قراءة تانية شعلة أفريقيا( في واشنطن) السر قدور المكان مكتب ( دار المسابقات الحديثة ) بشارع السيد عبد الرحمن بالخرطوم والزمان الأيام الأخيرة من عام 1963 ، التقت مجموعة من المهتمين بالفن بدعوة من مدير الدار كمال عبد الماجد بشارة الذي فجر قنبلة مدوية في أول اللقاء عندما أعلن أن مؤسسة أمريكية تعمل في مجال الفن تريد عرض الرقصات الشعبية السودانية في العديد من مدن الولاياتالأمريكية وأن عرض الختام سيكون في العاصمة واشنطن وأن المطلوب وعلى وجه السرعة أن نقوم بإعداد برنامج فني وقوي يحتوي على رقصات مميزة من كل أنحاء السودان . وان مندوب المؤسسة الأمريكية ينتظر منا خطاب الموافقة وتحديد موعد حضوره لمشاهدة البرنامج وتوقيع الاتفاق وتحديد موعد الرحلة إلى أمريكا ... وفي ذات الجلسة تم توزيع المهام باختيار الفنان عبد الرحمن بلاص مديرا إداريا للعمل والفنانة آسيا عبد الماجد مسئولة عن شئون المرأة واميلو لوهايد مسئولا ماليا وتم اختياري مخرجا للفرقة وان أتولى مهمة تحويل الرقص الشعبي من أسلوب الحلقة المستديرة إلى أسلوب صالح للعرض المسرحي وبعد مداولات عديدة قررنا أن يكون اسم الفرقة شعلة إفريقيا) ) . وبإمكانيات مالية جيدة وفرها كمال عبد الماجد بشارة بدأ نشاط الفرقة وفي فترة قياسية تم تجميع عدد كبير من الراقصين والراقصات وقد وافق مصطفى كمال راشد ( كيشو ) على أن نجري بروفات الاختبار والتجريب في صالة أحد فنادقه وهو الفندق المعروف بشارع الحرية بوسط الخرطوم .. تم اختيار ما يزيد عن خمسين راقصا وراقصة وبعد ذلك تحديد أربع عشرة رقصة من كل إنحاء السودان وبدأت عملية التدريب وكانت هناك فرقة موسيقية من أبرز أعضائها عازف الكمان الموهوب الحبر سليم . وعندما وصلنا إلى منتصف عام 1964 كان لدينا برنامجا جيدا يستغرق عرضه ما يقرب من ساعتين وقامت آسيا عبد الماجد مع عبد الرحمن بلاص باختيار وإعداد الملابس المناسبة لكل رقصة من الرقصات .. وتحمل كمال عبد الماجد تكاليف باهظة في إعداد الفرقة وإعداد الملابس ثم تم الإعلان عن المفاجأة وهي حضور المتعهد الأمريكي شخصيا إلى الخرطوم لمشاهدة العرض وحدث ذلك ، وفي اليوم الثاني لمشاهدة العرض عقد اجتماعا مع كمال بشارة في صالة الفندق الكبير حيث كان يقيم وفي ذلك الاجتماع أبدى إعجابه بالعرض وخصني بصفتي مخرج الفرقة بجائزة مالية ثلاثمائة دولار أمريكي وكانت تساوي حينها مائة جنية سوداني كان سعر الدولار يزيد قليلا على ثلاثين قرشا سودانيا !!!. ولكن الأهم هو إن المتعهد اقترح في ذلك الاجتماع أن يقوم بتصوير عشر رقصات اختارها خلال مشاهدة العرض باعتبار إنها ستستخدم كدعاية للفرقة عند ذهابها إلى أمريكا وتقرر أن يكون التصوير داخل غابة الخرطوم في أماكن مختلفة ، وفعلا تم تحديد موعد التصوير وفي الموعد المحدد ذهبنا قبل شروق الشمس وكان المتعهد الأمريكي كما يبدو قد أحضر معه فريقا محترفا للتصوير وعند الساعة الرابعة عصرا كنا قد انتهينا من التصوير وتلقينا التهاني من المتعهد ومن فريق العمل الأمريكي . ولكن ما حدث بعد ذلك كان هو مربط الفرس لقد سافر الرجل مع أفلامه وانتظرنا لنسمع منه خبرا أو خطابا لتحديد موعد الرحلة المنتظرة ولكن ذلك لم يحدث .. وقد اكتشفنا وربما بعد فترة طويلة إن المتعهد لم يكن يريد أكثر من تصوير الرقصات العشر وان موضوع الرحلة لم يكن أكثر من خديعة .. بل ربما إن الرقصات ستقدم بواسطة فرق رقص من زنوج أمريكا بعد ذلك .. وانقطعت أخبار الرجل وانتهى حلم الرحلة إلى أمريكا وعوضناها برحلة إلى إثيوبيا . اذكر هذا ونحن الآن نستقبل في كل يوم وفودا وشخصيات من أمريكا وأوروبا وكلها تتحدث معنا عن الإغاثة والعون الإنساني والمساعدة والمساندة ولا ندري ما هي الأهداف الحقيقية التي يسعى هؤلاء إلى تحقيقها ونتعامل معهم بحسن الظن بينما المثل العربي يقول ( إن سوء الظن من حسن الفطن ) وعندما نستمع إلى هؤلاء علينا أن نتذكر قولة جورج برنارد شو وهو يصف أسلوب أحد أصدقائه ( انه يتحدث معي كثيرا لا ليظهر أفكاره .. وإنما لإخفاء أفكاره الحقيقية) الراي العام