دور امريكا في تقسيم السودان (4): واشنطن: محمد علي صالح [email protected] دور امريكا في تقسيم السودان (4): الان بوسويل هذه هي الحلقة الرابعة من حلقات غير منتظمة عن دور الولاياتالمتحدة في تقسيم السودان. كانت الحلقة الاولى في السنة الماضية، مباشرة بعد انفصال الجنوب، راي نشرته صحيفتا "نيويورك تايمز" و "انترناشونال هيرالد تربيون" تحت عنوان: "دور وطني الثاني في تقسيم وطني الاول". وكانت الحلقة الثانية تقرير جفري قيتلمان، مراسل صحيفة "نيويورك تايمز"، بعد ان حضر حفل استقلال الجنوب في جوبا. ومما كتب: "تعاونت شخصيات امريكية مشهورة مع جمعيات مسيحية امريكية، وسياسيين امريكيين، لمساعدة حركة ضعيفة على تحقيق ما فشلت حركات انفصالية في دول اخرى تحقيقه، وهو الانفصال ... ظل السودان هاجساً للغرب لأكثر من مائة سنة. أنها مسألة تدعو للتساؤل. لماذا كل هذا الاهتمام بجنوب السودان؟ لماذا من دون مناطق الحرب الاخرى في العالم؟ لماذا من دون ما تشهد أفريقيا من حمامات دم في ليبيريا والصومال وغيرهما؟" وكانت الحلقة الثالثة وثيقة من وثائق موقع "ويكيليكس" في الانترنت. ارسلتها السفارة الاميركية في الخرطوم سنة 2006 الى واشنطن عن اجتماع في الخرطوم لقادة الحركة الشعبية مع جنداي فريزر، السوداء، مساعدة الشئون الافريقية لوزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس، السوداء ايضا. ومما جاء في الوثيقة، قالت فريزر لياسر عرمان، ومالك عقار، ودينق الور، عندما تحدثوا عن ان جون قرنق كان يريد الوحدة، ان الاميركيين لا يريدون الوحدة. وقالت ان هدف الولاياتالمتحدة هو تغيير الحكم في السودان، وليس فقط تغيير الحكومة ("قفرننس" وليس "قفرنمنت"). وقالت ان المصالح الاميركية اهم من صداقة اميركا للجنوبيين. وحسب الوثيقة، لم يعلق اي واحد من الثلاثة على هذا، ناهيك عن رفضه. وفي هذه الحلقة الرابعة تقرير ارسله من الجنوب الان بوسيل، صحافي اميركي يكتب من الجنوب منذ سنوات، ويعمل لمجموعة صحف شركة "ماكلاتشي" الاميركية، وايضا مجلة "تايم" الاميركية. عنوان التقرير: "جيش جنوب السودان الذي تسانده الولاياتالمتحدة هو جزء من المشكلة هناك". وهذه مقتطفات من التقرير الذي نشر يوم الخميس: "... هنا في ولاية جنقلي، في مقاطعة بيبور، تطورت الغارات الانتقامية المتفرقة بين القبائل الى حرب داخلية كاملة واسعة النطاق بين قبيلة المورلي وقبيلة النوبر اللاو. وصارت القوات المسلحة لجنوب السودان جزءا من المشكلة. رغم قرابة ثلثمائة مليون دولار مساعدات عسكرية اميركية منذ اتفاقية السلام سنة 2005. ورغم دور الحكومة الاميركية في تاسيس الدولة الجديدة. في نفس الوقت في واشنطن، توجد منظمة من النشطاء الاميركيين يتحالفون مع السودانيين الجنوبيين. وكانوا وراء انهاء الحرب بين الشمال والجنوب. وتضم المنظمة كنائس من ميدلاند (ولاية تكساس)، بلدة الرئيس السابق بوش الابن. وتضم "بلاك كوكس" (تجمع اعضاء الكونغرس السود). وتضم مشاهير، مثل الممثل السينمائي جورج كلوني. لكن العنف في جنوب السودان، ودور العسكريين الجنوبيين فيه، يوضحان المحك الذي يواجه الحكومة الاميركية وهذه المنظمات الاميركية لانهم لا يزالوا يؤيدون حكومة هي قلب المشكلة. رغم سجلها الضعيف في مجال حقوق الانسان، تظل حكومة جنوب السودان عزيزة على مؤيديها في الولاياتالمتحدة. في فبراير، زار الجنوب فرانك وولف، عضو الكونغرس الذي ظل لسنوات يدعو لسياسة متشددة نحو السودان. وفي السنة الماضية، اجتمع الممثل السينمائي كلوني مع الرئيس باراك أوباما. (في الاسبوع الماضي، جاء كلوني من هوليوود الى واشنطن، وتحدث في الكونغرس دفاعا عن سكان جبال النوبة، ودعا الى فرض حظر طيران لوقف قصف الطائرات العسكرية السودانية. وفي نفس اليوم حضر حفل عشاء في البيت الابيض وجلس الى جوار الرئيس وزورجته ميشيل اوباما. وفي اليوم التالي، تعمد رفض اوامر الشرطة بعدم التظاهر امام السفارة السودانية في واشنطن. وعندما اعتقل ثم اطلق سراحه، عقد مؤتمرا صحافيا دافع فيه عن سكان جبال النوبة). يعترف الناشطون الاميركيون بسجل حقوق الانسان الضعيف في جنوب السودان. لكنهم لم يغيروا شعاراتهم الحماسية المؤيدة للجنوبيين. وقال جون برندرغاست، أحد النشطاء، وتربطه علاقات وثيقة مع كلوني وشخصيات بارزة أخرى، في بيان في يناير بعد هجوم النوير على المورلي: "حكومة جنوب السودان لم تفعل ما فيه الكفاية. لكن، الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي كانت قليلة جداً، ومتأخرة جداً". هنا، في مقاطعة بيبور، في مكان مدينة ليكووقولي الصغيرة، بعد هجوم اكثر من عشرة ألاف نويري على المورلي، لا توجد غير بقايا اكثر من مائتي كوخ من الطين. وهياكل بشر وهياكل ابقار، وقد تشتت هنا وهناك، لمسافات بعيدة، في منظر حقيقي مروع. وهناك بقايا كراسي بلاستيك، وعلب كرتون، وصفائح طعام فارغة من المساعدات الامريكية. بالقرب من هنا، قاعدة عسكرية تابعة لجيش جنوب السودان. لكن لم يطلق جندي واحد طلقة واحدة لوقف هجوم النوير. وقال مسئولون في الأممالمتحدة أنه رغم انذارات من قبل اسابيع، ورغم انهيار محادثات السلام بين القبيلتين، ورغم صور جوية اكدت بان النوير يتجمعون بكميات ضخمة، استجابت القيادة السياسية والعسكرية في جنوب السودان بعدم اهتمام، حتى بعد أن أحترقت قرية ليكوونقولي احترقا كاملا. وقال مسئولون في الاممالمتحدة: "جيش الحركة الشعبية هو جزء حقيقي من المشكلة في ولاية جونقلي." لم يتدخل الجيش الجنوبي في المنطقة، ورفض ان يستعمل عشرة طائرات هيلكوبتر كان اشتراها من سمسار الاسلحة الروسي كازان. ورفض ان يسمح لقوات الاممالمتحدة باستعمالها. واضطرت هذه لان تنقل جنودها بعربات وبنطونات عبر الانهار. تسليح جنوب السودان بداته الحكومة الاميركية خلال التمرد الذي كان يقوده جون قرنق. قال للاميركيين انه يريد "جيشا مهنيا محترفا"، بدلا عن الميلشيات التي حاربت خلال الحرب الاهلية. لكن، بعد وفاة قرنق فجأة سنة 2005، خلقه سلفاكير الذي كان يقود المليشيا في الاحراش، وليس مثل قرنق في الذكاء السياسي. لكن، مع استمرار تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، واقتراب الانفصال، اضطر الغرب، وخاصة الولاياتالمتحدة، للاستمرار في تقديم المساعدات العسكرية والانسانية. خلال ستة سنوات، ما بين 2005 و 2011، بلغت جملة المساعدات الاميركية لكل السودان عشرة مليارات دولار (انسانية في الشمال، ودارفور، والجنوب، وعسكرية في الجنوب). بلغت جملة المساعدات العسكرية قرابة ثلثمائة مليون دولار. ورصدت لهذه السنة ستين مليون دولار. تبني الحكومة الاميركية ثكنات، وتقدم زوارق نهرية عسكرية، وتدرب ضباطا وجنودا، وتوفر مستشارين عسكريين ومراقبين مدنيين. لكن، يظل سجل حقوق الإنسان للقوات الجنوبية غير متحسن. ويسبب هذا قلقا لمؤيدي الجنوبيين في الدول الغربية، وخاصة في الولاياتالمتحدة. وقالت وزارة الخارجية الأميركية، التي من خلالها ترسل المساعدات العسكرية إلى جنوب السودان، انها تقدم دورات تدريبية في حقوق الإنسان للعسكريين الجنوبيين. وايضا، توفر لهم مستشارين عسكريين قانونيين اميركيين. ورغم ان الرئيس سلفاكير امر بنزع سلاح المليشيات، لا يتوقع ان يسلم الجنود الشباب اسلحتهم ما دامت الحرب لا تزال مستمرة، بصورة او اخرى. وليست هذه اول مرة تحاول فيها حكومة الجنوب نزع سلاح مواطنيهأ. في سنة 2008، اثناء سنوات الحكم الذاتي، دخلت القوات الحكومية الجنوبية المدن والقرى لتجمع الاسلحة من الناس، وعذبت الناس وهي تستجوبهم. لكن، فشلت الحملة، وزرعت بذور الانتقام بين العسكريين والمواطنين. وقال جوشوا كوني، مدير مقاطعة بيبور: "قلنا للعسكريين اننا نحتاج أولاً للجلوس معا، وتحقيق السلام بين قبائلنا، وإقامة منطقة عازلة، ثم ياتي نزع السلاح، لكن بدلاً من ذلك، قفزوا مباشرة إلى الخطوة الأخيرة، الى نزع السلاح." وقالت سوزان بيدج، السفيرة الاميركية في جنوب السودان: "نحن نشجع نزع السلاح التطوعي." لكن، في ثكنات القوات المسلحة في بيبور لا يوجد حديث عن "الطوعية". قال عقيد في الاستخبارات العسكرية، وكان يقف الى جانب رائد لا يعرف القراءة او الكتابة، انه لن تكن هناك رحمة في محاولة نزع سلاح المواطنين. وقال: ""إذا رفضوا تقديم اسلحتهم، سنأخذها بأي وسيلة. نعم، طبعا، بالقوة." -------------------- [email protected]