الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    توقف مباراة الأهلي وبالميراس بسبب الأحوال الجوية    "الأمة القومي": كامل ادريس امتداد لانقلاب 25 أكتوبر    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    "حكومة الأمل المدنية" رئيس الوزراء يحدد ملامح حكومة الأمل المدنية المرتقبة    لما سقطت طهران... صرخت بورسودان وأبواقها    الحكم بسجن مرتكبي جريمة شنق فينيسيوس    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    التغيير الكاذب… وتكديس الصفقات!    السودان والحرب    الأهلي يكسب الفجر بهدف في ديربي الأبيض    عملية اختطاف خطيرة في السودان    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يعود لإثارة الجدل: (بحب البنات يا ناس لأنهم ما بظلموا وما عندهم الغيرة والحقد بتاع الرجال)    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد بهدف لكلٍ في كأس العالم للأندية    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاربه ابستمولوجيه للشخصيه السودانيه.docمقاربه ابستمولوجيه للشخصيه السودانيه.


[email protected]
مقدمة:
في الاونة الاخيرة كان السؤال الذي أطلق عددا مهولا من التساؤلات بدأ من النخبة الى مستوى الشارع .. حتى صار جزءا من حديث الشارع المعتاد هو سؤال الطيب الصالح من أين أتى هولاء ؟
ويكمن الابهام في هذا السؤال أحتماله لأكثر من أجابة رغما من ثوب التهكم الظاهر في السؤال إلا أن الناظر لروح السؤال تنتابه الدهشة كيف لمثل هذا المجتمع أن ينتج كل هذا وكيف للمجتمع أن يتقبل كل هذا ..
فالنظام الحالي لم يأت من كوكب المريخ أتوا من رحم هذا الشعب بل من طبقاته الوسطى كل ماحصل ما بعد 89 الى يومنا هذا مرورا بتجربة انفصال الجنوب مدعاة لفتح الكثير من الاسئلة .. فالمجتمع الذى أنجب هؤلاء بكل أفعالهم القمعية والاقصائية الغريبة على واقعنا الاجتماعى جدير بالدراسة خصوصا حاله الاستكانة التامة وعدم نزوع ذات المجتمع لابداء رأيه في كل ما يجرى لدرجة أن الوطن ذاته ينقسم والشارع السوداني صامت كأن الانفصال تم في دولة أخرى .. أضافة للتغيرات السلبيه الحاصلة بسرعة الضوء على مستوى المجتمع نفسه.
فالارض السودانية بحدودها المتوارثة حاليا وما تبقى من تمظهرات لحضارات قديمة أثبت بما لايدع مجالا للشك وجود مجتمعات كانت قادرة أن تقدم نفسها للعالم بصورة جيدة وأن تساهم في الحراك الانساني عموما .. مجتمعات قبل الاف السنين أنجبت من باطنها ملكات شامخات كالملكة أمانى شخت ..الاهرامات في حد ذاتها موضوع عصي الادراك معرفيا حتى على جامعتنا الحالية.. صهر الحديد واستخراجه من هذه الارض تم قبل الاف الاعوام .. ومن المفارقات الغريبة أن النوبيين قبل الاف السنين وقبل دخول الاسلام كانوا عبارة عن شعب يستقر على ضفاف الانهار تجاوز الطور القبلي بعد كل هذه السنين، ونحن نتقهقر اليوم من الطور الشعوبي الى هذه الردة القبلية.
أكثر من ذلك ظهرت دراسات أستندت الى حفريات أثبتت أن الانسان الاول في العالم كان يقطن في هذه الرقعة الجغرافية فيما يسمى بإنسان سنجة الاول ..
إذاً لهذه الارض كل هذا التاريخ المشرف .. ماذا يحدث لنا الان لماذا وصل بنا الفشل الى هذا الحال منذ الدولة المهدية والمجتمع يتقهقر للوراء، فكل الحكومات السودانية الوطنية من الدوله المهدية ليومنا هذا نالت حظها من الفشل .
