[email protected] كثر الحديث عن التطبيع بين السودان وأمريكا ، الأستاذ محجوب عروة اقترح وأيد إنشاء مجلس لرجال المال والأعمال في البلدين أمريكا والسودان ، والي القضارف كرم لله عباس تحدث عن التطبيع مع إسرائيل ، والحقيقة ان تطبيع العلاقات بين أمريكا والسودان لن يتم بمثل هذه القفزات في الهواء بعد كل هذه التراكمات ابتداء من موقفنا في حرب الخليج الأولى واحتضاننا للمؤتمر العربي الإسلامي وما بعدها من سياسات في ذات المنوال ، وعينا الدرس متأخرا ، لو ان السودان كان موقفه آنذاك كما هو الآن بالتطابق مع دول الخليج في الشأن السوري لكان وضع السودان غير حاله الآن أما وقد مرت عليه كل هذه التداعيات فلن يصلح العلاقة مع أمريكا إلا الحكم الراشد والديمقراطية والتراضي الوطني. كلا الموضوعين العلاقة بأمريكا وإسرائيل كنت تناولتهما قبلا تحت عنوان كيفية الخروج من النفق ، إذن قبل الحديث عن التطبيع و حتى يكون لنا مكان لائق في هذا المجتمع الدولي علينا أولا ان نرتب البيت الداخلي السوداني فالتطبيع يأتي لاحقا كجزء مكمل ، بلد بحساسية موقع السودان يتحتم عليه الاعتدال والحياد ، نعم سياسة الحياد الايجابي التي كان يجب ان ينتهجها السودان منذ الاستقلال فالأحرى بالسودان هو ان يدافع عن نفسه إذا استهدف رغم حياده أما أن يكون رأس حربه لنشر الإسلام في إفريقيا فهذه لها تبعات اكبر من إمكاناته والنتيجة هي ما ترون ، لا مجلس الكنائس العالمي ولا الغرب سيسمح بذلك والمسلمون بقضهم وقضيضهم هم أقلية في هذا العالم وعلينا التمسك بحقوق الإنسان ، العالم الآن يبصر ويرى دقائق الأمور ، واهم من يعتقد بوجود قوانين النظام العام التي تجلد المرأة صباح مساء ثم ننتظر التطبيع مع الغرب لان هؤلاء الناس أي الغربيين لا تأتي بهم المصالح فقط لأنهم يتعرضون لضغوط من المجتمع المدني ومنظماته في بلدانهم فلا تطبيع مع الطالبانية بل أوقف منتدي النيل الترفيهي والأدبي من قبل المدير التنفيذي لمحلية الخرطوم فالإنسان ليس حتى كائن اجتماعي وثقافي حر في بلادي ناهيك عن سياسي ، إذن فالمحصلة النهائية لأي مراقب هو ان البلد ليس معتدلا في حكمه بل متشددا وطالبانيا ، فلا تطبيع يرجى مع واشنطن وغيرها لان هؤلاء الناس يراقبون الوضع عن كثب ، وإذا كانت جبهتك الداخلية ضعيفة والناس تئن فلا تطبيع يرجى وجبهتنا الداخلية هي ضعيفة نتيجة التهاون في مكافحة الفساد مما يحبط الناس وهناك حروب ، لم يشعر جزء مقدر من سكان تلك المناطق في النيل الزرق وجبال النوبة حتى وان لم يكونوا أغلبية بان الدولة حاضنة وراعية ، دولة توفر الطريق المسفلت والمستشفى والمطار والمدارس الأنيقة وإلا فما هو مفهوم الدولة إذن وكيف تحب الأوطان و كيف نغرس مفهوم الوطنية في النشء إن لم يحصل الفرد من الدولة على ذلك وان لم توفر الدولة ذلك ، فان كانت جبهتك الداخلية تسمح بالتقسيم فالغربيون سيمضون في ذلك ، ان كنت حملا ستخرج لك الذئاب حتما من الجبال وان كنت منحنيا لن تعدم من يقفز ليركب على ظهرك ولم لا يفعل مادام انك منحنيا ، فقط بالحكم الراشد وبالديمقراطية وبالتراضي الوطني سيكون ظهرك غير منحنيا ولن يستطيعوا ان ينالوا منك ، أما بغير هذا ، فهم ماضون في خططهم لمزيد من التقسيم للبلاد ، قلنا مرارا و تكرارا ان دول الخليج الحكيمة آثرت السلام مع الغرب وعملت على تنمية بلدانها ورفاهية شعوبها و قطعت في ربع قرن فقط من الزمان مئات السنين الضوئية من التنمية والعمران بدون جعجعة وعنتريات أوردتنا في السودان و نحن الدولة الفقيرة موارد الهلاك ولا تزال دول الخليج تحافظ على قيمها وتقاليدها المحافظة وفي قيم الدين والشريعة وامتلاء المساجد ونظافتها هم أفضل منا ، لا توجد مقارنة ، نعود الى ما تطرقنا