انبهر الكثيرون بالخطوة المفاجئة التي أقدم عليها وزير الصناعة عبد الوهاب عثمان بتقدمه باستقالته من منصبه الثلاثاء الفائتة والتي سبقت افتتاح صرح اقتصادي ضخم «مصنع سكر النيل الابيض» - يقع ضمن مسؤولياته قبل أقل من «48» ساعة من افتتاحه.. ومرد العجب لاستقالة الرجل أنها تعد الحادثة الثانية في عهد الإنقاذ بعد استقالة أقل تأثيرًا لجهة كونها كانت لازمة أو متوقعة الأمر سيان بواسطة وزير الداخلية الأسبق عبد الرحيم محمد حسين حتى ظن كثيرون أن المسؤولين يحدثون أنفسهم بكل شيء إلا الاستقالة ومن هنا جاء الإعجاب الشديد «فجأة» باستقالة عبد الوهاب. لكن من المهم العودة لأصل الحكاية ووربطها ببعض الأسئلة التي تتقافز أمامنا أولها: هل سمع الوزير فجأة باقتراب موعد تشغيل المصنع الذي غمرت الإعلانات الخاصة بافتتاحه الصحف والقنوات؟ ومن تعاقد مع الشركة الفنية المسؤولة عن تشغيل المصنع؟ وهل هناك شرط جزائي لتلك الشركة حال فشلت في توفير نظام التشغيل في الوقت المحدد؟ ولماذا سبق أن تأجل افتتاح المصنع؟ وما هو مستوى متابعة الوزير لخطوات افتتاح المصنع؟ يقال إن الوزير الذي تسلم مهامه قبل نحو أربعة أشهر زار المصنع مرتين فقط!! وإن صدق ذلك فهذه مسألة مدعاة للدهشة خاصة أن المصنع ربما يعد أضخم عمل صناعي يقع تحت مسؤولياته من حيث الكلفة في الوقت الحالي ما كان يتطلب أن يقوم الوزير بزيارات راتبة للمصنع ليقف على كل صغيرة وكبيرة. قد ينطلي على البعض حكاية رفض الوزير لمسألة تشغيل المصنع بأسلوب «مدغمس» حسبما أُشيع ولكن لماذا لم يسبق للوزير أو من معه أن اقترحوا إجراء تشغيل تجريبي وهي مسألة بدهية بشأن أي مشروع أن يقف القائمون بأمر بإجراء تشغيل تجريبي. لا يكفي أن يقدم الوزير استقالته ويصفق له الناس ويتحدثوا عن كفاءته السابقة, يجب أن تكون هناك مساءلة رغم أن الخطوط العريضة للتقصير الذي حدث بائنة للعيان ولن ترهق لجنة التحقيق التي تم تشكيلها. هناك أطراف من الجيد البحث عن علاقتها بالمصنع وبآلية طرائقه على رأسها مساعد رئيس الجمهورية جلال الدقير الذي كانت أول مهمة له من داخل القصر عقب تعيينه هي زيارة مصنع سكر النيل الأبيض وبالقطع وقف الدقير على ترتيبات التشغيل وتعرف على كثير من النواقص، كما أن الدقير كان وزيرًا للصناعة وكذلك وزير الصناعة الأسبق عوض الجاز.. لكن في كل الأحوال فالمسؤولية المباشرة تقع على الوزير المستقيل فجأة!! الذي كان من الممكن أن يعلن استقالته قبل فترة قبل أن يتم إبلاغ ضيوف البلاد الذين شاركوا في فعاليات الاجتماعات السنوية لمجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية في دورتها ال «37». لم يقدم عبد الوهاب درسًا للكبار في الشجاعة وتحمل المسؤولية كما روج البعض وأنه قدم درسًا للذين يتهربون من دفع الفواتير ويضعون أخطاءهم على كاهل الآخرين.. زار وزير الصناعة قبل أيام معدودات من استقالته مصنعًا لزيوت السيارات مملوكاً للقطاع الخاص وجاء خبر الزيارة في النشرة الرئيسة للتلفزيون القومي، وبالقطع كان أولى بهذه الزيارة مصنع سكر النيل الأبيض بدلاً من انتظار التقارير بشأن سير الأعمال فيه والتي دفعت الوزير من داخل مكتبه للتقدم باستقالته الثلاثاء الماضية. الحكومة مطالبة بعدم التهاون في ما يلي ملف الاستثمار والصناعة برمتها تدخل في مجال الاستثمار أو تدور في فلكه بالتالي فإن كل ما من شأنه يخلف علامات استفهام أو يشوش على مجريات العملية الصناعية والاستثمارية بالبلاد ينبغي حسمه ومراجعته ومحاولة تلافي أخطائه وأسباب ومسببات تلك الأخطاء. لا تكفي استقالة الوزير عبد الوهاب التي تعد تهربًا من المسؤولية كان أولى أن تكون مشفوعة بمبررات واضحة بدلاً من الحديث عن الحرج الذي حدث جراء تأجيل افتتاح المصنع والذي حتى الآن بات موعد افتتاحة الجديد في رحم الغيب وتحت رحمة الشركة الأمريكية التي فيما يبدو قد تعاقدت من الباطن مع الشركة التي تعاقدت معها الحكومة أو أية جهة أخرى. الوزير المستقيل فجأة مطالب بكشف الحقائق بدلاً من تبرئة نفسه باستقالة يرجح أن لا تُقبل أو قد تكون استراحة محارب، والأمر بالقطع لا علاقة له بحسن خلقه الذي عهد فيه ولكن له علاقة مباشرة بمصائر مواطنين كانوا يأملون في تشغيل المصنع وبالتالي حق التساؤل لماذا لا يحاسَب الوزير وفي هذه الحالة سيعد الأمر سابقة تستحق الاحتفاء وليس الاستقالة.