غرفة نومها مدينة! طه جعفر [email protected] هي لم تعرف الحيض و كانت الكلمة بالنسبة لها مفردة وافدة من كتاب دين لا يعنيها كثيرا، أما عبارة "الدورة الشهرية" فهي بالنسبة لها ليست أكثر من حذلقة تدل علي قصر القامة الاجتماعية و تضاؤل الموهبة ، كانت تحتفظ بعداوة غير مخفية لكلمة "عادة" و تعتبرها غير دالة علي أي شيء يستحق الخجل، كان جل عدائها للنساء مترتب علي إفراط نساء المدينة في استخدام كلمة "عادة" لوصف الحيض . ما كان يمنعها من الحيض هو ليس أكثر من الحمل ، لم تعرف تلك المدينة امرأة أكثر خصوبة منها ! و يعود ذلك لاعتياد الناس علي مشاهدتها ببطن منتفخ ، كانت حبلي باستمرار. هي قصيرة القامة ، دقيقة الجسد، فمها و انفها و تضيق صفحتي الوجه جعلا وجهها مميزا بملامح فريدة خاصة إذا عاينت جبينها الذي يطفح عليه الجنون حجا فلا من اضطراب،يلتف بجسدها توبا اشولاً، كانت نظيفة إلي درجة معقولة تؤهلها للنشاط الجنسي المستعجل مع طالبي هذه الخدمة الاجتماعية ذات الأجر الضئيل. تزرع شوارع المدينة مشيا، توزع ابتساماتها المجانية علي وجوه المارة و علي وجوه الجالسين في ظلال فراندات المتاجر أو أمام البيوت ، هي باختصار تنشر ابتسامتها في المحيط بجلال و توثب. يناديها الصغار بأسماء هي لا تحبها فترد عليهم بقواميس بذاءة طافحة بالعداء لذلك النسق الاجتماعي المنتصب و المنحشر بين فخذيها بنطفه التي تصيب و لا تخطيء ابدا بما يورث بطنها انتفاخا و حملا و ولادة . كانت تضع وزر بطنها في أي مكان يداهمها الطلق فيه لقد ولدت في المستشفي الحكومي لأكثر من خمسة مرات و ولدت حوالي الستة مرات بقسم النساء في السجن العمومي و ربما يكون ذلك بعد تطبيق قوانين الشريعة. لقد أكد لي احد الأصدقاء أنها قد أنجبت احد مواليدها بمركز البوليس ، كما يقال أنها قد أنجبت العديدين في بيوت أصحاب القلوب الرحيمة و أحيانا في خيران المدينة المشهورة و هي خور ابوفارغة و خور مقاديم و لها انجابات جوار الردمية التي تفصل المنطقة العسكرية عن أحياء المدينةالشرقية. عندما يناديها الصغار بتلك الأسماء التي لا تحبها فتنهال علي مسامعهم بشتائم نابية تنتقص من كرامة آبائهم و أهلهم فيضحكون و يركضون فيجلجل المكان بكركرة ضحكتها ذات الصخب الذي يربك المكان باحتمالات غير محددة هي بين توقع ازدياد غضبها ثم حصبها للجميع بحجارة تجعل كل الناس يتراكضون في محاولة للخروج من مرمي حجارتها الغاضبة، و احتمالات أن تنشر موجات الضحك و الشتم الذي يختتم بعبارات مثل " أحيّ أنا يا أولاد الميدان .. اركبوا ..هنا مخرجة أصبعها الأوسط عن سطح كفها باهتزازات حازمة" ... "وووب .. أليّ أنا يا أولاد ديم همد يا صيص". طالبي الخدمات الجنسية لديها هم لفيف من متعثري الحظ الاجتماعي أو الغرباء و مختلسي المتعة المجانية . من كثرة تجوالها لا يستطيع أي إنسان التكهن بالأماكن التي ترتادها في ظلام المدينة لمواقعه الرجال ، لدرجة أن الناس ظلوا يرددون هذه العبارة " إن غرفة نومها هي مدينة كاملة" كلما طافت ذكراها علي أجواء المجالس قيلت تلك العبارة. و حقيقة كان !! أن غرفة نوم هذه المرأة الفريدة هي مدينة كاملة. عدد كبير من لقطاء المدينة هم في الحقيقة أبناءها و بناتها و من كثرتهم و جنونها فهي لا تعرف معظمهم، أبنائها و بناتها من كل السحنات و الأعراق . احتاج الناس أياما ليحسوا باختفائها ، لأنها تتوفر بضحكاتها أو حجارتها المحصوبة صوب المكان و شخوصه في كل مكان يتجمع فيه الصغار في أي حي من أحياء المدينة، أذا لم تكن في حي النصر ربما كانت في حي الميدان أو الجناين و ربما ديم حمد أو حتى في السكة حديد! أو حي الموظفين. بعدة فترة وجيزة أدرك الجميع حقيقة اختفائها و بالفعل نسيها الصغار و افتقدت شوارع المدينة و فسحاتها جولاتها و الضحكات المجلجلة و ربما تلك الزوايا المعتمة التي اخترقتها فيها انتصابات العابرين ، متعثري الحظ الاجتماعي و مختلسي المتعة المجانية ، حتى حصي و دراب الشوارع افتقدا ملمس أناملها. رمل الدروب ، الأسفلت ،و طين المدينة اللزج ، و بلاطات مداخل البيوت و الأعشاب افتقدت خطو احذيتها المهترئة . ربما لم يكن اختفائها مهما الا لابنها الأخير الذي سيعتاد حتما علي الوضع الجديد.