أيها الشهيد رقم 321 شرطة ..هل تسمعنى ؟ عباس فوراوى [email protected] يستشهد أهل الشرطة ويفنون ، من أجل أن ينعم المواطن السودانى بفضائل الأمن الشامل، فى الأرض والعرض والمال والنفس والقوت ، ومن أجل أن يظل السودان وحدة واحدة بحدوده المعلومة، دون أن تمزق أوصاله مؤامرات البغاة المعتدين، أو تنهب مقدراته وثرواته جحافل الطامعين . لقد ظلت الشرطة السودانية تقدم الشهيد تلو الشهيد ، منذ بزوغ فجرها الضاوى قبل أكثر من مائة عام ، مروراً بأحداث المولد الشهيرة وأحداث سوبا الغادرة وأحداث جبل أولياء الجبانة، وحتى هذه اللحظات العصيبة التى تتعرض فيها البلاد للعدوان الجائر من كل صوب وحدب . الشهيد العقيدشرطة فيصل محمد يوسف ، قائد قوات الاحتياطى المركزى المرابطة فى منطقة هجليج السودانية، والتى تؤدى واجبها فى حراسة وتأمين هذه المنطقة الاقتصادية الهامة جداً ،كان آخر الشهداء الحقيقيين الذين أدركوا قيمة الشهادة دفاعاً عن الأرض ، فباعوا أنفسهم ، نظير أن ينعموا بجنة عرضها السماوات والأرض ،و لينعم أمثالنا من أهل الدنيا وأحبائها بالرخاء الاقتصادى الدنيوى، والأمن النفسى المغشوش . كان آخر اتصال مع الشهيد عبر هاتفه الجوال ظهر يوم العاشر من أبريل المنصرم . سُئل الشهيد عن الأحوال الأمنية داخل منطقة هجليج ساعة كانت تئن وتتوجع آنذاك تحت أقدام الغزاة البغاة ، فرد قائلاً (الله يعين وبس ) . بعد خروج حرف السين من فيه صمت هاتفه الجوال ، وصمت سيادته الى الأبد ، فقد اغتالته أيادى الغدر والخيانة بجانب حارسيه الشهيدين بعد أن أبلى بلاءاً حسناً وهو يصد كيدهم. اصطاده الخونة الطامعون بست رصاصات ، استقرت أربعة منها فى صدره الواسع المتسع ،واثنتان أصابتاه فى موقع ،سيماهم فى وجوههم من أثر السجود ، مما يؤكد الحقيقة الدامغة بأن الشهيد ومن معه ،كانوا فى مواجهة لا ريب فيها مع هؤلاء المعتدين ، الذين يعلم الله وحده ،كم عدد الهالكين منهم لحظتها . لقد كان بامكان الشهيد أن ينسحب مع المنسحبين ، تحت سُتُر الانسحابات التكتيكية وغيرها من علوم الأرض ، ولكنه رجع قاطعاً الطريق على وساوس شيطان الحياة الدنيا ، رافضاً عروضاً مغرية بالنجاة . فى غمرة الأحداث الصعبة ، تذكر الشهيد أن مخازن الأسلحة مكتظة بالأسلحة الفتاكة، والذخيرة الفاعلة التى سترتد وبالاً على الناس ، فبدأ مع حارسيه - اللذين رفضا التخلى عن رفقته الميمونة – فى تحميلها على العربات ابعاداً ، حتى لا يرتد مفعولها نزعاً لأرواح الأبرياء . ظل جثمان الشهيد جاثماً مع رفيقيه بجوار مخزن السلاح، الذى كانوا يدافعون عن محتوياته كآخر مصدر من مصادر الشرور ، بعد أن استحالت المنطقة الى كراتٍ من اللهب ، منذ احتلالها فى العاشر من أبريل 2012م ، وحتى الجمعة 21 أبريل ذاته، ساعة تحريرها بالكامل من دنس المعتدين الأجانب. لك أن تعلم عزيزى القارئ ، أن السيد وزير الداخلية وبعض قادة الشرطة الكرام كانوا يحملون كتابهم بيمينهم ، تحت عنوان الأحوال الجنائية والأمنية بالبلاد يوم 18 /4/2012م ، ميمنين شطر المجلس الوطنى للتنوير والاحاطة ،علهم يظفرون بعبارة من شاكلة "جزاكم الله خيراً ". عندما كان أهل بيزنطة يتحاورون فى تجاوز الشرطة للربط فى بند الشهداء كان الشهيد العقيد مصطفى وزملاؤه الشهداء من الشرطة ينتظرون من يستر جثثهم الطاهرة ، بعد أن صعدت أرواحهم الى مراقد الشهداء والصديقين، وحسن أولئك رفيقاً . النواب الكرام تركوا كل محاسن الشرطة جانباً ،وظلوا ينهشون فى جسدها المنهك ،تقريعاً وصفعاً ورمياً دون ترتيب وحساب . لك أن تتخيل أن السادة النواب ، قاموا بتحميل وزارة الداخلية مسؤولية ارتفاع عدد الشهداء بالشرطة الى (320) شهيداً ، معزين الأمر الى خطأ سياسات الوزارة وضعف اشرافها ونقص معداتها مع سوء التدريب ، مطالبين بالفصل بين اختصاصات الشرطة والقوات المسلحة . لحظتها كان الشهيد رقم (321) فيصل محمد يوسف يرقد هانئاً فى رحاب الخالق روحاً ، وعلى سطح أرض هجليج جسداً لا يقبل البلى ، بين الشهيدين المرافقين رقم (322) و(323) . أجسادهم الطاهرة لازالت ترقد فى عراء هجليج ، لا يمنع دابة الأرض من العبث بها ، الا سياج الشهادة الأصلية المعتقة ، وعبق أرواح أصحابها المرفرفة فى العلياء . أيها الشهيد رقم (321) هل تسمعنى !؟ ...طيِّب !! ما الذى دفعك لنيل الشهادة فى هجليج ؟..لأننى كنت أدرك عقلياً بأننى أدافع بصدق عن أرض السودان وعرض أهلها وأموالهم ودينهم...كويِّس جداً !! لماذا لم تغادر المنطقة سالماً غانماً ، بعد أن اتضح لك أن هناك مساحة لأن يرى الراؤون عجاج أكتافك ؟!.. تذكرت فقط القسم الذى أديته بعد تخرجى من كلية الشرطة وهو (أقسم بالله العظيم أن أنذر حياتى لله ،ثم لخدمة الوطن والشعب وحماية الدستور، بكل صدق وأمانة ،وأن أبذل قصارى جهدى لتنفيذ الواجبات الملقاة على عاتقى ،حتى ولو أدى ذلك للمجازفة بحياتى )..وسؤال أخير أيها الشهيد الحى ؟ .. أرجع بعض نواب البرلمان أسباب استشهادكم وعدد (320) من الشرطة الى علةٍ فى التدريب ونقص فى المعدات وخطل فى السياسات .. بماذا تردون !؟ ...الله يعين وبس !