استقبل الإمام الخميني تقريراً سرياً من اللواء محسن رضائي قائد جيش حراس الثورة.. التقرير كان يصف الأوضاع العسكرية في ميدان المواجهة مع العراق.. يخلص التقرير إلى أن طهران لن تستطيع تحقيق أي نصر حاسم على بغداد خلال خمس سنوات.. بعدها طوى الإمام الخميني رسالة قائده العسكري وأعلن في8/8/1988 قبوله بقرار مجلس الأمن الدولي رقم «598» الداعي لوقف سريع لإطلاق النار. التراجع المفاجئ أقدم عليه المهيب صدام حسين.. في أغسطس 1990 وبعد أن احتل صدام دولة الكويت أمر جنوده بالانسحاب من كل الأراضي المتنازع عليها مع إيران.. في لحظة واحدة قرر الرئيس صدام أن يحارب في جبهة واحدة فقدم كل التنازلات. عقب توقيع الاتفاق الإطاري بين حكومتي جوباوالخرطوم والمعروف اختصاراً ب«عقار نافع» كان الفريق عبدالرحيم محمد حسين يرافق رئيس الجمهورية في عربته المتجهة لمسجد النور في كافوري.. المشير البشير ومن المنبر مزق الاتفاق إرباً إرباً.. المحللون أكدوا وقتها أن الجيش غير راضٍ عن الاتفاق.. الآن الفريق عبدالرحيم يقود المفاوضات في أديس أبابا.. الفريق عبدالرحيم بحذر العسكر عاد للخرطوم واجتمع بالرئيس وحده ثم عاد إلى مقر المفاوضات في أديس أبابا. في أرض المستنقعات كان صوت باقان أموم عالياً.. مجموعة باقان ذات الأجندة الأيدلوجية كانت تشير إلى سلفاكير أن يغلق أنبوب الحياة النفطي.. كانت حسابات المجموعة تؤكد أن الخرطوم لن تصمد إلا شهوراً معدودة على الحصار النفطي.. خطة باقان لم تأتِ أكلها فكانت الخطوة التالية الاتجاه إلى هجليج لإيقاف ضخ النفط الشمالي من مصدره الأساسي. السيد باقان أمام وتحت ضغط الواقع يتراجع ويطرح ورقة جديدة أسماها «اتفاق التعاون والعلاقات الأخوية».. مجمل الورقة يتحدث عن تعهد حكومة الجنوب بدفع ثمانية مليارات دولار كتعويض للحكومة السودانية مع تسع دولارات لكل برميل نفط يعبر الأراضي السودانية.. الورقة الجنوبية إن صاحبتها نوايا طيبة ستشكل أساساً للخروج من الأزمة حيت تحتوي على تعهدٍ جنوبي بوقف كل العدائيات وإجراء استفتاء أبيي قبل نهاية العام الجاري واللجوء إلى التحكيم الدولي في المسائل الحدودية المختلف عليها. من جهة أخرى وفي ذات العاصمة الأثيويبة بدأت الحكومة السودانية تفاوضا ثنائياً مع قطاع الشمال.. المفاوضات الحذرة تركزت على الملف الإنساني وفكرة وقف إطلاق النار.. مجرد الجلوس في قاعة واحدة بين الحكومة والقطاع يعتبر اختراقاً كبيراً.. الحكومة رغم أنها شرعت من قبل في التفاوض مع قطاع الشمال ووصل الأمر مرحلة التوقيع الإطاري بين الدكتور نافع على نافع والفريق مالك عقار إلا أنها تراجعت واعتبرت القطاع خارجاً على القانون. في تقديري أن الجانبين في الخرطوموجوبا بدأوا في التفكير بعقلانية.. وجود علاقة تعاون وتكامل ضمانة أساسية لاستدامة السلام.. الحزمة الاقتصادية التي لوّح بها باقان جيدة جداً وتستحق النظر إليها ملياً.. التواصل مع قطاع الشمال أمر يفرضه الواقع والسياسة هي فن الممكن.. الحرب يفرضها رجل متهور واحد والسلام يحتاج لرجلين شجاعين لإبرامه. آخر لحظة