البشير...مطرقة الثورة وسندان الاغتيال؟!!! عبد الله العلي* شدد النظام السوداني قبضته الأمنية على مفاصل العاصمة الخرطوم وعدد آخر من المدن الكبيرة في السودان مستخدما سلاح الاعتقالات والتعذيب بعد اندلاع احتجاجات وتظاهرات واسعة النطاق امتدت لشمل القطر السوداني (او ما تبقي منه) بعد انفصال جنوب السودان من أقصاه إلى أقصاه احتجاجا على سياسة التقشف الاقتصادي التي تبناها النظام بعد فشل كل استراتيجياته الاقتصادية التي غلب عليها الارتجال وفق منهج تجريبي أوصل الاقتصاد السوداني الى ذروة حافة الانهيار الاقتصادي . ومع تصاعد نبرة الاحتجاجات المناوئة للنظام , اقتفى الامن السوداني آثار اسلافه في دول الربيع العربي بطشا وتنكيلا بالمتظاهريين السلميين. اذ على امتداد سنوات حكمه, لم يختلف النظام السوداني كثيرا في سياساته العامة عن النمط السائد للأنظمة العربية البائدة في تونس ومصر وليبيا وبالتأكيد سوريا وان تدثر بعباءة الإسلام. فقد امتاز النظام بالمزواجة البارعة ببن خطاب ديني زائف وبائس استهدف عامة الشعب والبسطاء (نسبة الأمية في السودان عالية جدا ) وبين الادلجة الكلية لمؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية لمصلحة أتباعه وجماعة المنتفعين اللذان يشكلان العمود الفقري للنظام. وانتشر الفساد بصورة جرثومية ليشل دولاب الخدمة المدنية والتي انتشر فيها الفساد بكل اشكاله في وجود الفيتو السياسي لإتباع البشير. واصبح الفساد السمة السائدة للنشاط الاقتصادي العام. وبينما يتوعد البشير جماعات المحتجين والمعارضين وكل من يصرخ من الشعب السوداني مطالبا بالتغيير بالشواء على الطريقة الهتلرية تبدو شوارع السودان في مدنه وأريافه و جامعة الخرطوم وعدد من مؤسسات التعليم العليا السودانية ممثلة في طلابها عصية على الانصياع لهكذا تهديدات.اذ تتواصل نضالات الطلاب وتظاهراتهم اليومية رغم الاعتقال والتعذيب. ورغم اغلاق الجامعة بقرار من جهات امنية. ويتفاءل النشطاء ببقاء جذوة الثورة متقدة معولين على بعض المدن الكبيرة مثل نيالا والابيض و القضارف. من الواضح تماما أن نظام البشير فقد البوصلة السياسية في تتابع مزعج لحالة التوهان الاقتصادي بسبب السياسات البلهاء التي اتبعها حزبه في العقد الأخير لا سيما بعد انفصال الجنوب الذي شكل القافية العرجاء في قصيدة هامدة. النتائج الكارثية لحكم البشير لم تقتصر فقط على الجوانب الاقتصادية في دولة تعظم فيها الموارد بل امتدت أيادي التخريب لتشمل التنوع الموجود في المجتمع السوداني وتمس عقده المترابط.فقد أدت سياسات الحزب العنصرية إلى اندلاع الحرب في إقليم دارفور الذي كان أكثر أقاليم السودان هدؤا واتسم سكانه على امتداد التاريخ بالركون إلى السلام والتسامح , فللقضاء على تمرد محدود في الإقليم قام البشير بتأليب قبائل ضد أخرى مستخدما النعرات القبلية والعنصرية وقام بتسليح ميليشيات منفلتة لا تخضع لاي قوانين ضابطة مما أدى إلى وقوع ابادة جماعية راح ضحيتها 300,000 من مواطني دارفور الأبرياء وتشرد أكثر من 2,500,000 نسمة وأصبح الاقليم منطقة مغفرة غير آمنة تعج بالميليشيات القبلية التي ستصعب من أمر ضبط الاستقرار على أي حكومة قادمة. ونتيجة لإستراتيجية الحزب المعلنة وغير المخفية بتركيز التنمية في محور يرى الحزب تركز مؤيديه فيه فقد اندلعت الثورات المسلحة في كردفان والنيل الأزرق مما جعل السودان كله متمردا في نظر النظام. في الجانب الآخر من المعادلة تبدو المعارضة السودانية شبه عاجزة عن تحريك الشارع السوداني بكلياته بسبب تحجيم دورها السياسي والاعتقالات المنظمة وسط ناشطيها بالإضافة إلى المواقف المبهمة لبعض قادة الأحزاب الكبيرة في السودان مثل حزبي الأمة القومي وحزب الاتحادي الديمقراطي اذ يحتفظ زعيما هذين الحزبين الصادق المهدي وهو آخر رئيس وزراء