تقرير: مقداد خالد [email protected] كشف تقرير عن الشأن السوداني في الميديا العربية للعام 2011م، اضطلعت به شركة (ميدياستو) للبحوث الإعلامية ومقرها دبي، عن حالة عداء كبيرة أظهرها الإعلام اللبناني حيال تناوله لقضايا السودان المتعلقة بالجوانب السياسية والنزاعات وأحوال المواطنين الاقتصادية، في وقتٍ أظهر فيه ذات التقرير الذي اعتمد على تحليل (18) ألف عينة، سيادة حالة من الود تجاه السودان في الإعلام القطري. وبإحالة التقرير لأرقام احصائية، نجده أشار إلى كتابة ايجابية واحدة عن السودان مقابل (15.6) سلبية في الإعلام اللبناني، فيما اختلف الحال في قطر إذ أنه وبين (1.27) كتابة سلبية بقطر نجد واحدة إيجابية، أما بقية الدول العربية، فنحا التقرير إلى صبغ إعلام كلٍ من الإمارات والكويت ومصر والسعودية بصفة الحياد، إذ نجد مقالاً واحداً إيجابياً بين كل (3.5) مقالات سلبية في الإمارات، مقابل (4.1) في الكويت و(4.25) بمصر و(4.6) في السعودية. ولكون حياد الإعلام أمرا طبيعيا، تمليه المهنية، وتستوجبه ضروراتها، فلن نقف كثيراً عند الدول التي صنفها التقرير بأنها قابعة في المنطقة الوسطى بين السلب والايجاب، إعمالاً لمبدأ إحصائي معروف يأخذ بأعلى وأقل العينات فيما يتجاهل المتوسطة كليةً، وهو ما يعني في حالتنا الاكتفاء بدراسة كل من الحالتين القطرية واللبنانية. عليه، فإن ودّ قطر الذي أظهره التقرير، ينسحب حتى على مواقف قيادتها السياسية، إذ يقع على عاتق الدوحة العبء الأكبر في إنجاز ملف المصالحة الدارفورية وحتى الاتفاق الأخير بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة - وأسهم في خفض معدلات العنف والتوتر في الاقليم طبقاً لتقارير أممية - تم إنجازه في الدوحة وسمي تيمناً بها، فدوحة العرب -وبطريقة لزوم الفائدة - تقف على مسافة واحدة من كل الفرقاء السودانيين، ما أسبغ عليها صفة الاحترام من قبل الجميع، وعن ذلك يقول إبراهيم مادبو وزير الإعلام بالسلطة الاقليمية لدارفور ل (الرأي العام)، إن الإعلام القطري يتمتع بمصداقية وأمانة كبيرتين، ما أكسب الدوحة ثقلاً إعلامياً لا يخفى على أحد، نافياًَ بشدة أن تكون الرؤى المطروحة في الميديا القطرية عن السودان نتاج ضغوط حكومية، وقال: الإعلام القطري يتمتع بحرية كبيرة في الطرح والتناول، ويتبدى ذلك في تحوّل الدوحة لمركز إعلامي مهم، يؤمه كم هائل ونخبوي من الكوادر الاعلامية. عامل آخر ذكره مادبو، لما وصفه التقرير بودّ الدوحة مع الخرطوم ومتعلق بإلمام الميديا القطرية بالملف السوداني وتعقيداته كافة، إذ أتت استضافة الدوحة لمفاوضات دارفور الماراثونية أكلها، فنهضت علاقة مميزة بين الإعلام القطري والقادة السودانيين، زاد من آصرتها حيادية الإعلام القطري، ولاحقاً أقدمت عدة وفود على زيارة دارفور سواء بمفردها أو بمعية القيادة السياسية في البلدين (قطر والسودان) وهي مزية تعطي صاحبها فرصة النقل عن تجارب حية، بعيداً عن التخرصات والانقياد الأعمى، كما وأسهمت جغرافيا قطر البعيدة عن السودان في نزع أي بذور أجندات غرسها ويغرسها التداخل كما في بعضٍ من حالات إعلام الجوار الذي يعمل على تجيير كتابته وصولاً لغايات محددة، أهمها اختطاف الملف لصالح دولته. وتفسير أخير يساق لود الدوحة الإعلامي، تقوم دعائمه على سيطرة الكادر الإعلامي السوداني على مفاصل العمل التحريري بكبريات المؤسسات القطرية سواء قناة (الجزيرة) أو صحف (الشرق) و(العرب) و(الراية) ما يساعد في التناول الموضوعي لقضايا السودان، بمنأى عن التزييف والتضخيم، وبما يحول دون توظيف الآلة الاعلامية لجهة تمرير الأجندات الخاصة استغلالاً لعامل الجهل بالموضوعات السودانوية. وبالتحوّل للضفة الأخرى، ورغماً عن سيادة حالة من الاحترام الرسمي في علاقات كلٍ من بيروتوالخرطوم، كشف التقرير بجلاء عن معاداة كبيرة للسودان في الإعلام اللبناني، وهو ما فسره د. عبد العظيم نور الدين أستاذ الإعلام ل (الرأي العام)، بسيطرة العلمانيين على الميديا اللبنانية، ما يضعهم مباشرة في قبالة الطروحات الاسلامية التي ترفعها حكومة الخرطوم، بجانب أن مواقف الأخيرة -الخرطوم- المناصرة للقضايا الفلسطينية تضعها على مقربة من حزب الله، ما يجعل من معادي الحزب في لبنان أعداء مفترضين للخرطوم بداهةً. أما الأمر الذي لم يشرْ له نور الدين -ربما لحساسيته- فمتعلق بالتوترات الناجمة عن تدفق السودانيين غير الشرعي صوب الأراضي اللبنانية، ومؤخراً درات رحى حرب إعلامية شرسة بين بيروتوالخرطوم في أعقاب حادثة (الأوزاعي) الشهيرة، حيث تشتكي الأولى من الوجود غير الشرعي للسودانيين، وتدمغ أفراداً منهم بالإجرام، فيما تقول إن جلهم تعوزه مهارات العمل الذي من شأنه إفادة الجميع، في غضون وقتٍ تتهم فيه عاصمة اللاءات الثلاث عاصمة الأرز، باسقاط أحكامها المعممة على كل السودانيين، فضلاً عن معاملاتهم بخشونة ترقى لدرجة العنصرية -حسب بعض الكتاب- ويستدلون في السياق بموقف تاريخي رفضت خلاله بيروت إنضمام الخرطوم لدول الجامعة العربية، وهي مواقف تكشف عن فجوة كبيرة تحتاج لردم، بحسبان أن مضي الأمور على حالها يزيد من الفتق في العلاقات الشعبية التي يصوغها الاعلام ليس أكثر. على كلٍ، فإن تقرير (ميدياستو) عن الشأن السوداني في وسائل الإعلام العربية، يعلي من شأن الدوحة في أنظار النخب والأهالي، ويزيد من احترام الدول التي اختارت الحياد، ولكنه في المقابل -لا يمنع- ترسب بعض الشوائب في العلاقات الإعلامية مع بيروت وفقاً لردات الفعول وهو ما يقتضي حواراً سياسياً وأهلياً يزيد المشتركات ويعمل على تجاوز الصغائر، خاصة وإن قراءة التقرير حتمت على الزملاء اتخاذ مواقف -وإن أضمروا الحياد- بإستلافهم بيت بديع للراحل محمد الحسن سالم (حميد) يقول: (قسمتنا نحنا أولاد عرب .. وحتى العرب قسمة ونصيب). الرأي العام الأربعاء 2 مايو 2012م