[email protected] الغريب أنّه في كل مرّة لا يتعلّم فيها حكّام السودان العسكريون الدرس.. ولا أدري لماذا يظل بإستمرار هذا الدرس صعباً عصيّاً على فهمهم وإدراكهم، ودائماً ما يخدعهم المظهر المسالم الطيّع الصبور الوديع المستسلم للشعب السودني، فيغرّهم صبر الحليم واذا بهم يتمادون في غيّهم ويسدرون في غفلتهم حتى تبهتهم وتصعقهم المفاجأة وتحلّ بهم الكارثة.. والآن وقد فاض البركان الجبّار وأخذ يقذف حِمَمه ونيرانه وأوشك أن ينفجر انفجاره الكبير فإنّ عجبي لن ينقضي عندما أجد النظام وفي غباء شديد لا يُحسد عليه، يسعى لإخماده، ويحسب أنّ بإمكانه إغلاق فوهته المتأجّجة بالعنف والقسوة والإرهاب.. لكن المسكين لا يدري أنها غضبة الحليم وانتفاضة المارد الجبّار، بل هي ثورة البركان الهائل التي لا يعلم مداها وآثارها إلّا الله العليم الخبير.. نعم لم يتعلّم النظام الدرس طالما هو مستمر في مواجهة الإحتجاجات السلميّة بالقمع الأمني والبطش والإرهاب البوليسي، مع كونها أعمال مستفزّة جدّاً لا تزيد اللّهب إلّا اشتعالاً، والموج الهادر إلّا اصطخاباً وتموُّراً، لأنّها تضع مسبقاً تصوُّراً مُضَلّلاً خادعاً أنّ هذا الشعب في أصله جبان ذليل رعديد، يكفيه فقط التلويح له بالعصا أو إسماعه قرقعة السوط حتى ينخنس وينزوي ويتوارى بعيداً عن الأنظار خوفاً ورعباً وإرتعاداً.. وهذا أكبر دليل على أنّ العسكر لم يَعُوا الدرس بعد ولم يستوعبوه، رغم تكراره الممل عبر تاريخ السودان الحديث.. فقد قامت ثورتان من قبل سبق بهما الشعب السوداني شعوب الربيع العربي كلّها بعقود منذ ثورة اكتوبر 1964 وحتى ثورة أبريل 1985.. ومع ذلك سأتبرّع وأهدي للمستبدّين في السودان ملخّصاً رائعاً نظمه شاعر العاميّة الفذ محمد الحسن سالم حميد رحمه الله حين أجاد تصوير ووصف الشعب السوداني.. وأتمنى لو كتبه وعلّقه أيّ مسؤول في مكتبه لكي يقرأه ويستذكره بإستمرار حتى يضع شعبه حيث يستحق ويُرَدّد متغنِّياً : عفارم عفارم شعباً مسالم يا حر الإرادة جماعي القيادة وكتين تصادم بروقك تَضَوِّي رعودك تدوِّي رياحك تقصقص رقاب المظالم المُعَز عوض احمدانه