لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جبال النوبة والفونج ودارفور ... قضايا أرض وهوية – (8-9)
نشر في الراكوبة يوم 20 - 07 - 2012


قراءة ثانية لأزمة المناطق المهمشة فى السودان :
جبال النوبة والفونج ودارفور ... قضايا أرض وهوية – (8-9)
عادل إبراهيم شالوكا
[email protected]
الهوية السودانية .. سؤالٌ ذو إجابة خاطئة :-
تعتبر مسألة الهوية فى السودان, هى القضية المحورية فى صراع الهامش ضد المركز, لكون الأمر يتعلق ب"شعور جمعى" إزاء الآخر يختلط ب"الشعور بالذات الجمعية", وهى قضية قديمة متجددة تعود بجزورها كما ذكرنا سابقاً - إلى عصر مؤسسة الرق فى السودان, تلك الحقبة التى خلَّفت وراءها غُبن ومرارات للبعض و (رأس مال رمزى – Symbolic Capital) للآخرين ليتميَّزوا به على غيرهم من الشعوب التى مُورست تجاهها هذه الممارسة البغيضة غير الإنسانية, ونتيجة للمحاولات المستمرة للنُخب الشمالية للهروب من حقائق الواقع فى السودان والبحث عن هوية وهمية غير موجودة إلا فى مخيلتهم لكونهم يتنكرون لهوية حقيقية ظلوا يزدرون منها بإستمرار تحت تأثير ذاكرتهم الجمعية للتاريخ, وظلُّوا يقفزون بإستمرار فوق الحقائق ويربطون هوية الدولة – مستفيدين من سيطرتهم التاريخية على السلطة - بمركز العروبة فى ما يسمى ب(الوطن العربى) دون أن يكونوا (عرب) كما يتوهمون, وعبر وساطات وضغوط كثيفة تم قبول عضويتهم فى الجامعة العربية رغم عدم إقتناع العرب بذلك فجاءت موافقتهم على مضض, وهذا ما يبرر سلوكهم المريض كونهم يحاولون أحياناً أن يكونوا (عُرباناً) أكثر من العرب أنفسهم كما تحدثنا سابقاً, وذلك بتبنيهم لقضايا العرب أكثر من قضايا أفريقيا بما فى ذلك قضايا المناطق المهمشة والمرتبطة ثقافياً وإثنياً بالقارة السمراء ولا يربطها بالعالم العربى سوى اللغة وربما الأسلاف بالنسبة لبعض القبائل المحسوبة على أهل الجزيرة العربية حسب الهجرات التاريخية, فهذه المواقف تعكس الأزمة النفسية التى يعيشونها, وبالتالى فإن العروبة لا تعدو كونها حالة ذهنية لديهم, وتاريخياً عندما إنحازت مشاعر بعض القوميات من الهجين (المُستعرب) و إتجه هواها شمالاً, نجد إن قوميات أخري و أغلبهم من الزنج أو الهجين (المتأزنج) قد إختاروا التصادم كلغة في تعاملهم مع القادمين إلينا من الشمال, و الشاهد علي ذلك أن أغلب المكوِّنات ذات الأصول العربية رفضت أو تأخرت في الإلتحاق بالثورة المهدية التي وقفت في وجه الإستعمار (البريطانى / التركى) المتقدم من الجارة الشمالية (مصر) عام 1898م بل وقفوا مع هذا الغزو وساندوه بشتى الطرق, الأمر الذى جعل زعيم الدولة المهدية الخليفة عبد الله تورشين يلجأ إلي غرب السودان حيث تتوافر كثافة للعنصر الزنجي طلباً للنصرة والغوث, أما الشاهد الثاني فإن الصف الأول من قادة حركة عام 1924م ما يُعرف (بحركة اللواء الأبيض) التي إندلعت في وجه المستعمر البريطاني كانوا من ذوي الأصول الزنجية (علي عبد اللطيف و عبد الفضيل الماظ وغيرهم) بالإضافة إلى قيام العديد من الثورات وحركات المقاومة ضد الإستعمار فى مناطق مُتفرقة فى جنوب وغرب السودان, ومن هنا يتضح جلياً تضارب و تناقض المشاعر الوطنية المشتركة لمكونات المجتمع السوداني المختلفة تجاه مصير و قضايا الوطن الكبرى منذ أمد بعيد, وهذه الحقائق تكشف أيضاً وقوف المُكوِّن (الزنجى) فى السودان ضد كل ما قادم من الشمال (المُستعمر) بإستمرار.