من هنا تكمن أهمية النظر بعين فاحصة للمجتمع السوداني ذاته ويبقى الجدير بالدراسة والتأمل ما وراء الظاهرة لا الظاهرة نفسها، لذا بدا موضوع دراسة الشخصية السودانية عقب كل هذه الحقب أمرا في غاية الاهمية بمكان.. هذه الشخصية التي تحتضن كل ذلك التناقض المحير والتي يخرج من رحمها كل تلك الافاعي وأيضا كل هؤلاء الطيبين الذين نحبهم .. الشخصية التي في مرحلة من مراحل تخلقها كانت تسمح لأنثى بأن تصبح ملكة متوجة تتحكم في ممالك بأثرها ، هي ذات الشخصية التي تعاني ما تعاني فيها الاناث حاليا من قمع اجتماعي . الشخصية التي مهدت الطريق بسبب سلوك التنشئة الخاطئة للفرد وتقديس الكبير لكل هذه السنوات المظلمة من العهود الديكتاتورية. الشخصية التي أسرفت بصورة مذهلة في عدم تقبل الآخر مما قاد لتمزق الوطن ذاته وأصبح اللاطبيعي أن ترى مجموعة من السودانين متفقة على رأي واحد كما هو الحال في مؤسساتننا الحزبية المعارضة والحاكمة التي أشتعلت فيها عدوى انقسام الاحزاب حتى صار البلد الواحد في العالم الذى يوجد به ما يتعدى المائة الحزب هو السودان .
تعريف الشخصية:
الشخصية لغة : في اللغة الانجليزية والفرنسية كلمة الشخصية (personality) مشتقة من الاصل اللاتيني persona وتعني هذه الكلمة القناع الذي كان يلبسه الممثل في العصور القديمة حين كان يقوم بتمثيل دور معين وقد أصبحت الكلمة، على هذا الأساس، تدل على المظهر الذي يظهر فيه الشخص.
الشخصيه إصطلاحا : تشير إلى مجموع العناصر المشتركة بين أفراد المجتمع من مواقف واستجابات تتجلى في مختلف أنماط السلوك والإحساس أو التفكير .. أو بمعنى مختلف الشخصية هي النقطة التي تتقاطع عندها ثقافة ما شائعة مع مجتمع محدد ولا يخفي بالتأكيد أن الثقافة ذاتها منتوج فعل متوارث وحركه دؤوبة للمجتمع مما يعني أن للشخصية ذاتها بعدها المتراكم.
الملامح والمظاهر السلوكية للشخصية السودانية:
الشخصية السودانية بشكلها الراهن هي نتاج تلاقح الحضارة العربية الاسلامية بالحضارة الافريقية والحضارة النوبية.. مما أكسبها مميزات ومقومات وخصائص متباينة فتمظهرت في شكل ملامح عامة للشخصية السودانية.
الملمح الاول : ثقافه تقديس الكبير
أتفقت كل الاعراق السودانية في وجود شخصية أساسية مسيطرة على كل النواحي المتعلقة بتلك الاثنية فمثلا نجد ناظر الهدندوة في قبائل البجا والرث عند الشلك والدقلل والكنتيباى وشيخ البلد .........الخ . بالتأكيد وجود القبائل كطور من أطوار المجتمع ساعد على تنامي هذه الثقافة ..
لكن حتى في المناطق الوسطى والنيلية التي أنتقل فيها المجتمع من الطور القبلي ظهرت فيها ثقافة الخلاوي والشيوخ والحيران كمؤسسات أيضا تكرس لذات الفهم الأحادي بحيث تتفق كل المؤسسات الصوفية في وجود كبير (شيخ) يمارس سلطات اجتماعية شبه مطلقة، ويبدو ذلك واضحا في منطقة كمنطقة الجزيرة التي ذابت فيها القبائل بفعل التنمية الملازمة لمشروع الجزيرة والتطور الذى صاحبها على صعيد إنسان المنطقة بفعل التعليم وانتشرت فيها الخلاوي كمؤسسات اجتماعية.
حتى على مستوى الوحدات الصغيرة في المجتمع أي على مستوى الأسر تظهر سطوة الكبير، فمفردات الكبير وكبير البيت وكبير الاسرة شائعة لدرجة قد يمتلك فيها الكبير حق الصاح المطلق بتراضي تام وتصالح داخل الاسرة.
