[email protected] * من الصعب جدا علي المرء ان يرثي اخا وصديقا وصلة رحم في مقام الفنان الرائع محمد كرم الله كردي الذي رحل عن دنيانا يوم الخميس الذي مضي بعد معاناة مع المرض قابلها بروح الفنان التربال الاصيل بابتسام ورضاء يثير الاعجاب وحتي آخر تلفون لي معه بالقاهرة مستشفيا كان يضحك وكانه امامي ويقول ( اخذنا العلاجات وبلا الله ما بتقع ورقه)وعرفنا انه طلب من الطبيب ان يخبره الحقيقة بثبات ادهش الطبيب نفسه .نعم هذا هو محمد الذي نعرفه وعشناه علي مدي اربعة عقود متصلة ..بسيطا ...قويا ..مبتسما سمحا مبني ومعني منسجما سلوكا وكلاما ..صادق مع نفسه والآخرين تماما كما وصفه احد رؤسائه في العمل بدولة قطر الذي ما ان يجد سودانيا في موقف يحتاج لمساعدة الا ويبادره هل تعرف محمد كرم الله فتقول نعم فيرد عليك في التو والحين ( اشهد انه رجال يعني راجل ) *ولد محمد كرم بجزيرة (بروس) بالولاية الشمالية وهي جزيرة تشبه جزيرة توتي تماما في توسطها نهرالنيل بين تنقسي شرقا وابو قسي غربا وجنوبها الغابة وكان ذلك في 1951 * درس معنا بمدرسة تنقسي الاولية وكان ياتي عبر معدية والده وكان وصحبه عندما تصبح الرياح (نو)كما يقول الرواويس ياتي الي المدرسة عائما في ذلك العمر الباكر *اكمل الابتدائية والاعدادية بمدرسة تنقسي المصرية *درس الثانوية الانجيلية المصرية بالخرطوم *عمل بعد التخرج من الثانوي موظفا بالنقل النهري كريمة بالشمالية *عاد منقولا للخرطوم لرئاسة النقل النهري وكان قد بدا في اللمعان كفنان جاعلا من سيرة شقيقه الفنان اسحق كرم الله خط سير له وان اختلف في الصوت والالحان حيث بدا يشق طريقه بوضوح خاصة بعد ان سكن مع شقيقه بمنزل الشاعر المعروف نور الهدي كنه وهو صهر اسحاق في نفس الوقت *عام 1978 هاجر الي قطر للعمل بالشرطة القطرية الي ان استقال عام 1991 وقفل راجعا للوطن والذي لم يفارقه الا في فترات متفاوته كان يذهب للسعودية ثم يعود وليس كما جاء بقناة النيل انه اغترب اربعين بالسعودية *كان محمد كرم الله انسانا يحمل الكل ويصل الرحم ويعين الضعيف ويغيث الملهوف ويعين علي نوائب الدهر لم تغيره الغربة او المال هو محمد التربال محمد الفنان الذي لا يخلف الوعد اذا وعد ولا يزوغ من المواعيد واذكر في 1969 ونحن بالثانوية طلبوا ان احضره لرحلة مدرسية للعيلفون فذهبت وحضر معي الي الداخلية ونام معنا وسط دهشة الجميع بين مصدق ومكذب وغني لهم في الرحلة كل الذي طلبوه ..... *كان رحمه الله متواضعا تواضع العشب علي الارض لا يتهرب من انسان ولا يتحاشي الناس ففي عام 1976كنت قادما لمكتبي بعمارة ابو العلا الجديدة ولمحته والصديق وابن الدفعة الشاعر السر عثمان الطيب واتجهت نحوهما فاذا بهما يصيحان يا محمجد ويا سيف الدين وانا لاابدي اي انتباه حتي احتضنتهما فقالا لبعض من هومحمد ومن هو سيف الدين فقلت كلاكما صاح فمحمد اسم الحكومة وسيف الدين اسم البيت فضحكا حتي اشرقا بالدمع وحكايتي مع الاسماء طويلة ومضحكة !!!!!!!! *كان محمد رحمه الله قلبا صافيا كابتسامته وكالحليب الذي يشربه في الحفلات .. وكان منادما لصحبه وخلته ولا اعرف احدا في هذا الكون شكي منه مطلقا ...كان درة في المجالس بحسن فكاهته فهو لا يعرف النكات ولكن طرائفه كثيرة ومتنوعةمنها انه مرة اخذااذنا من العمل بقطر لياخذ زوجته للمستشفي فما كان من صديقه وصديقنا ازهري الا ان عقبهم بالبيت واخذ حلة الملاح( وكانت مفروكة) وعندما عاد محمد وزجته طلب ان تستعجل في عمل القراصة حتي يرتاح استعداد لصلاة العصر وفي تلك اللحظة اولاده عادوا من المدرسة وفجاة صرخت زوجته يا محمد (انسرقنا حلة الملاح مافي ) فما كان منه الا ان ضحك وبحسه الوجداني الاخواني فقال لهم اركبوا عرفت الزول وذهبوا لمنزل ازهري وداهموه علي الغداء فضحك الجميع واكملوا وجبتهم سويا في مرح وسرور واخذوا قيلولتهم كاملة مع ازهري ومحمد يقول له (عشان تتوب تاني ماتسويها).... مرة دخل علينا ونحن نعلم مقدمه وقلنا للابن الصغير يومذاك سوار الدهب مذيع الحزيرة الرياضية الآن (حاكي لنا ابوصدر ونعني محمد كرم الله في لعب الكوتشينة ودخل ووجد سوار يحاكيه فضحك ضحكا شديدا حتي ادمعت عيناه وقال له (انت برضك زي ابوك مسرحي ) *جاورت محمد كرم الله بالدوحة كما جاورته بالخرطوم هو محمد الفنان التربال الاصيل بيته بيت لكل السودانيين واعانني كثيرا في بيتي حيث كان يجيد الاعمال النجارة والسباكة وكان يملك كل معداتها وكان علي طريقة الراحل المقيم السفير جعفر ابوحاج في بابه بالمعروف في جريدة الصحافة يكتب عن مثل هذه الاعمال لماذا ندفع فيها فلوس ولدينا الزمن والمقدره لعملها *في الدوحة في آخر خمس سنوات اعتزل الغناء واتجه لحفظ القرآن وتجويده وقدقطع فيه اشواطا بعيدة وياله من صوت كناري في ترتيل القران وكثيرا ما كان يغني لنا ولكن دون ان نسجل ذلك في شرائط وذلك حسب طلبه !!!!!! *في مرضه الاخير هبت الدوحة وعلي راسها رابطة ابناء تنقسي وحمور وبروس في مسالة علاجه بالقاهرة وقدتكللت خطواتنا بالنجاح في وقت وجيز حتي سافر مستشفيا ولكن كان المرض في مراحله الاخيرة وظللنا نتابعه عبر الهاتف حتي وفاته *في سراق العزاء بمركز اصدقاء البيئة توافد ابناء السودان من كل حدب وصوب من الجنينة غربا الي قرورة شرقاومن حلفا الي اقصي الجنوب الجديداضافة للمجموعة السودانية للتراث والبيئة ومجموعة منتدي الحروف ودكة الثقافات السودانية كلهم جاءوا للعزاء في هذا الهرم الذي عاشوه واقعا معاشا في الدوحة انسانا اصيلا من مهده الي لحده ماتغير ولا تبدل الا رحم الله الاخ والصديق والجار وصلة الرحم الفنان الرائع محمد كرم الله وجعل البركة في عقبه ابنائه الاربعة وبنته الوحيدة انا لله وانا اليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم