؛ العلاج الذي كان ب"8" جنيهات وصل الآن إلى قرابة "20" جنيهاً، ولا يقف عند هذا الحد، لأنه تحت رحمة الدولار، ارتفاع أسعار الدواء أمر يشكو منه المواطن منذ فترة طويلة وربما ليس له علاقة مباشرة بالارتفاع الأخير، لكن الارتفاع الأخير الذي طال كل شيء كان للأدوية حظ وافر منه، وزاد الطين بلة، وكما كل السلع، الزيادة غير منطقية وغير خاضعة إلى نسبة معينة، لكن لا ينبغي أن نذهب إلى ما تذهب إليه الحكومة في كل ارتفاع يطفو على السطح بأنه غير مبرر ويخضع إلى جشع صغار المنتجين، بل هي زيادة مبررة.. السودان يستورد سنوياً أدوية تُقدر قيمتها ب "500" مليون دولار، حسبما أفاد رئيس اتحاد الصيادلة، أي أكثر من "41" مليون دولار في الشهر الواحد، رقم مثل هذا لابد أن يُحدث زيادة كبيرة ومفاجئة في سعر المستهلك، فقط لأنه يحتكم إلى الدولار.. والدولار حدث عليه ما حدث بعد الانفصال. قبل فترة كشف رئيس شعبة الصيدليات الخاصة أن أكثر من "300" صيدلية معروضة للبيع في سوق الله أكبر، لا أعتقد أن الذي اضطر إلى البيع يعني بالضرورة أنه وجد استثماراً أفضل، فلطالما أنهم عرضوا البيع بسبب ارتفاع أسعار الدواء يعني ألا فائدة ربحية تُرتجى في سوق الصيدلة، والرقم المعروض للبيع يُنذر بكارثة علاجية قادمة.. تخيّل أن مواطناً مُصاباً بأزمة وضاقت عليه الضائقة فجأة، وهرول أهله لأقرب صيدلية، وتفاجأوا بأن الصيدليات القريبة كلها مغلقة، وحتى التي فتحت أبوابها لا تبيع هذا الدواء، لأن سعره عالٍ، وهذا يحدث كثيراً، عزوف صيدليات عن استيراد عدد من الأدوية بسبب ارتفاع سعرها، ماذا سيحدث لهذا المواطن، سيموت حتماً، وفي هذه الحالة يموت ليس لأنه لا يملك ثمن الدواء بل لأن الذي يبيع الدواء لا يربح. هذا دون شك يعتبر إنذاراً خطيراً يُهدد حياة المواطن مباشرة، ويرسم له ملامح الموت القادم. الغلاء المخيف في أسعار الدواء هو من ضمن منظومة غلاء مردها واحد ولا يحتاج إلى اجتهادات أئمة المساجد.. لكن إن سلمنا بأن أية سلعة تحتمل الانتظار إلى حين، هل الدواء يحتمل ذلك؟ إلا الدواء. في البرلمان، وفي مسألة ارتفاع أسعار الدواء، وزير الصحة طرح خيارًا واحدًا أمام حكومته، بل رهن انخفاض الأسعار به، فالخيار المطروح هو أن تتجه الدولة مباشرة لرفع سياط الجبايات والعوائد والضرائب، وما تبقى من سلسلة "أدفع وخشمك عندك". وهذا هو الدواء الذي لا بديل له فيما يتعلق بكل الأسعار الملتهبة، لكن هل ترضخ الحكومة إلى رفع كل هذه الجبايات وهي تدري أنها السند في ظل اقتصاد يتهاوى ..إن الجوع محتمل لكن حياة الناس لا تنتظر، نحن بحاجة إلى سياسات منقذة للحياة قبل أن نحتاج إلى أدوية منقذة للحياة. التيار