تنامي هذه الثقافة وشيوعها في الشخصية السودانية فتح الباب على مصراعيه لتقبل فكره الديكتاتورية وهدم الثقافة الديمقراطية فكل سودانى يولد وبداخله ديكتاتور صغير أو استعداد مطلق لتقبل فكرة الديكتاتورية. حتى الامثال الدارجة في ثقافتنا تصالحت مع هذه الفكرة "..الماعندو كبير يعمل ليهو كبير.." ومجموعه من الامثال التي تكرس للتصالح مع فكره الانقياد والقطيع .
الملمح الثاني : النزعات الرعوية في الشخصية السودانية
مما لا جدال فيه أن أي مهنة لها ثقافة مصاحبة لها وأن المجتمعات ككل تصنف وفقا لعموم المهنة السائدة، فنجد المجتمع الصناعي في قمة الترتيب يليه المجتمع الزراعي ثم المجتمع الرعوي، ونلاحظ أن لكل مجتمع ثقافته التي تشكل وعيه الفيزيقي والميتافيزيقى .
فالمجتمع الصناعي مجتمع يعتمد على الصناعة وظهر ذلك المجتمع في القرن التاسع عشر نتيجه للثورة الصناعية وإحلال العمل اليدوي بالمكننة، ويتميز المجتمع الصناعي بالالتزام الصارم بالوقت والتخطيط والاستقرار والعمل.
أما المجتمع الزراعي الذي يعتمد على الزراعة، ففي فترة ما قبل الثورة الصناعية كانت المجتمعات الزراعية تسيطر على العالم وهو في الاصل تطور من نظم اجتماعية صغيره تقوم على الرعي والصيد وتربية الحيوانات.
والمجتمع الرعوى مجتمع يعتمد على الرعي بصورة أساسية ونلاحظ أنه في نهاية سلم تطور المجتمعات البشرية، والرعي في حد ذاته قد يكون أقدم مهنة عرفها الانسان، ويمتاز المجتمع الرعوي بالترحال وعدم الاستقرار والصراع على الماء والكلأ وقله الوعي أو عدم الاكتراث للمعرفة واكتسابها بفعل عدم الاستقرار واستسهال قيمة الحياة، فالحرب قد تنشب فيه لأساب أكثر من تافهة وتسود فيه ردة الفعل الانفعالية دون النظر لعواقب الامور كحادثة المك نمر الشهيرة.
وما لا يخفي على فطنة القاريء أن أغلب أن لم تكن جميع القبائل السودانية بمن فيهم الجنوبيين والانقسنا والقبائل المستوطنة في تخوم البطانة وكردفان والبقارة كل هولاء رعويون حتى مناطق الشريط النيلي المتاخم لنهر النيل نلاحظ النزعة الرعوية رغم الاستقرار بقرب النيل والعمل بمهنة الزراعة، فحتى المزارع في تلك المناطق يكون غالب زرعها أعلاف حيوانات من برسيم وقصب وخلافه، فنجد المزارع يهتم بحرفة الرعي بطريقة غير مباشرة. ولزمن قريب في تلك المناطق المتاخمة للنيل تشاهد في الشوراع أزيار السبيل (المزيرة) وبجانبها حوض أسمنتي في الأسفل يستعمل لسقاية الماشية والبعير. حتى طريقه المساكن توضح النزعات الدفينة في الشخصية السودانية تجاه الرعى من شاكلة الاهتمام المتعاظم بالفناء (الحوش) وعدم الاهتمام بالنواحي الجمالية الى تعليق قرون الثور في مقدمه باب المنزل. وحتى المطبخ السوداني يميل للطابع الرعوي فنجد معظم الاكلات السودانية المشهوره لها علاقة بالثقافة الرعوية فالويكة على سبيل المثال قائمة في الاساس على تجفيف البامية واستعمالها لفترات طويله بعيدا عن مناطق زراعتها، وتجفيف اللحوم فيما يعرف بالشرموط ايضا كلها سمات خاصه بالترحال والهجرة والزوادة.
وفي الامثال الدارجة نجد احتفاء مبالغ فيه بالنزعات الرعوية وكما هائلا من الامثال التي تؤطر للمرجعية الرعوية داخل الشخصيه السودانية (كراع البقره جيابا) (أرع بقيدك) (ركاب سرجين وقاع) (الجمل ما بشوف عوجة رقبتو) (التسوي كريت في القرض تلقا في جلدا) (الكلب ينبح والجمل ماشي) (سيد الرايحة بفتش خشم البقرة) .... الخ
كما أن ثقافة الهمباتة والمنتوج الادبي والثقافة المصاحبة لها نلحظ فيها النزعات الرعوية الظاهرة.