منتخب في السودان في 1986 ومحمد عثمان الميرغني بمواقف ضبابية تجاه النظام القائم بين التفاوض معه تمهيدا للمشاركة في حكومة موسعة وبين إرسال إشارات متناقضة في بعض الأحايين الأخرى , على كل يرى المحللون السياسيون أن هنالك انفصاما حقيقيا حدث بين قواعد هذه الأحزاب من الشباب والطلاب وبين المواقف السياسية لقياداتها التاريخية مما يجعل الباب مفتوحا داخلها لا كثر من سيناريو. شهداء نيالا والمنعطف الخطر وتفاقم الامر بوضع خطير في اليومين الماضيين مع اشتعال التظاهرات بصورة عنيفة في مدينة نيالا بدارفور حيث تم قمع التظاهرات السلمية باستخدام الذخيرة الحية مما أدى إلى مقتل9 أشخاص وإصابة العشرات معظمهم من طلاب المدارس وبعضهم في وضع حرج للغاية داخل المستشفيات الآن , تزامن ذلك مع ورود أنباء متضاربة بوجود محاولة لا اغتيال الرئيس السوداني داخل منزله عبر احد حراسه في الخرطوم أعقبها سفره المفاجئ إلى دولة قطر التي يحتفظ البشير معها بعلاقات قوية فيما يعتبره البعض ترتيبيا لانتقال سياسي وفقا للنموزج اليمني بمباركة أمريكية. أسامة عبد الله- وريث البشير المرتقب وفد الرئيس السوداني إلى دولة قطر ضم كلا من الفريق أول بكري حسن صالح والذي يعتبر من الجنرالات المقربين جدا للرئيس البشير بالإضافة إلى صلاح ونسي وزير الدولة بالخارجية وهو احد العناصر العقائدية والأمنية الذي يثق بهم الرئيس البشير بشدة وأسامة عبد الله وزير والموارد المائية وهذا الأخير يعتبره البعض ابن البشير الذي لم يلده صلبه , فعلاوة على أن زوجتيهما شقيقتان فالرجل الذي يعتبر من الرموز الشابة داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم كما يعد من القلة المتنفذة فيه وهو مرشح بقوة لخلافة البشير على كرسي الرئاسة وفق صفقة أمريكية عبر وساطة قطرية وفق ما رشح من أنباء وتحليلات , وعلى الرغم من أن الهدف المعلن للزيارة إلى دولة قطر هو للتباحث حول سير عملية السلام في دارفور فان الواقع يكذب هذه الرواية بشدة , فالوفد الذي سافر مع الرئيس البشير إلى الدوحة لا يتضمن أي من المختصين بملف دارفور في الحكومة السودانية كأمين حسن عمر أو أي من أعضاء وفد الحكومة الذين شاركوا في إعداد وثيقة الدوحة. وهو ما يرجح بقوة التحليل القائل بأن الرئيس البشير قد تم استدعاؤه إلى الدوحة أمريكيا للاتفاق على تفاصيل الخلافة المفترضة التي ينبغي أن تتم بصورة هادئة حتى لا تتأثر مصالح دولتي السيناريو الولاياتالمتحدة وقطر حال حدوث انقلاب من داخل النظام يعتبره البعض وشيكا نظرا لتصاعد الأحداث في الفترة الأخيرة.. فالولاياتالمتحدة بهمها جدا بقاء نظام البشير في الوقت الحالي بسبب التعاون الأمني والاستخباراتي الكبير (في اتجاه واحد بالطبع) بين البلدين والخدمات الجليلة الأخرى التي يقدمها نظام الخرطوم للولايات المتحدة في القرن الإفريقي وليبيا وفي مناطق أخرى قريبة للسودان!!؟ لكن السؤال المهم هو هل سيمهل الداخل السوداني سيناريو الإحلال والإبدال الخارجي الوقت ليتم في هدوء وبلا ضجيج. أم ستقود انتفاضة نيالا إلى تشجيع حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان وشركاؤهم في الجبهة الثورية السودانية على تحقيق مفاجأة في الجزء الغربي من البلاد في الأيام القليلة القادمة لتصبح نيالا بنغازي الجديدة!!!؟ . نقطة أخرى مهمة ستكمل المشهد وهي المتعلقة بموقف الأطراف المتناحرة داخل النظام نفسه حيال النموذج اليمني لا سيما مع وجود شروخات عميقة بين موقفي الرجلين الأكثر نفوذا دخل نظام البشير : نائبه علي عثمان طه وكبير مساعديه نافع علي نافع وإذا ما أضفنا ما تواتر من أنباء عن محاولة الاغتيال الفاشلة للبشير قبل يومين سيصبح الوضع السوداني مفتوحا على كافة الاحتمالات وقد ينفجر بركان السودان السياسي في أي لحظة. ---------- * كاتب سوداني