.. [email protected] نفخة أخرى قوية تنطلق نحو وميض النار ، تحت رماد الحرب التي لم تنطفي بلعاب السلام السام الذي فتت الوطن ، وأبقى على الفتن ! دوافع الحروب بين الدول أو قل التي تفتعلها انظمتها بعيدا عن رغبة شعوبها في الاقتتال البغيض كما هو حالنا الذي يشابه حال الجارتين اثيويبا واريتريا وهما يتعاركان في غير معترك مقنع! تظل دوافعا متعددة ، لكنها تتجدد بين الحين والاخر اما ردا لفعل بدر من طرف , واما استباقا من طرف لنوايا خصمه لتحقيق واقع على ارضه بغرض جره من موقع القوى للتفاوض أو ارهابه باستعراض قوته الذاتية والتي قد تكون مستقوية باذرع أخرى للتحريض أو ما نسميه في عاميتنا بالتحريش ! فنحن ندرك ونقّدر وطنية وبسالة جيشنا وجندينا السوداني من قديم الزمان وهي ميزات أشاد بها الأعداء قبل الأصدقاء ،منذ البلاء الحسن الذي أبلاه في الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء ضد دول المحور و دوره الريادى الباعث على الفخر في مهماته العربية والأفريقية، فما بالك عن دوره في الذود عن حياض الوطن متى ما تعرضت لعبث أية يد من خارج الحدود ! بيد أننا لابد من أن نقف عند التداعيات السلبية لتسيس هذا الجيش في عهد الانقاذ وتشتيت قوته ومعنوياته في غزوات داخلية لا يرتاح من احدى جولاتها الا و أعده محفل الحروب الدموى لأخرى جديدة ، فبات جيشا منهكا نفسيا ومعنويا ربما لانعدام الحافز المنطقي من الوجهة الوطنية الخالصة وقد أصبح تحت أمرة نظام أهوج ، يشعل النيران للآخرين و يحترق فيها ويجر ارواح الشباب اليافعة من الطلاب المغرر بهم غسلا للدماغ أو تحفيزا بانجاح الفاشلين منهم دون العبور من سكة التنافس العلمي الشريف أو اغراء بالمال والمناصب في حالة عودتهم سالمين ! أ و خداع أهلهم بانهم في الجنة ان هم ماتوا في تلك المحارق ،باقامة سرادق الشهادة الجهادية المزعومة و محاولة شراء احتباس دمعات الامهات وعبرات الاباء بحفنة من المال أو مواد التموين البخسة الثمن ! الان الجيش السوداني وان كان لازال فيه حفنة من الضباط الذين عبأهم هوس البشير وعبد الرحيم وهارون الذين لم يعد لديهم الكثير في حياتهم ليخسروه ، فباتوا يجرون الاخرين في دروب ياسهم ونهاياتهم المحتومة ، الا انه من الواضح أن هناك ضمائر حية في هذا الجيش لاسيما بين الجنود الخارجين من أصلاب أباء و أرحام أمهات باتوا يدفعون الثمن غاليا وفي أطراف عدة من الوطن نتيجة لحماقات هذا النظام الذي يستعدى شعبه لاطالة بقائه على جراح الوطن المجهد ! ولعل النكسة ولا نقول الهزيمة التي مني بها الجيش في منطقة هجليج بالأمس لا تمثل تعبيرا عن ضعف الجندى السوداني بقدرما هي رسالة من الجيش وجنوده للانقاذ ، تقول انهم لم يعودوا يصدقون صرخات محمود من خطرالذئب الوهمي الذي كان يزعم انه قد هجم على غنمه فيهرع الناس لنجدته ، ويكتشفون كذبه ، الى أن جاءه الذئب حقيقة فطفق يصرخ دون جدوي ولا من مجيب ! وهكذا كان الجيش ينساق وراء نزوات الانقاذ على مدى سنيها العجاف ،مصدقا أن الوطن مستهدف في ذاتها ، ولكنه يكتشف كذبها ، الى أن دخلت في محك التعارك مع دولة صغيرة خرجت من رحم خطلها لتقف لها شوكة في حلق ما تبقي لها من عمر نرجو الا يطول ، ولعل الجيش أراد أن يرسل رسالة تقول للانقاذ كفي لعبا بالنار ، فقد سئمنا الحروب والدمار! بالطبع نحن لا نقر أن يحتل أى كائن من كان من الجيران ذرة من تراب الوطن ، ونحن على يقين أن ما أدى الى نكسة هجليج وجعل ترابها يتشتت من بين يدى جيشنا الأمينة ليس بالامر السهل وهو يتلخص في انهيار معنويات جنوده ، وانعدام ثقتهم في مبررات الحكم لاشعال الحروب ، فانعكس ذلك على روحهم ،لا ضعفا في مقدراتهم القتالية ولا تراجعا في حسهم الوطني ولا هو تفريط في قيمة أرضنا التي ستعود ان لم يكن بالسلام ، فبقناعة جندينا الباسل حينما يتأكد انه يستعيد جزءا من كرامة الوطن ويموت سعيدا من أجلها ، لا من أجل هوس مصاصي الدماء ومهاويس الخلود السلطوي وارتفاعا فيه على جماجم الآخرين ، ليهنئوا هم ، بمغانم الغزوات التي ستعود عليهم نارا في البطون ، طال الزمن ، أم قصر! ويظل دائما فخرنا بذلك الجيش ثابتا في مكانه ، متى ما عاد وطنيا خالصا يفتدي البلاد كما كان ولا يخضع لرغبات الكيزان . وبغض النظر عن موقفنا من العصابة الانقاذية الحاكمة ، تبقي عاطفتنا نحو الوطن سامية فوق سمو كل عاطفة مبدئية سياسية ذاتية وحبنا لتراب السودان وحرصنا على كرامته عقلاني لا تشوبه الأغراض الجانبية التي تدفعنا للشماتة ان هو مسه ضر وان كنا ندرك العلل والمتسبب ! حما الله وطننا من كل شرور متقصديه ، حيثما كان موقعهم ، وألهم جيشنا الصواب لصيانة ترابنا بعيدا عن مزايدات المصالح الضيقة للانظمة الفاسدة ومثيرى الفتن ، ولعل جيشنا قد فهم الى اين تقوده حماقاتهم ويكون انسحابه التكتيكي من هجليج ولا نقول فراره منها ، رسالة يكون لها ما بعدها من السطور التي نعلم أن اصحاب العقول الخربة في كلا الطرفين قد يستلموها ، ولكن، ربما بعد فوات الاوان! والله المستعان ..على بلوى الأوطان والشعوب في مصيبة حكامها قصيرى النظر وعديمي الحكمة! وهو من وراء القصد ..