وقد يكون جزءا من عدم الاستقرار والنمو والاحتفاظ بالطور القبلي والصراعات القبلية وفشل الممارسة الديمقراطية مرده لأسباب متعلقة بنزعات الرعي في الشخصية السودانية. وعدم تطور المجتمع لمجتمع زراعي بفعل غياب مشاريع التنمية، فالمشروع الزراعي العملاق في السودان مشروع الجزيرة أفرز تجربة كانت جديرة بالدراسة والاستفادة منها فهي على الاقل تكاد تكون المنطقة الوحيدة في السودان التي انصهرت فيها القبائل المختلفه في بوتقة واحدة بحيث صار يطلق على أبناء تلك المنطقة (ناس الجزيرة)، انتساب تام للمكان لا انتساب لقبيلة أو عشيرة.
الملمح الثالث: ذاكرة الوعي الاسطوري
يزخر الادب الشعبي السوداني بموضوعاته المختلفة من شعر شعبي وقصص وأحاجي بالعديد من الاساطير، ففي الاحاجي السودانية نجد قصة فاطنة السمحة والغول وود أم بعلو وأم كروتو وأبو النيران الخ .. جميعها شخصيات اسطورية من صنع الشخصية السودانية، وهى تعكس البعد الماورائي في تلك الشخصية. وامتداد لتلك الذاكرة الاسطورية ظهرت ثقافه الدجل والكجور والاسبار والزار والشيخ والفكي في الثقافة السودانية كتمظهر جاد لنمط تلك الذاكرة بصوره كثيفة في معظم الاثنيات السودانية.
والجدير بالنقاش هنا ملاحظة أنه رغم الايمان القاطع بالله لدى تلك المجموعات المتفشية فيها تلك الظواهر إلا أنهم يؤمنون بفكره الكجور أو الفكي كوسيط روحي بين الناس المعتقدين فيه والقوى الالهية المعتقد فيها أو الواسطة بين الجن والانس والقوه الالهية. وشبيه بذلك أيضا الاعتقاد في رجالات وشيوخ طرق الصوفية، في الاعتقاد في صدق وساطتهم بين الاتباع والمريدين والله.
ولعل شيوع ثقافة الواسطة بشكل غير مباشر في الشخصية السودانية في العلاقة بين مجموعة المعتقدين في المعتقد به؛ فتح الباب على مصراعيه لتقبل الخطاب الديني في الشأن السياسي بتلك الصورة الممجوجة وظهور أنماط التدين الشكلي لتحقيق مآرب دنيوية غرار ما تم في سنوات الحرب آبان التسعينات ايام رواج مفاهييم عرس الشهيد أو بالاحرى ساهم في تشكيل جملة من القناعات الذهنية السطحية عن الدين نفسه .
على كل ما ذكر نلاحظ ان النزوع الاسطوري في الشخصية السودانية بأعتبار طريقته اللاعقلانية شكّل في أحيان كثيرة تهديدا للمجتمع ذاته، فنجد حتى المثقفين والنخبة قد يتوجهون بالعشرات لشيخ يزعم مثلا أنه يعالج الامراض المستعصية بالكي بالنار (شيخ الكريمت) ويصبح الموضوع شغل شاغل لكل أطراف المجتمع ومسار حديث الألسن وما ان يخبو بريق ذاك الشيخ حتى يظهر أخر جديد يبدأ الناس من جديد بالحج إليه، في مفارقة ظاهره توضح ابتذال المعرفة والعلوم الانسانية حتى في داخل النخب والمثقفين السودانيين ناهيك عن عامة الجماهير.