اليه من قبل وما أثاره كرم الله عباس أي العلاقة مع إسرائيل ، لا تحسبوا الربيع في دول العالم العربي سيأتي بأنظمة تغير من معادلة العلاقة مع إسرائيل ، الإخوان المسلمون في مصر اعترفوا بكامب ديفيد و خيرت الشاطر الرئيس القادم لمصر همه اقتصادي فقط وليس أيدلوجي فهو رجل أعمال وستكون علاقتهم ممتازة مع أمريكا كما تركيا وفي حدها المعروف مع إسرائيل بدون تدهور ، السودان وحده سيقف معزولا في حين معظم الدول العربية من موريتانيا والمغرب غربا و حتى قطر شرقا و حتى تركيا شمالا ، الجميع لديهم علاقات متفاوتة مع إسرائيل ابتداء من مستوى التمثيل الدبلوماسي الكامل مثل مصر والأردن إلى مكاتب ارتباط وتجارة ، لماذا السودان وحده يجاهر بعدائها وهو ليس من دول الطوق ولا دول المحور ، إذا كنا نجاهر بعدائها ويتم تهريب سلاح لغزة بحدودنا الشرقية بعلم او بدون علم السلطات ستقصفك إسرائيل وخياراتك منعدمة تجاهها وستدعم جنوب السودان ولم لا تفعل ما دام موقفنا تجاهها معاديا جهارا نهارا بائنا ومزايدا ، لنسال أنفسنا لماذا القطريون مثلا لديهم علاقات دولية ممتازة مع أمريكا وفي حدها الأدنى مع إسرائيل و خالد مشعل الآن يقيم في قطر (يلعبوا بوليتكا) كما قال فيليب غبوش ومن لا يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بميسم و قطر بلد محافظ ، مجتمعيا لم يتخلوا عن تقاليدهم و مع ذلك حدثوا مجتمعهم بفتح فروع لكبريات الجامعات الغربية وسئلوا عند استضافة كأس العالم بعد القادم هل لن تضايقوا الناس في ملبسهم و تقاليدهم أجابوا لن نفعل ، هل تحسبون التطبيع تمرا أنت آكله أم ماذا ، والمظهر العام بقطر ورفيقاتها أي لبس النساء الذي عليه يزايدون في السودان ويجلدون عليه النساء ليل و نهار هو أفضل من السودان بدون فرض الزى عنوة و بدون شرطة امن المجتمع بل الشرطة عندهم تحترم الإنسان عبر التدريب و التطوير المستمر وفي نفس الوقت يدعمون الشعب الفلسطيني ماليا عبر الأممالمتحدة ووكالتها (الاونروا) وهي وسيلة شرعية أفضل منا اسألوا الفلسطينيين أيهم أهم لهم قطر أم السودان ستحبطون من الإجابة! والفلسطينيون في الخليج لا يرون في السودانيين سوى منافس لهم في سوق العمل! ، لقد قزمنا أنفسنا بمشاكلنا ونزايد في الصراع العربي الإسرائيلي ونحن لسنا من دول الطوق ولا دول المحور ، إعلام مبارك كان يغمز وخاصة أيام حرب الخليج الأولى وما بعدها في عقد التسعينات أن السودانيين يريدوا ان يثبتوا أنهم عرب بمزايدتهم في القضية الفلسطينية أي أننا أصبحنا مثيرين للشفقة كلما زايدنا في هذه القضية بل علينا البحث عن مخرج من هذه الدائرة المتصلبة وعلينا ان نبحث عن مخارجة في علاقتنا مع إسرائيل ولنرى مصلحة البلاد أولا و لنبدأ بدعم عملية السلام في الشرق الأوسط ، فهذا سوق الكل يكسب منه إلا السودان ، ابو مازن و فتح يستفيدون منه مرتباتهم منه ودعم الاتحاد الأوروبي هو الذي يجعل مستوى المعيشة في الضفة الغربية أفضل من السودان فلماذا ندخل الى الهامش و نقذف الناس بالطوب والحجارة و نزايد ، رحم الله امرئ عرف قدر نفسه واحترم نفسه ، الآن قيمة السودانيين انخفضت لدرجة لم تبلغها من قبل لأنها مرتبطة بالدولة وبسياساتها ولابد من وقفة مع النفس لإيقاف هذا التدهور ، إذن فالطريق الى قلب وعقل أمريكا و تحييد كل جماعات الضغط بها المعروفة بولائها لإسرائيل هذا الطريق يمر بموقف متوازن وعقلاني ومعتدل من إسرائيل يأخذ في حسبانه مصالح البلاد العليا ، هذه هي الوصفة للتطبيع مع واشنطن مع الحكم الرشيد الديمقراطي والتراضي الوطني للخروج من النفق لمن يحكم هذا البلد السودان ذي الإمكانيات الهائلة المعطلة لسوء الاختيار و تنكب الطريق و أي حل عداها هو قفزة في الهواء الطلق ليس إلا.