يفوتنا المجد إن طوينا صفحتها دون مطالعة متأنية واستذكار واعٍ جماع مردس * [email protected] مؤلم أن نسمّي تصاريف الأيام بالصدفة المحضة، ومحزن أن تتحول حكمة الأقدار إلى أمر غير مرتكز لإيمان أو عائد إلى التدبير المنضبط الحكيم.. وقصرُ نظرٍ أن لا نعبر بالأحداث من مجرد كونها فعلاً عادياً إلى أبعاد التوطين الخلاق في ثنايا المحاولات العميقة، ومستفاد التجارب العظيمة.. فمن كل هذه الثقوب وغيرها تسقط حكمة الحياة ، وفي هذه الفرجات والكوى تعشعش الغفلة وتبني ذاكرة النسيان مسكنها البغيض.. ولات حين ممسك بدلو التاريخ من أن يسقط في قاع الإهمال.. هكذا بدت لي الصورة وأنا أحاول أن ألمَّ بخيط يقودني إلى عالم جيرزالدا... انتصاراً لقيمة يفوتنا المجد إن طوينا صفحتها دون مطالعة متأنية واستذكار واعٍ.. وتأكلنا الخيبة إن حسبناها في العوابر الهوامل، أو السابحات رهواً في بحار التيه المفرغ.. بين محاولة الإمساك بذاك الخيط .. والنظر بزاوية غير محرجة لضوء قصير النظر طاف عليّ طائف من "موسم الهجرة إلى الشمال".. أنكرته في مسلخ التمييز حين عريته بالمقايسة الفاضحة والمعايرة الواضحة.. فرأيت ما رأيت من خطل المجانسة.. فما أبعد المسافة رمزاً أو حقيقة بين الرواية عند "طيبها الصالح" والحياة عند طيبها "عبدالله" .. وما أبين المفارقة - لو أحكمنا القياس- بين التفاصيل الدقيقة في الحكايا بين من "هن" في "الموسم" وهذى الصبية "جيرزالدا".. لم يبق من ذلك الطائف غير أن المكان كان هو المكان هنا وهناك.. بيد أن الزمان فارق ومارق.. خرجت من الفكرة – وما كان لي غير الخروج من سبيل- لا كما تخرج من حلم لواقع، ولكن شبيهاً بعبورك خط تماس بين وسن عابرٍ وصحو مشرق.. فإذا البصيرة تتشكل بين يديك كون مضيئ ديباجته "جيرزالدا".. لتعرف أنها - كما كانت قدماً - احتمال قائم للتواصل الفذ.. ويقين ثابت للجلد في ثنايا الكدح المورق والسعي المثمر.. فإذا المحصلة من كل خطواتها الأنيقة الرشيقة في الحياة كراسات من زبدة الإبداع، وشواهد ناصعات على قدرة الإنسان على الانتقال من طور إلى طور متخذاً من تجاربه "مونة" يبني بها مداميك صرح يتطاول لبلوغ الكمال بعد أنجز فروض التمام... اقترب منها أكثر وأقرأها في المجاهدة.. سعياً لعقول اصطفت في قاعة الدرس بأم الجامعات "الخرطوم" تنتظرها لتشرب من دنها "صبوح" المعرفة و"مبكر" العلم.. انظرها في البحث تنقيباً لفريدة عصية، وخريدة غيبها الظن عن الغير وانقادت لها حقيقة مشرقة في سطور.. انظرها زوجة لعالمٍ عزيز المثال، فرقد لاصف احتل كل المدارات بهاءً ولولا ضوء "جيرزالدا" الباهر ما عرفت إلا به لكنها شاطرته الحياة وقاسمته النجومية فكانت جناحاً طوافاً بالإبداع.. لن أذهب كثيراً فقط أدعوك أنت تحديداً لتأخذ عينيك من مفازات التشتت وتغوص بها وئيداً في دنياها ... وتأمل.. وتذكر.. وأن تطوف معها في بيئتها الأولى.. حيث كل شيئ آخذ شكلاً من ضباب في مخيلة الاستواء.. الشمس هنالك في أجلى المواسم خجولة تتثاءب بأشعة كالعيون الفواتر.. والشمس هنا أقسى من الصراحة في وخزها تكابد الليل في الظهور.. البرد هناك يقتات من غيظ المدافئ حين تلوك غصناً يابساً من مزهق الأشجار.. والحر هنا تهفو مسايل عرقها إلى عذب المشاتي المتبرجات.. بين "الهنا" و"الهناك.." كل شيئ إن أخذنا في الإسترسال يبيّن النقائض جلية .. والفوارق بينة.. لكنا نمسك عن ذلك فالمخايل أدرى بالذي هو واقع من فروق.. وحاصل من تباين.. إذن هي من هناك عبرت.. وها هنا استقرت.. سنديانة ريانة عانقت نخلاً باسقاً فأبلحا حباً فياضاً وأثمرا كوناً متلافاً للوجد ضنيناً بالموجدة.. جاوزا به السائد بمعطى التحدي.. وعمّقا به قيم الجد المستحيل بأدوات الممكن الخلاق.. فكانا بذلك رمزاً تهفو إليه القلوب.. وتشرئب إليه أعناق نوازع المجد والسؤدد.. أما قبل... فإن الضوء أمامي يتقاصر حتى يتطابق الظل على الظل وأنا ما أوفيتها حقها من "رأس مال الحقيقة" ناهيك عن مرابحة التغزل في المقام.. لست منسحباً حتى أعلن عرضي في سوق البهاء.. فيا أيها الذي أنت هنا .. عندي بقية من مداد مستهام بها إن أردت أن تتم هذا البناء.. لنشيده معاً بيتاً من العرفان إلى هذه الرائعة الندية الأبية الخلاقة "جيرزالدا." فسلام عليك وعليها وعليهم في حسن القبول.. فأنا أعرف أن الغيث بغية الأرض اشتهاءً للنماء.. ------------------- * عضو اتحاد الكتاب السودانيين