الملمح الرابع : الملمح الذكوري للشخصية السودانية
بون شاسع بين زمن الملكة أماني شخت وواقع اليوم للمرأة السودانية . فالمرأة اليوم تقاتل لانتزاع أبسط حقوقها في المجتمع بدلا من أن تكون شريك فعال في بناء الواقع فالمرأة تعاني من العادات والتقاليد والقمع لدرجة أن عاده ضارة كالختان حتى يومنا هذا هي مثار نقاش واختلاف . فالشخصية السودانية تحتفي بالذكر على حساب الانثى بصورة واضحة، فحتى على مستوى اللغة نلاحظ انحياز اللغة الدراجة في كثير من الاحيان لمصلحة الذكر مثلا عند المرور ببيت بكاء يكون السؤال المتبادر للطرح لمعرفة الشخص المتوفى هو (الميت منو) مع ملاحظة أنه من الممكن ان يكون أنثى. عدة أمثلة في اللغة تدلل هذا الانحياز. وعلى صعيد الامثلة الدراجة حدث ولاحرج من (المره لو بقت فاس ما بتشق راس) ... الخ من الامثال . هذا الواقع حرم المجتمع من مساهمة المرأة السودانية في أحداث التنمية لو عرفنا أن تعداد الاناث في المجتمع يقارب تعداد الذكور. مجتمع يحدد نهاية المرأة بالزواج ويجعل منه شغلها الشاغل دون أن يهتم بأي دور لها آخر في المجتمع فإذا نظرنا للدورالذى لعبته المرأة في أرتريا أيام الثورة الارترية وخوضها للمعارك في خندق واحد بجانب الرجل نكتشف كيف أمكن لأرتريا التي تعدادها بالكاد يتجاوز الاربعة مليون، كيف لها أن تنتصر ضد دولة يفوق تعدادها السبعين مليون نسمة.
على الرغم من هذا نجد أن واقع تعامل مجموعات المجتمع المختلفة يتفاوت في التعامل مع المرأة. فيظهر هذا التمييز في الاثنيات ذات الاصول العربية بصورة واضحة. لأن الثقافة العربية بمجملها تعاني من هذه المسألة بصورة واضحة.
الملمح الخامس : النزعات الاشتراكيه فى الشخصيه السودانيه :-
لا يمكن أن تغفل عين أى متتبع بعين الفحص للشخصيه السودانيه مجموع العادات والتقاليد المتعلقه بالافراح والاتراح التى تتم ممارستها بصوره تكافليه بحيث تتضافر طاقه المجموعه ككل من أجل مساعده فرد ما .
قد تختلف تفاصيل الزواج عند السودانيين من منطقه لمنطقه أخرى أو من قبيله لقبيله أخرى لكنها تتفق جميعا فى العمل الجماعى لمساعده العريس من خلال تقديم المساعده له فنجد ثقافه ( الكشف ) ذائعه الصيت عند مختلف الاعراق حتى فى المدن الكبيره يطلق عليها ( ألتأهيل ) حيث يقوم كل فرد من معارف العريس بالمساهمه بمبلغ ضئيل من المال وحين تجميع كل تلك المساهمات نجدها قد أضحت مبلغا مناسبا لأتمام تكاليف الزواج ونلاحظ هنا أن هذه المساهمات تمتد لتشمل حتى الاحزان فعند الوفاه أيضا يتم تجميع ( الكشف ) .
ونلاحظ أن السودانيين لولا ثقافه التشارك والتكافل لما أستطاعوا تجاوز المطبات الاقتصاديه الصعبه التى تمخضت عن الوضع السياسى المأزوم وفترات الحروب الطويله . فحتى على مستوى الاسره ساهم الترابط الاسرى الممتاز من خلال التضحيات التى يقدمها الاباء والابناء الكبار فى أعاله العاطلين من أعضاء الاسره لحين توفر مصادر لرزقهم فهذه التضحيات كان لها دورها فى الحفاظ على الاسره من التمزق . وهذا ما لايحدث فى دول كثيره غير السودان لدرجه ان الاوربيين عند دراستهم للوضع الاقتصادى المعقد للسودان يتسائلون كيف هذا الشعب قادرا على الحياه فى ظل تلك الاوضاع المترديه فهم يتعاطون مع الارقام المجرده لمستويات الدخل والصرف ويغفلون عن ثقافه المشاركه داخل الاسره السودانيه
وعلى مختلف تنوع القبائل والاعراق السودانيه نجد أن الاعراف ذات الصبغه التكافليه متوافره لحد قد تكون مستنسخه من بعضها قد تختلف فى المسميات لكنها تتفق فى مضمون تشارك الكل فى عمل بروح الجماعه لصالح فرد يبقى هو الاخر مدينا بهذا العمل لرده حين يتطلب منه الامر .