من ضمن العوامل التي تُسبب أزمة الهوية في أية جماعة، عامل مهم ينطبق على السوداني الشمالي, هو التناقض بين تصور الشماليين لذواتهم، وتصورات الآخرين لهم, فالشماليون يفكرون في أنفسهم كعرب، ولكن العرب الآخرين لهم رأي آخر، فتجربة الشماليين في العالم العربي، وخاصة في الخليج، أثبتت لهم بما لا يدع مجالاً للشك، أن العرب لا يعتبرونهم عرباً حقاً، بل يعتبرونهم "عبيداً", وقد تعرَّض كل شمالي تقريباً للتجربة المريرة بمخاطبته ك"عبد", يُمثل عرب الشرق الأوسط، وخاصة عرب الجزيرة العربية، والهلال الخصيب، لُباب الهوية العربية التي يطمح الشماليين للانتماء إليها, فهؤلاء "العرب الأصلاء الأقحاح" يحتلون مركز هذه الهوية، ويتمتعون بصلاحيات إضفاء الشرعية أو سحبها من إدعاءات الهامش (السودان /الصومال/ جيبوتى/ موريتانيا), ويُمثل الشماليون، الدائرة الخارجية من الهوية العربية، ويحتلون الهامش ويتطلعون إلى إدنائهم للمركز، كعلامة من علامات الإعتراف, سحب الإعتراف عن أية مجموعة من قبل الأخريات، وخاصة إذا كانت هذه الأخريات يُمثلن مركز الهوية، يمكن أن يلحق أثراً مؤذياً بهذه المجموعة (الباقر عفيف - 1999م).
ويقول تشارلس تيلور : (يمكن أن يُلحق بالشخص أو مجموعة من الناس، أذى وتشويه حقيقي، إذا عكس لهم المجتمع الذي حولهم، صورة عن أنفسهم، تنطوي على الحصر والحط من الكرامة والإحتقار), وقد كان المركز أبعد ما يكون عن الاعتراف بالشماليين عندما سماهم "عبيداً"، وأبقاهم بالتالي،إذا استخدمنا مصطلح تيلور، "على مستوى أدنى من الوجود ".
آثار الهوية الهامشية على نفسية الشخصية الشمالية:
ويقول د / الباقر عفيف (متاهة قوم سود .. ذوو ثقافة بيضاء) فى وصف آثار الهوية الهامشية على نفسية الشماليين :
( لا أشك إن هذا الموقع الدون، كانت له آثاره على نفسية الفرد الشمالي، فعندما أفاق هذا الفرد، على إن الخصائص المعيارية، المثالية، لهذه الهوية، هي البشرة البيضاء، والشعر الناعم المرسل، والأنف الأقني المستقيم، وجد أنه يفتقر إلى بعض هذه الخصائص والصفات، وإستشعر الحاجة للحصول عليها أو التعويض عنها، فصار مفهوماً أن اللون كلما مال إلى البياض، كلما صار الشخص أقرب إلي المركز، وكلما صار إدعاؤه بالإنتماء العربي أكثر مشروعية, وعندما تتعثر الإستجابة لشرط اللون، كما هو بالنسبة لأغلب الشماليين، يحاول الفرد أن يجد ملاذاً أو مخرجاً في الشَعْر، للبرهان على أصله العربي؛ فكلما كان الشَعْر ناعماً، كلما كان الشخص أقرب إلى المركز . وعندما يفشل المرء في امتحان الشَعْر هو الأخر، يحاول أن يجد ملاذه الأخير في شكل الأنف، وكلما كانت قريبة من المعايير العربية للأنف، كلما كان ذلك أفضل، إذ إنها، على الأقل ستكون شاهداً على أصل غير زنجي) – إنتهى.
