[email protected] من الدحديرة الى الحفرة الى النفق ، هذا هو وصف تدرجنا السياسي منذ الاستقلال الى الآن ، الدحديرة عند الاخوة في مصر و ينطقونها (الدحضيرة) هي الحفرة الصغيرة لذلك جاء المثل من دحضيرة الى حفرة ، منذ أواخر الستينات تزعم د الترابي فكرة طرد النواب الشيوعيين من البرلمان ، كانت تلك هي بداية إدخال البلاد في الدحديرة من قبل الدكتور الترابي فهؤلاء أي الشيوعيين بدل الصبر على الديمقراطية دبروا أمرهم بليل ، فعلها المتطرفون من الشيوعيين وحمل وزرها البقية ، ثم أوعز للنميري بالتوجه الإسلامي بدل الاعتدال لحساسية وضعنا في المنطقة والنتيجة بدل ان يكون السودان جسر للتسامح نحو إفريقيا لينتشر الإسلام بسلاسته المعهودة كما كان يحدث دائما ، أراده رأس حربة بتوجه صارخ وهو توجه أشبه بوضع رأس ضخم على هيكل عظمي فالسودان لا قبل له بمواجهة الغرب فلا هو دولة بترولية مثل إيران ولا دولة ذات قوة عسكرية مثل كوريا الشمالية ، كانت تلك هي بداية إدخال السودان في الحفرة الأعمق ، لم يكتفي الدكتور الترابي بذلك ، ففي الحفرة يمكن للضحية ان يرى السماء في الأعلى فيهتدي الى طريق الخروج فكان لابد من حشره من قاع الحفرة و إدخاله الى النفق ، في الديمقراطية الثالثة وهو يقود الإسلاميين بزعامة مطلقة عندما ابعدوا من التشكيل الحكومي بمذكرة الجيش بدل الصبر على الديمقراطية كما فعل الإسلاميون في تركيا مرارا الى ان اتوا بصناديق الانتخاب ، استعجل الترابي ، لم ينتظر عام 1990م وكانت ستحصل الجبهة الإسلامية على أغلبية مريحة ، ارتكب خطأ الشيوعيين قديما ، وقع الحافر على الحافر ، امة لا تتعلم من تاريخها الخاص القريب و البعيد وهو تاريخ غني و مترع بالمآسي ، في 30 يونيو 1989م كان د الترابي في الخامسة والخمسين من عمره وهي السن التي يعطي فيها السياسي بلاده عصارة خبراته و تجاربه في الحياة و كذلك كانوا معظمهم في الديمقراطية الثالثة ، الصادق ، الأخوين المرغني ، إدريس البنا ، مرغني النصري ، د تاج الدين ، مع حفظ الألقاب لم يكونوا صغارا ولا جهالا ، ليديروا البلاد بحزم وهم منتخبون و مفوضون لمنع المغامرين ،،، الجميع فرط بلا شك ، إذن ادخل الدكتور الترابي الناس في النفق ، في دهليز مظلم وهم يسيرون وجدوه هو نفسه د الترابي ويا للعجب يسير خلفهم و معهم ، يبحث عن الخروج! والمخارجة ، فالهوة التي كان أدخلهم فيها عميقة وليست لها قاع او قرار ، بعضهم غضب و حمل عليه ، لا أرى لذلك مبررا ، لا اخص الدكتور الترابي و احمل عليه لثأر شخصي او كراهية حاشا لله ان احمل او احقد على شخص ، أنا أحاول استنباط الدروس ، و لأنه كان له دور في مسيرة و تاريخ هذه البلاد خلال الخمسين سنة الأخيرة ، جزؤها الاخيرعاصرها جيلنا ، رأيناها رأي العين ، فانا هنا أوصف فقط لدوره ، ثم إنني لا احمل عليه لسببين اثنين فيهما ما ينفي فرية الاستهداف الشخصي ، الأول انه لم يفعل ذلك عن عمد بل كان و المجموعة المقربة منه يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، والثاني انه الآن في الوضع الذي هو فيه أي حزب المؤتمر الشعبي ويا للمفارقة وأنا هنا لست مؤتمر شعبي ولا يحزنون ولكن أوصف الحالة فقط ، المفارقة المفاجئة هي ان حزب المؤتمر الشعبي هو في الوضع الذي يتماشى مع العالم الخارجي تماما أي مع الغرب تحديدا و بدون العداوات هذه المرة تلك التي أثخنت البلاد بالجراح و حملتها فوق طاقتها ، المؤتمر الشعبي سيكون مقبول خارجيا ان حصل على السلطة وستحل الضائقة الاقتصادية للبلاد بل ستأتيه المعونات والهبات أوربيا وأمريكيا وربما عربيا بعد المراجعات الكثيرة التي أجراها الدكتور الترابي في فكره ومنهجه و التوبة النصوح عن التدخل الخارجي في شئون الدول والجماعات الإسلامية الاخرى هذه هي الحقيقة رفضها البعض ام قبلها و سيكون الشعبي هو الموديل في السودان ليتماشى مع الموديلات الإسلامية في الدول المجاورة في شمال إفريقيا أي إسلام نيو لوك الذي يريده الغرب ويرضى عنه ويغدق عليه بالهبات لأنه الغرب هو الذي خلصهم أي للإسلاميين بشمال أفريقيا من مبارك وزين العابدين أنسيتم اوباما لمبارك أيام التظاهر يوميا كان يقول له ، الآن تعني الآن ، يوميا كان يكررها ومنعه من استخدام القوة ، أوعز للجيش المصري بعدم استخدام القوة ، و هناك من سيقول ان حزب المؤتمر الشعبي ليست لديه قاعدة شعبية كبيرة ، على كل لم تختبر قوته وهناك من سيقول ان الرصانة للشيخ أتت متأخرة جدا ولكن سيجد هذا الرأي من يقول ويرد عليه بأنها وان أتت متأخرة فهي خير من ان لا تأتي أبدا ، التراجيديا الحزينة هي أن أهل السودان ربما يأسوا من الشيخ من كثرة انه يؤشر يمين وينحرف يسارا واذهب أنت الى القصر رئيسا وأنا اذهب الى السجن حبيسا ، و الثقة فقدت حتى بلغ هو الثمانين ونقصت قيمة السوداني وقلت قيمته في سوق العمل لضعف التعليم وضعفت هيبة البلاد حتى ارتريا و جنوب السودان المستقلتين حديثا أصبحا ينيخان السودان وقت ما تشاءان. إذن ما المخرج من هذا النفق ؟ ، المخرج هو في ثلاث نقاط وقضايا علينا أن نجيب عنها كسودانيين بمنتهى الوضوح والصراحة و بدون أي رتوش او غشاوة تحجب وتغطي العيون ، أولى هذه القضايا هي خلط الموقف الديني بالسياسي و ثانيها العلاقة مع الغرب و ثالثتها العلاقة مع إسرائيل و كلها قضايا متشابكة ، لا تستطيع ان تسحب خيط من العقدة دون ان تجر معك القضيتين الأخريين ، ومتداخلة ، أولا ، خلط الموقف الديني بالسياسي اضر بالممارسة السياسية في الداخل و الخارج فالسياسة نسبية ، هي فن الممكن ، فن المنطقة الوسط او المنطقة الرمادية والدين مطلق وخلط المطلق بالنسبي يفسدهما معا لقد فشل السودانيون بجميع مدارسهم ، المهدية قديما وحديثا او الإسلاميين بجميع تياراتهم في ان يتم إنزال الدين كقيم نزرعها في الناس بدون الاضطرار إلى الحكم به ، و من ثم نصطدم بالعالم الخارجي ، اذ المشكلة عندما نحكم بالدين نقع في دائرة التصلب التي لا تقبل بحل وسط ، والسياسية دائما هي البحث عن الحل الوسط ، فشلنا في إنزال قيم الدين في صمت بدون التوجه الإسلامي الصارخ للبلاد وما يجره من تبعات ، ثانيا العلاقة مع الغرب ، عدم مراعاة موازين القوى الدولية من حولنا والتوجه الإسلامي الصارخ كانت نتيجته الدخول في حرب مع الغرب ومع الكنيسة بعهد الإنقاذ والسودان لا قبل له بذلك ، والغرب نفسه عدة مستويات ، هناك غرب القيم والتكنولوجيا، وهذا علينا ان نتعلم منه كما تعلم منا فقد اخذوا هم من الحضارة العربية والإسلامية التي بدورها كانت أخذت من اليونانية والإغريقية فالمسالة تبادلية ، وهناك غرب المجتمعات المدنية وهذا غربٌ حليف لنا وصديق، وهناك غرب ملايين السياح ذوي الحس الإنساني الرفيع ترونهم بين ظهرانيكم في بلادنا و غيرها ، إذن من الغباء وضع كل هؤلاء في السلة ذاتها مع غرب الأنظمة. نعم غرب الأنظمة المنتخبة التي تراعي مصلحة إسرائيل كعقيدة مسيحية وهذا هو الواقع ، دول الخليج الحكيمة آثرت السلام مع الغرب وتنمية بلدانها ورفاهية شعوبها و قطعت في أربعين عاما مئات السنين من التنمية والعمران بدون جعجعة وعنتريات أوردتنا في السودان موارد الهلاك ولا تزال تحافظ على قيمها وتقاليدها المحافظة وفي قيم الدين والشريعة وامتلاء المساجد هم أفضل منا ، لا توجد مقارنة ، ثالثا العلاقة مع إسرائيل ، لا تحسبوا الربيع في دول العالم العربي سيأتي بأنظمة تغير من معادلة العلاقة مع إسرائيل ، معظم الدول العربية من موريتانيا والمغرب غربا و حتى قطر شرقا و حتى تركيا شمالا ، الجميع لديهم علاقات متفاوتة مع إسرائيل من مستوى التمثيل الدبلوماسي مثل مصر والأردن إلى مكاتب ارتباط وتجارة ، لماذا السودان وحده يجاهر بعدائها وهو ليس من دول الطوق ولا دول المحور ، لنسال أنفسنا لماذا القطريون مثلا لديهم علاقات دولية ممتازة وهم بلد محافظ مجتمعيا لم يتخلوا عن تقاليدهم و المظهر العام أفضل من السودان بدون فرض الزى عنوة و بدون شرطة امن المجتمع بل الشرطة عندهم تحترم الإنسان عبر التدريب و التطوير المستمر وفي نفس الوقت يدعمون الشعب الفلسطيني ماليا عبر الأممالمتحدة ووكالتها (الاونروا) أفضل منا اسألوا الفلسطينيين أيهم أهم لهم قطر ام السودان ستحبطون من الإجابة! والفلسطينيون في الخليج لا يرون في السودانيين سوى منافس لهم في سوق العمل! ، ومن هو الأهم دوليا قطر ام السودان! إذا لماذا نحشر أنفسنا في الصراع العربي الإسرائيلي ونزايد ونحن لسنا من دول الطوق ولا دول المحور ، بل علينا البحث عن مخرج من هذه الدائرة المتصلبة و لنبدأ بدعم عملية السلام في الشرق الأوسط ولنرى مصلحة البلاد أولا ، هذه هي الوصفة الثلاثية مع الحكم الرشيد للخروج من النفق لمن يحكم هذا البلد السودان ذي الإمكانيات الهائلة المعطلة لسوء الاختيار و تنكب الطريق.