وهنا يجدر بنا الحديث عن النفير كتمظهر جاد لنزعه التشارك فى الشخصيه السودانيه وماقبل الحديث عنه نلحظ أن ثقافه النفيرسمه قوميه توحدت علي ممارستها مختلف مجموع الاعراق فى هذا الوطن حتى داخل المدن الكبيره التى تندثر فيها عادات البداوه بصوره كبيره .
النفير : ترجع كلمه نفير فى أصولها اللغويه لكلمه نفر والنفر فى اللغه العاميه السودانيه يعنى شخص واحد بغير ما يعنى معنى الكلمه فى اللغه الفصحى فهى تعنى مجموعه من الاشخاص . والنفير نظام أجتماعى درج أليه اهل السودان منذ القدم يمكننا تعريفه بأنه مجموعه من الناس ينجزون عملا لمصلحه شخص ما .. أو يمكن أن نطلق على كل عملا أجتمعت عليه الناس بلا مقابل نفيرا ونجد أنتشار النفير فى مناطق الزراعه حيث يذهب الفلاحيين صباحا باكرا من القريه نحو ( بلاد ) او حقل أحدهم لمشاركته فلاحه أو نظافه الارض من الحشائش ودائما يحدد صاحب ( الفزعه ) زمان ومكان النفير وفى أغلب الاحيان يصبح النفير دينا مستردا لأغلب المشاركين فيه ألا من تقدم بعذر مقبول للجميع .
والنفير لايقتصر فقط على الزراعه بل يمتد ليشمل بناء المنازل والجدران فحين يتحطم منزل أو حائط فرد ما حتى على مستوى المدن بفعل الامطار او السيول سرعان ما يتدافع الناس عليه لبناء ما تهدم من مسكنه ونلحظ بأن النفير هنا لايحتاج الى نداء من الشخص الذى يحتاج اليه بل يهرع الناس من تلقاء أنفسهم لمساعدته . وأيضا نجد النفير منتشرا على نطاق واسع فى بناء المساجد والمداراس والحصاد ونفير الكوارث مثل بناء حائط
ترابى لصد السيول والفيضانات .
مما سبق يجدر بنا القول أن النفير تقليد يقوم على روح التشارك والتكافل وهو نزعه أصيله فى الشخصيه السودانيه عبر عنها بالعديد من الامثله :
اليد الواحده ما بتصفق ... أيد على أيد تجدع بعيد ..
كذلك يمكننا أن نلمح العديد من تمظهرات التشارك والتكافل فى مناطق جبال النوبه المنطقه الغنيه بعادات وتقاليد ضاربه فى القدم التى لطالما شكلت مرجعا لدراسه تاريخ السودان لما قبل ومابعد تمازج الشخصيه السودانيه بشكلها الراهن .
ففى تلك المناطق نجد العديد من ألاسبار التى تتم ممارستها بصوره جماعيه تغلب عليها صبغه التشارك والاسبار هى مجموعه من الاعمال والطقوس يقوم بها جماعه الكجره والكجور ذاته هو نوع من الممارسات الروحيه التى يمارسها الانسان البدائى فى أفريقيا وتشتهر به بعض القبائل السودانيه ذات الاصول الافريقانيه . فالكجور هو شخص تحل فيه روح الجد وتدخله فى غيبه تامه فيصبح هو الوسيط بين الناس وتلك الروح فيصبح أعتقاد تلك القبائل فى الكجور أعتقاد روحى مشابه لحد ما اعتقاد عدد كبير فى مشايخ الطرق الصوفيه من جهه أن كليهما يؤمن بأن الكجور او شيخ الطريقه يمتلكان قوه خارقه ومسخره لفعل الخير .
ما يهمنا هنا تلك الاسبار التى تظهر فيها روح التشارك فنجد منها :
سبر العيش الذى ينفذ بعد نضوج المحصول وبدأ الحصاد
سبر اللوبا أو اللوبيا وهو حدث مشهور يعرفه كل الناس فى مناطق جبال النوبه
سبر الصيد ويقام فى فصل الصيف بعد الانتهاء من أعمال الحصاد وتخزين المزروعات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.