٭ مثل ما حلفا دغيم في أقصى شمال السودان وسواكن في أقصى شرقه والجنينة في أقصى غربه، وكلها مدن سودانية دماً ولحماً وتاريخاً وحضارة وثقافة، فإن هجليج وأبيي في أقصى الجنوب الغربي الجديد لسودان ما بعد نيفاشا الشؤم واللؤم مدينتان سودانيتان رغم أنف قوى البغي والعدوان في دولة جنوب السودان الوليدة، وان الاعتداء عليهما وإدعاء تبعيتهما لدولة الجنوب يعد اعتداء صريحا على السودان شعباً وتراباً وتاريخاً ولابد من مقابلته بما يستحقه من قوة وشراسة وردع لا رحمة فيه ولا هوادة، حيث لا مجال للتهاون أو التفريط في ذرة من تراب الوطن مهما عظمت التضحيات وغلا الثمن. ومهما بلغ حجم التآمر الداخلي والخارجي لتمزيق وطننا وتحويله الى دويلات صغيرة متناحرة حتى يسهل التهامها وبلعها وهضمها ونهب ثرواتها وخيراتها!!. ٭ والشعب السوداني الذي عرف بأنه شعب مسالم يرفض العنف والحروب واراقة الدماء وإزهاق النفوس لن يقبل بالخنوع والاستسلام ورفع الراية البيضاء متى ما تيقن بأن الحرب قدر مفروض عليه!!. ٭ ومتى ما فرضت علينا هذه الحرب اللعينة فإننا لن نهرب من ميدان المعركة، ولن نبخل على هذا الوطن الحبيب الغالي بالمهج والأرواح رخيصة من اجل ان يبقى السودان عزيزا قوياً شامخاً يناطح الصخر ويتحدى الصعاب ويطوع المستحيل ويلقن الاعداء والخونة وشذاذ الافاق دروسا نادرة في الشجاعة والبسالة والاقدام!! ٭ ومتى ما فرضت علينا هذه الحرب فإن شعبنا العبقري لن يعجزه استدعاء تاريخه وبطولاته وانتصاراته وانجازاته واستعداده لمقابلة الموت (المكشر) عاري الصدر أعزل من كل سلاح الا سلاح الايمان بالله سبحانه وتعالى، والايمان بعظمة هذا التراب الذي امتلأت منه مصاريننا على أيام طفولتنا الأولى فأصبح ذلك التراب مصدر الهامنا وكرامتنا وعزتنا!!. ٭ نحن أهل قناعة بأن الشر ان تلقه بالشر يحسم وان الموت في سبيل الوطن شهادة غالية ثمنها بإذنه الله جنة عرضها السموات والارض، واننا على حق واهل الحكم في الجنوب على باطل وان قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، وانه لا مجال لأن نقبل الدنية في هذا الوطن طالما انهم هم المعتدون على ارضنا واهلنا وثرواتنا. ٭ ولعله مما يغري حكام جنوب السودان وقيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان بالاعتداء على السودان معرفتهم التامة بأن هناك جبهة عريضة من اهل السودان تعارض نظام الحكم في السودان وتسعى الى اسقاطه والتخلص منه، وتتمنى زواله واختفاءه من مسرح السياسة السودانية وقد أكون انا واحدا منهم وبهذا الفهم ومن تلك الأرضية يمارس حكام الجنوب حماقاتهم في الاعتداء على مدن السودان المتاخمة لحدود الجنوب وافتعال المشاكل مع نظام الحكم ووضع المتاريس في طريقه حتى يسقط ويتهاوى!!. ٭ ولكن هيهات.. هيهات لمثل هذه النظرة السطحية ولهذا الوهم الكبير والجهل التام بحقيقة الشعب السوداني الذي توحده المصائب والكوارث والاعتداءات الخارجية فشواهد التاريخ تشير وتؤكد ان الشعب السوداني في ساعات المحن والشدائد يكون على قلب رجل واحد ولا مكان في صفوفه للمتخاذلين او المتقاعسين او الخونة والمندسين مهما كان حجم الخلافات والصراعات بين اهل الحكم والمعارضة!!. ٭ والحقيقة التي يجهلها حكام