د. مجدي الجزولي [email protected] كفى بك داءً ساء السلطات الأمنية احتجاج الطيب مصطفى على خطة الحكومة رفع الدعم عن الوقود فصادرت عدد الإثنين من جريدته الانتباهة. حذر خال الرئيس الحكومة من "اللعب بالنار" فالشعب، كما قال، قد يتحول صبره إلى براكين من الغضب وهدوئه إلى نار ذات ضرام تحرق الأخضر واليابس. الحكومة، عند صاحب الزفرات، فاسدة، بلغ فسادها المؤسسات الدينية، يقصد الأوقاف، وغافلة، عصفت العدل والمساواة بدفاعاتها حتي ولجت أم درمان، ومترهلة بما يفوق خزينتها الخاوية، وفوق ذلك خائبة منكسرة تتوالى هزائمها التفاوضية في أديس أبابا. ما صبر الشعب على "الواقع المأزوم" حبا في الحكومة وإنما خوفا من "البديل المجهول" في حكم الطيب مصطفى، وهي مقارنة تماثل إلحاح الحزب الشيوعي في التسعينات على ضرورة أخذ سؤال الجماهير العفوي عن "البديل" مأخذ الجد، سؤال صاغته اللجنة المركزية في رسالة 1999 إلى هيئة قيادة التجمع الوطني الديموقراطي في عبارة :"هل تنتفض (الجماهير) لتعود الأزمة مرة أخرى". في هذا الصدد أردفت الرسالة المذكورة: "من الواضح أن هذا السؤال لم يكن بحثا عن إجابة غير معروفة أو تائهة، بل كان يحمل في طياته إجابة شافية تعبر عن رغبة جماهير الشعب السوداني في التخلص ليس فقط من ديكتاتورية الجبهة الإسلامية وإنما أيضا من خناق الأزمة الممتدة منذ فجر الاستقلال في بلادنا". عجز التجمع الوطني عن فك طلاسم الأزمة الثورية حتى تفجرت بالتمرد المسلح في دارفور، ثم تغيرت إحداثياتها باتفاقية السلام الشامل وانفصال جنوب السودان، بينما انحل التجمع ذاته بالموت السريري، وتجددت أعراضها باستئناف القتال في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. ولا استغراب، فمن دخل حلف التجمع يبحث عن استعادة السلطة خرج منه يريد ذات الغرض بالعهد الخجول في حال الأمة أو الائتلاف المجاهر في حال الاتحادي الديموقراطي، وأخذ المؤتمر الشعبي لزعيم الجبهة الإسلامية المخلوع، حسن الترابي، محلهما في رباط الإجماع الوطني. اليوم، يقدم منبر السلام العادل نفسه كبديل الساعة لحكومة المؤتمر الوطني وجوقة النادي السياسي، يريد بالتعبئة الفاشية، نعم للحرب ولا للسلام، اهتبال الأزمة الثورية. وقد استعد لذلك بطرح الانقسام الطبقي الذي أهمله سواه على طاولة السياسة، ينافس المؤتمر الوطني على القواعد الشعبية الآملة في انصاف الشريعة الإسلامية، يرجز بضجر الجماهير من الفساد المالي، وينطق بصوتها المحتج على تردي المعاش. الدرس هنا تشخيص والتر بنجامين السديد أن كل صعود لليمين الفاشي ما هو سوى عرض لثورة مجهضة عجز اليسار عن قيادة قواها. عليه، لا مناص من مواجهة السؤال الذي طرحه الحزب الشيوعي عام 1999، ويطرحه اليوم منبر السلام العادل، بالموضوعية اللازمة، دون اعتبار للمواتاة السياسية التي وسمت التجمع الوطني ثم قادت إلى تشظيه، وبالثقة الواجبة في حس الجماهير التي عفت كساد النادي السياسي ومساوماته.