وجوهر قضية الهوية فى السودان يكمُن في دورها في تشكيل عدم المساواة الهيكلية (Structural Inequality) بين مكونات المجتمع, وبالتالى فإن إشكال الهوية في السودان يتلخص في أن هناك جماعة من الجماعات ألبست الدولة هويتها "المُفترضة" الخاصة، وظلت تفرضها علي الكل, أي تم إختزال هوية الدولة في هوية هذه الجماعة وفي نفس الوقت تعميم هوية هذه الجماعة على الدولة عبر (جدلية الإختزال والتعميم), وتعتبر (جدلية الإختزال والتعميم ) هي مرتكز إشكال الهوية في السودان حيث أنه بعد أن تم إختزال هوية الدولة في الجماعة المُسيطرة (Dominant) وتم تعميمها علي الجماعات الأخري المًسيطر عليها (Subordinate) وذلك عبر الإختزال (الأثنو- ثقافي) (Ethno-cultural) وهو الذي أدي إلي خلق نظام الإمتيازات المعهود في الدولة السودانية, وأصبحت هناك ثقافة سائدة أدت الي وجود أيديولوجيا سائدة تسعى لتبرير, والمحافظة على هذه الإمتيازات ( د/ أبكر آدم إسماعيل 1997م).
إقصاء ثقافى (Cultural Exclusion) :-
ويمكن إرجاع أزمة الهوية فى السودان إلى عهد ما بعد خروج الإنجليز لأن النخب الشمالية الحاكمة على مر تاريخ السودان قدمت الإجابة الخاطئة لسؤال الهوية .. من نحن ؟ .. فكانت النزعة المستمرة للنُخب الحاكمة تجاه (العروبة والإسلام – الآيديولوجيا الإسلاموعروبية), وقد جاء خطاب البشير فى القضارف مؤكداً لمقررات أول إجتماع إستراتيجى عُقد بعد ما يسمى بثورة الإنقاذ الوطنى عام 1989م كان ذلك فى بداية التسعينات حيث جاء فى هذه المقررات - إن الثورة قد حَسمت مسألة الهوية فى السودان (الإسلاموعروبية) وهو نفس الشىء الذى أكدته النُخب الشمالية بعد خروج البريطانيون مباشرة عام 1956م, الأمر الذى أثار حفيظة القوميات التى لا تنتمى إلى المجموعات الثقافية العربية إلى يومنا هذا, وظل هذا الأمر حاضراً بقوة فى أجندة الهامش وبإستمرار ولا يخلو منفستو جميع الحركات التى حملت السلاح من قبل والتى تحمل السلاح الآن من مسألة الهوية كأحد أسباب الصراع فى السودان وكقضية يجب مخاطبتها وحلها للوصول إلى سلام عادل وشامل بموجبه تتم إعادة هيكلة الدولة وبناء الأمة, وعندما لم تعالج هذه المشكلة بصورة جذرية فى إتفاقية السلام الشامل ذهب الجنوب وترك خريطة السودان مشَّوهة وقابلة للتشَوُه أكثر, وهو الشىء الذى يمكن أن يحدث فى جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور إذا لم تستفيد النُخب الشمالية من درس الجنوب وواصلت دعمها لعمر البشير وحكومته العنصرية وأصبحوا هم أنفسهم عنصريون.
يقول الدكتور / محمد سليمان محمد (السودان : حروب الموارد والهوية) :-
(يأتى معظم أفراد الصفوة الشمالية المُسيطرة على الدولة والسوق من رجال المجموعات العربية و(المستعربة) المسلمة المستقرة وسط السودان على ضفاف النيل (شايقية, دناقلة, جعليين, نوبيين. ... ألخ) ولإحكام سيطرتها الإقتصادية والسياسية سعت هذه الصفوة إلى فرض هويتها العربية – الإسلامية على بقية أهل السودان : الإسلاموعروبية هى آيديولوجية مؤسسة الجلابة ونشرها جزء لا يتجزأ من عملية الهيمنة على البلاد, مواردها وأهلها . هذه الآيديولوجيا تبرر معاملة غير (العرب) وغير المسلمين كمواطنين من الدرجة الثانية, وتبيح للصفوة من مؤسسة الجلابة إستلاب أرضهم ومواردهم بما عليها, وتبرر (حق) هذه الصفوة فى إستغلال قدرة عملهم بأثمان بخسة . إن الهجمتين, على الموارد والهوية وسيلتان للهيمنة التامة على كل السودان موارداً وبشراً) – إنتهى .