الجنوب وقيادات حركته الشعبية ان شعب السودان في ساعات المحن والشدائد والمؤامرات الخارجية يكون كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا ويكون كالجسد الواحد الذي اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وان السودان أكبر من الحزبية وفوق العصبية والجهوية والقبلية!!. ٭ وحتى يعلم حكام الجنوب وتجار الحرب ومصاصو دماء الشعوب صحة ما ذهبت اليه نحيلهم الى (صحافة) الاحد ليطالعوا تصريحات رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطية مولانا السيد محمد عثمان الميرغني وبيان الحزب الشيوعي السوداني الذي استنكر احتلال هجليج وتصريحات قيادة التجمع الوطني المساندة للحكومة في معركتها ضد الغزاة المحتلين حيث لا مساومة على التراب السوداني ولا تفاهم مع من يعتدي على مدن السودان وشعبه وثرواته، وعلى قوات شعبه المسلحة الباسلة المناط بهات حماية الارض والعرض والوقوف في وجه كل قوة خارجية تسعى الى تدنيس ارض الوطن وتمزيق وحدة ما تبقى من ارضه وشعبه بعد مهزلة نيفاشا!.. ٭ ولا غرابة في هذه المواقف الوطنية البطولية لقوى المعارضة السودانية لانها مواقف راسخة في وجدان اهل السودان منذ فجر التاريخ ولقد تكررت مرات عديدة خاصة عندما يتعرض الوطن للتآمر الخارجي، ووقائع الثورة المهدية واحداث استقلال السودان ومعارك حلايب كلها تمثل شواهد على صدق ما ذهبت اليه لذلك فإن موقف المعارضة من معركة هجليج وغيرها هو بمثابة امتداد طبيعي لمواقف ظل اهل السودان يتوارثونها جيلا عن جيل وهذا ما يجب ان يدركه الطغاة البغاة. ٭ وأعظم ما في هذا الموقف الوطني تجرده التام عن الانتهازية القبيحة ومحاولة استغلال الظرف الحرج الذي يمر به الوطن للضغط على الحكومة وحزبها الحاكم فالهدف النبيل الذي ينشده أبناء السودان جميعاً (حكومة ومعارضة) هو دحر العدوان واسترداد كرامة الوطن وعودة هجليج الى حضن الوطن معززة مكرمة مرفوعة الرأس والانتصار لقوات شعبنا الباسلة باعتبارها المؤسسة الوطنية القومية الحارسة لأمن السودان وسلامة أراضيه!!. ٭ وبارك الله مليون مرة في الشدائد لأنها هي التي تصهر معادن الرجال وتعجم اعوادهم فلولا احتلال هجليج وما صاحبه من غطرسة كريهة وشروط تعجيزية مذلة مثل مقايضة هجليج بأبيي و(كلاهما مدينتان سودانيتان) بمعنى ان ينسحب جيش الجنوب من هجليج مقابل ان ينسحب جيش الشمال من أبيي لما كانت هذه المواقف العظيمة من اهل المعارضة ولما كانت هذه الرغبة الصادقة في تجاوز كل مرارات الماضي والتفاف الجميع حول رايات الوطن حتى يتم تحرير هجليج من ايدي الاعداء والاوباش!. ٭ إن الازمات الطاحنة التي يعاني منها الوطن لا تقف عند حد هجليج وما ادراك ما هجليج بل تتعداها الى ما هو اكثر حساسية وخطورة مثل حل كافة المشاكل العالقة بين الشمال والجنوب بعد الانفصال وهناك مشاكل النيل الازرق وجنوب كردفان ودارفور وهناك قضايا انهيار الاقتصاد السوداني بعد فقدان بترول الجنوب وانهيار المشاريع الزراعية والدمار الشامل الذي لحق بالانتاج الصناعي والانهيار الخطير للقطاع الخدمي بجانب تفاقم الفساد والبطالة وانهيار العملة الوطنية في مقابل العملات الاجنبية وغيرها من الازمات التي لا تعد ولا تحصى، وكلها فوق طاقة اهل الحكم وحزب المؤتمر الوطني!!. ٭ ولا حل لهذه القضايا الا عبر وحدة وطنية صلبة يتواضع عليها اهل الحكم مع اهل المعارضة تأتي عبر حوار جاد وصادق وملتزم بقضايا الوطن المصيرية ولا مجال فيه لعصبية حزبية او جهوية أو قبلية. ٭ وحتى يتم الوصول لهذه الوحدة الوطنية المنشودة فلابد من عزل دعاة الحرب وضاربي طبولها في الجانبين وان لا يتم السماح لهم بتعريض الوطن للمزيد من التفتيت والانقسام والتشرذم ورميه لقمة سائغة في أفواه الطامعين فيه. ٭ وفي هذا الاتجاه نرى ان يتم الاتفاق بين الجميع على النقاط التالية: ٭ الدعوة لمؤتمر دستوري تشارك فيه كل القوى السياسية السودانية بمختلف ألوان طيفها وتوجهاتها لحسم قضايا الدستور الدائم للبلاد والاتفاق على كيفية حكم السودان. ٭ الاتفاق على استراتيجية وطنية جديدة لاستئناف المفاوضات الماراثونية مع دولة الجنوب بما يضمن تحقيق المصالح العليا للسودان، ولا يلحق اضرارا بمصالح الدولة الوليدة في جنوب السودان حتى نصل الى سلام دائم بين الدولتين الجارتين يمكن كلا منهما من الانصراف لقضايا البناء والتنمية!. ٭ الاتفاق على برنامج اقتصادي مدروس (اسعافي) يهدف الى تحقيق حلول عاجلة لقضايا المعيشة اليومية للمواطن السوداني وبما يتناسب مع دخله وقدراته او امكاناته!!. ٭ وضع خطة اقتصادية قصيرة المدى تهدف الى بعث الحياة من جديد في المشروعات الزراعية المروية وزيادة الانتاج الحيواني وتطوير مشروعات الدواجن والاسماك بما يحقق الوفرة!!. ٭ إعادة تشغيل كل المصانع المتوقفة او المتعثرة خاصة مصانع الزيوت والصابون والنسيج والتريكو والملابس الجاهزة والاحذية ومطاحن الدقيق، بما يحقق الوفرة للمواطن السوداني!. ٭ وضع خطة قومية لمعالجة قضايا العطالة والتوظيف بما يحقق العدالة بين كل أبناء وبنات السودان وذلك وفقاً لمعايير الكفاءة والأمانة والنزاهة. ٭ الإعداد لمؤتمر قومي للتعليم بما يعيد التوازن المفقود بين العمليتين التربوية والتعليمية وان تتم اعادة النظر في المناهج والمقررات التعليمية وان يتحقق الربط المحكم بين التعليم العالي وسوق العمل ومشاريع التنمية حتى لا تصبح الجامعات السودانية بقالات لبيع الشهادات الجامعية!. ٭ الاتفاق على نسبة محددة من الدخل القومي يتم توجيهها لحل قضايا التعليم والبحث العلمي!. ٭ الاتفاق على خفض ميزانيات الدفاع والأمن الى أدنى نسبة مئوية ممكنة خاصة في حالة الاتفاق على علاقات مرنة مع دول الجوار!. ٭ وضع قانون ينص على عدم تقديم كافة السياسيين الذين شاركوا في الحكومة الحالية للمحاكم الجنائية الا في حالة الجرائم المرتبطة بحقوق الانسان او الجرائم المرتبطة بقضايا الفساد السياسي أو المالي!. ٭ ان يتم الاتفاق على تشكيل حكومة من التكنوقراط تقوم بتنفيذ هذا البرنامج والاعداد الانتخابات عامة بعد خمسة اعوام تتنافس فيها كل القوى السياسية!!. ٭ ولا أجافي الحقيقة اذا قلت انه من الأفضل للوطن وللشعب وللحكام ومعارضيهم ان يتم الاتفاق على برنامج (سلمي) يؤمن التبادل السلمي للسلطة دون الحاجة الى أعمال عنف أو إراقة دماء او ازهاق أرواح بريئة هنا او هناك، ويجنب البلاد شر المزيد من التدخلات الأجنبية مثل ما حدث في ليبيا وسوريا وبقية دول الربيع العربي.