السيد كرم الله عباس.. والي ولاية القضارف.. استحوذ قبل يومين على (المانشيت) الرئيسي في (التيار) عن جدارة.. بخطابه الذي وصف نفسه فيه بأنه أحد رواد مدرسة داخل حزب المؤتمر الوطني تدعو للتطبيع مع إسرائيل.. والحقيقة .. جميل أن تكون داخل الأحزاب (مدارس) و(تيارات).. وقلنا كثيراً أن أحد أكبر معضلات العمل السياسي في بلادنا هو (الحزب الدين) أن تتحول الأحزاب إلى مقدسات لا تحتمل الرأي والرأي الآخر.. ولا الجرح والتعديل.. والذي يتجرأ على إطلاق العنان لعقله أو لسانه سيجد نفسه في حاجة لتأشيرة خروج.. لتأسيس حزب جديد.. كما حدث في النسخ المترادفة لأحزاب الأمة والاتحادي. لكن مع ذلك.. كرم الله عباس رجل طيب.. تصور أن إسرائيل دولة حزينة كسيفة تكابد حالة وحشة دبلوماسية.. وفي انتظار مجرد إشارة من السودان .. لتركض إسرائيل وتفرح بالتطبيع .. وتجلس أمامنا وتردد: (شبيك .. لبيك.. خاتم سليمان بين يديك..) فتبدأ المعونات الزراعية المتقدمة تنهال علينا.. والقروض.. ويرفع رئيس وزراء إسرائيل سماعة الهاتف ويتصل بصديقه الرئيس الأمريكي وينصحه بتطبيع علاقات أمريكا (فوراً) مع السودان.. ثم تبدأ المنح والقروض والمساعدات تنهال علينا من الغرب والشرق.. وما بينهما (الشرق الأوسط).. الحقيقة.. يا سيد كرم الله.. إذا اقتنع الأستاذ علي كرتي وزير الخارجية بنصيحتكم التطبيعية.. وأقنع بها مؤسسات الدولة.. ثم بعث برسالة يحملها سفير رفيع في الخارجية إلى الخارجية الإسرائيلية فسيفاجأ ب(الشروط!!) الإسرائيلية للتطبيع. نعم.. سترسل إسرائيل قائمة طويلة تطلب من السودان استيفاءها قبل الدخول في مباحثات التطبيع.. وسيكتشف السودان أن التطبيع مع إسرائيل أسهل منه كثيراً التطبيع مع دولة جنوب السودان التي بيننا وبينها مدافع ودانات.. ستفرض علينا إسرائيل شروطاً في قائمة طويلة تبدأ من حل مشكلة دارفور.. وإيقاف الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. ثم بعيداً في آخر القائمة تجديد وتأهيل مقابر اليهود في الخرطوم.. لكن المفاجأة الأكبر التي سيكتشفها والي القضارف عندما يطلب التطبيع مع إسرائيل.. أن المنتجات الإسرائيلية أصلاً لم تكن تنتظر التطبيع لتدخل السودان.. كثير من المنتجات التي تحمل علامة الصنع في دول بعينها.. هي في الأصل إسرائيلية أماً وأباً كل الذي حدث أن صانعيها تجنبوا إحراجنا بالإشارة لاسم إسرائيل.. هل يعلم السيد كرم الله أن ترفيع العلاقات مع تركيا أكثر أرباحاً من إسرائيل.. بالحساب .. والحساب ولد. تركيا دولة متقدمة –جداً- صناعياً وزراعياً وتقنياً وديمقراطياً أيضاً.. ولها خاطر عند أمريكا أكثر من إسرائيل لأنها عماد حلف شمال الأطلنطي ورابع قوة عسكرية فيه.. وأهم من ذلك كله أن تركياً تبني استراتيجية انتشار في آسيا وأفريقيا تسمح لكل من يقترب منها شبراً أن تهرول إليه بعشرة أشبار.. سيدي والي القضارف أرجو أن تقنع بقية أفراد مدرسة التطبيع في المؤتمر الوطني بأن حكاية (التطبيع مع إسرائيل) موضة قديمة (فاتها القطار).. الأجدر .. طالبوا بتطبيع العلاقات مع جيراننا في جمهورية جنوب السودان..!! التيار