قضايا الهوية فى إتفاق نيفاشا :-
وكانت الحركة الشعبية لتحرير السودان قد حاولت أن تخاطب قضية الهوية والدين والدولة فى إتفاقية السلام الشامل الموقع مع حكومة جمهورية السودان فى نيفاشا عام 2005 , غير إن تعنت المؤتمر الوطنى وتمسكه بمواقفه المتصلبة جعل حق تقرير المصير كموقف للتفاض يقفز إلى السطح ويحتل موقعاً متقدماً فى البنود التى تم توقيعها بين الطرفين, وكانت حصيلة المناقشات والبنود التى تم توقيعها فى المسألة الثقافية على النحو التالى :
الفصل الأول : بروتوكول ميشاكوس - المبادىء العامة :-
1-4 : الدين والعادات والتقاليد هى مصدر القوة المعنوية والإلهام بالنسبة للشعب السودانى .
1-5-1 : إقامة نظام ديمقراطى للحكم يأخذ فى الحسبان التنوع الثقافى والعرقى والدينى والجنس واللغة والمساواة بين الجنسين لدى الشعب السودانى .
6-2 : حرية العقيدة والعبادة والضمير لإتباع جميع الديانات أو المعتقدات أو العادات ولا يتم التمييز ضد أى شخص على هذه الأسس .
الفصل الثانى : إقتسام السلطة :
1-6-2-13 : الحق فى الحماية من التمييز : يحظر القانون أى شكل من أشكال التمييز ويكفل للجميع الحماية المتساوية والفعلية من التمييز بسبب العرق واللون والجنس واللغة والدين والآراء السياسية أو غيرها والأصل الوطنى أو الإجتماعى والملكية والنسب أو أى صفات أخرى .
2-8 : اللغات :
2-8-1 : تعتبر جميع اللغات لغات قومية يجب إحترامها وتنميتها وتعزيزها .
قضايا الهوية فى إتفاق أبوجا – 2006م :-
تم مخاطبة قضايا الهوية والقضايا الثقافية عموماً فى إتفاق أبوجا فى البنود : (3 / 14 / 28- و) :-
3. تعتبر الديانات والإعتقادات والتقاليد والعادات مصدرًا لقوةٍ معنويةٍ والهامٍ للشعب السوداني.
14. يعتبر التنوع الثقافي والإجتماعي لشعب السودان أساسا للتماسك القومي ينبغي تعزيزه وتنميته.
28- و : توفر الدولة فرص الوصول إلى التعليم دون تمييز على أساس الدين، الجنس، العرق، نوع الجنسين أو العجز، وكذا الاستفادة من مجانية الرعاية الصحية الأولية ومجانية التعليم الإبتدائي الإجباري.
وتعكس هذه البنود التى تم توقيعها سوى كان فى إتفاق نيفاشا أو أبوجا مدى إستماتة المؤتمر الوطنى ودفاعه عن ركائز مشروعه الحضارى الذى يرتكز بصورة أساسية على الأحادية وإقصاء الآخر الثقافى, وقد تخيَّل لهم إنه بفصل الجنوب سيخلو لهم العرش لفرض رؤاهم المريضة وبالتالى السيطرة على ما تبقى من عناصر (مشوِّهة للنسيج الإجتماعى) والدولة الرسالية, وهذا ما يبرر سلوك بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة فى السودان بعد الإنفصال ومحاولة فرض وتمرير دستور إسلامى لحكم البلاد, ولا زال عمر البشير إلى يومنا هذا يتحدث عن الدستور الإسلامى وعزمه على إصدار دستور دائم للبلاد بمشاركة القوى السياسية تكون مرجعيته الشريعة الإسلامية, لتكون هوية الدولة هى (دولة إسلامية - عروبة).
ترميز تضليلى (كراسى بدون سلطة) :-
يُشكِّل الجلابة - والطبقة المتعلمة وضباط الجيش – ما يطلق عليه الباحث البريطانى : أليكس دى وال المجموعات المسودنة التى تشترك فى تشكيلة عنقودية ذات ملامح مشتركة كاللغة (العربية) والدين (الإسلام) والترميز الثقافى المشترك الذى هو هجين من القيم الثقافية لسكان ضفاف وادى النيل الأوسط وفى شمال البلاد – النُخبة المُسيطرة على الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية فى السودان - فهم يسيطرون بلا منازع على الوظائف القيادية فى الخدمة المدنية وأغلبية المقاعد فى كل الهيئات التشريعية والدستورية القومية وقيادة الجيش والمؤسسات التعليمية والثقافية والإتحادات والنقابات, ويحتكرون تماماً قطاع الأعمال والصناعات والخدمات والتجارة الخارجية .
