[email protected] إلى متى تستمر حالة الغباش واللاوعي التي يرفل في جحيمها الشارع السوداني، وقد وهن الوطن واشتعل السوق لهبًا، وغدا حال المواطن وهو يغدو خماصًا ويروح خماصًا كحال من ضيع في الأوهام عمره "ضهبان حاله يغني عن سؤاله"، والعصبة المنقذة قد استمرأت تلك الغيبوبة وطفقت بلا حياء تعيد إنتاج أزماتها، وحلقات فشلها الواحدة تلو الأخرى، وتلقي بتبعاتها المدمرة على كاهل "محمد أحمد" الذي رق وانحنى ظهره من ثقلها، وهي سادرة في غيها تتلو كل صبح ما تيسر من صحائف الأكاذيب المكررة مطمئنة بأن لن يضير الشاة سلخها بعد ذبحها، فقد هانت الجماهير والنخب، وتخن جلد القوى المعارضة وسهل الهوان عليها. توهطت العصبة المنقذة، وتحكرت، وأخرجت لسانها مستهزئة بالجميع، ومدت رجلي تجاربها الفاشلة، وحشرت الوطن بكلياته لعقود في معمل مشروعها الخرب لنصبح "فئران تجارب" بائسة، خاضعة لمبضع شيوخ الغفلة يغوص عميقا في أحشاء الوطن، ويدمر هيكله ويشوه صورته كيفما اتفق إكراما لأمانيهم وأحلامهم بدوام الحال من سلطة، وجاه، وثروة دون عرق مسكوب، ولا جهد مبذول، ودون فهمٍ مأمول في استيعاب شروط اللعبة السياسية، واشتراطات "فن الممكن" فاتضح بعد طول خداع أن أقصى فهم لشيوخ الغفلة في شأن إدارة شؤون البلاد والعباد لا يتعدى بأي حال فهم الفكي "خميس أبو مريمة" الذي يعالج البواسير بالحجامة والتهاب الزائدة الدودية بالكي. لذا فلا عجب أن عام "الجنيه السوداني" أو غرق فالأمر سيان، فقد تراكمت الإخفاقات، وطمرت الأكاذيب والخيبات الوعي والوجدان الجمعي ووصلنا لمرحلة تساوي الأشياء "يعني ما فارقه" أيه يعني لو صرح وزير المالية في بداية العام (بأن السودان لم يتأثر بالأزمة المالية العالمية، ولن يتأثر بخروج مورد النفط من الميزانية الذي ذهب بذهاب الجنوب) وأن وزارته قد وضعت معالجات وتدابير "ما تخريش الميه" لإنعاش الاقتصاد الوطني، وحماية الجنيه السوداني من الانهيار وزاد من الشعر بيتًا، وأكد أن ذهاب الجنوب بثرواته، وأهله سينعكس إيجابًا على مسيرة الاقتصاد وتعود له عافيته، ثم يعود بعد ذلك بقليل ويدعونا على طريقة ماري أنطوانيت لتناول الكسرة بدلا عن الخبز و"يضرب الروراي" مرجعا أسباب عجز الموازنة الذي انكشف حالها بعد إجازتها بشهر لنفس الأسباب التي نفاها بالأمس -الأزمة المالية العالمية وانقطاع مورد النفط المفترى عليه-!!. وليته اتعظ بعد ذاك وصمت لكنه لم يرعو وعاد بالأمس القريب يطل علينا من جديد مبشرا بمعالجات اقتصادية، وتدابير فهلوية جديدة محجما عن ذكر تفاصيلها "فهي أسرار دولة" وكالعادة كانت الطلة البهية من على منبر التلفزيون القومي، وفي ضيافة الكائن الخرافي الذي أدمن المبيت في دفء أحضان النظم الدكتاتورية صاحب برنامج "في الواجهة" والشهادة لله فقد اجتهد الكائن الخرافي أيما اجتهاد، وهو يرغي ويزبد ملوحا بكلتا يديه كمن يسبح عكس التيار ويخرج وابل زخات من اللعاب من بين شدقيه وهو يهيئ الفرص لضيفه ويعينه على إضفاء المصداقية على منطقه الاقتصادي المشروخ ووعوده الجميلة ومستحيلة بينما جموع الشعب مندهشة تتعجب من قوة عين الضيف والمضيف. قال الفيلسوف برتولد بريخت (تبدأ المأساة حين ينظر الناس إلى الأمر غير العادي, كأنه من الأمور العادية, فتصبح القاعدة هي الاستثناء والاستثناء هو القاعدة، وتضطرب القيم وتفسد المعايير!!). تيسير حسن إدريس 22/05/2012م