بينما كانت السمة الرئيسية فى التعامل مع رموز المناطق المُهمشة فى السودان وخاصة الإنتهازية منها, هى المحاولات المستمرة لإستقطابها وإعادة إنتاجها وإحتوائها وإستيعابها بشكل صورى فى الحكومة فى إطار إستراتيجية " الترميز التضليلى " ( طاهر إيلا / كبشور كوكو / عباس جمعة / بشارة دوسة / ....ألخ) , فى محاولة لتضليل هذه الشعوب والرأى العام الدولى وإخفاء مماراساتها ومخططاتها الحقيقية والإستراتيجية تجاه هذه المناطق, وغالباً ما يتم تكليف هذه الرموز بملفات وحقائب وزارية وهمية ويكون القرار الفعلى فى أيدى أشخاص آخرون مثلما حدث من قبل مع مكى على بلايل الذى كان مستشاراً لرئيس الجمهورية لشؤون السلام بينما كان هذا الملف فى واقع الأمر تحت سيطرة مطرف صديق الذى كان يترأسه مكى على بلايل ومن المفترض أن يأتمر بأمره, ولام أكول الذى مُنح حقيبة وزارة الخارجية بعد نيفاشا فى الوقت الذى ذهب فيه مصطفى عثمان إسماعيل بهذه الحقيبة إلى القصر الجمهورى مستشاراً لرئيس الجمهورية للشؤون الخارجية, وقد حاول المؤتمر الوطنى نفس الشىء مع منى أركو مناوى الذى مُنح منصب كبير مساعدى الرئيس ولكنه كان منصباً ديكورياً ليس إلاّ كما قال هو بنفسه, و منى أحد الأذكياء الذين إكتشفوا (الماسورة) ورجع إلى جنوده فى ميادين القتال كما فعل من قبله د/ رياك مشار عام 2000م .
أما عبد الله على مسار, الوزير المستقيل عن وزارة الإعلام الذى ملأ الأرض ضجيجاً فى معركته مع وزيرة الدولة – (سناء حمد) و(جادين) مدير وكالة سونا للأنباء لأنه أراد فرض سلطته المُخوَّلة له بموجب القانون فى الوزارة بعد أن إكتشف الفساد فى الوكالة, فقد تناسى إنه فقط وضع فى ذلك المنصب الرفيع كديكور لإرضاء المهمشين فى غرب السودان عموماً ودارفور على وجه الخصوص, ولذلك عندما أصدر قرار إيقاف (جادين) وإحالته للتحقيق, رأينا كيف عطَّل عمر البشير تلك الإجراءات بهدوء, وأرجع (جادين) لمنصبه,فذهب (مسار) مستقيلاً عن الوزارة غير مأسوف عليه.
وغالباً ما تحاول النُخب الحاكمة توريط مثل هؤلاء فى قضايا فساد وغيرها من القضايا الأخلاقية الأخرى لكسر شوكتهم, وبعدها يسهل تسييرهم والسيطرة عليهم وإستخدامهم ضد شعوبهم قولاً وفعلاً, وقد قام أحمد هارون مؤخراً بحشد العديد من أبناء النوبة فى حكومته بولاية جنوب كردفان لإشراكهم معه فى جرائمه بالولاية بالإضافة إلى محاولة إستخدامهم لتضليل وإستقطاب المواطنين النوبة ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان أو على الأقل دفعهم لعدم تجاوبهم معه, وهو نفسه تم توريطه فى جرائم الإبادة والتطهير العرقى فى دارفور وجبال النوبة, وبالتالى لا خيار أمامه سوى الطاعة العمياء لمرؤوسيه فى المركز.
المقال القادم (الأخير) :-
لتكن هذه الحرب آخر حروب الهامش / ما هى الخيارات / المراجع والمصادر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.