بالمنطق دنيا ..!!! صلاح الدين عووضة *العاصميون من جيل ما قبل الإنقاذ يذكرون - ولا شك - رجل ميدان الأممالمتحدة ذاك الذي كان يقيم بجوار سوره الشمالي.. *كان يملك من متاع ( الدنيا) فرشاً مهترئاً ، وإبريقاً (مُطفَقاً) ، وثياباً رثة ، و(بقجة) لا أحد يعلم ما بداخلها .. *لم يكن متسولاً - محترفاً - رغم إن حاله كان يُوحي بذلك ... *ولكن إن جاد عليه شخص بشيء ما فإنه ما كان يرفضه ... *ما كان ينطق أبداً ؛ فإن فعل فلا يزيد عن كلمة ( دنيا ) ... *ولم نكن ندري ما يعنيه بمفردة (دنيا) هذه ... *هل كان يسخر ، أم يتحسر، أم ( يتفلسف) ؟! ... *وبما أننا كنا طلاب فلسفة - آنذاك - فقد أعجبنا أن نرجح الاحتمال الأخير هذا فسميناه ( الفيلسوف) .. *فكلمة ( دنيا) - وفقاً للطريقة التي كان ينطقها بها - لا يمكن أن تصدر إلا عن متفلسف .. *فربما رأى من ( الدنيا !!) هذه ما جعله ملازماً لميدان محسوب إسمه على شعوب (الدنيا !!) كلها .. *وربما لم يكن (يضحك) - حسب الحكمة الشعبية المعروفة - فلم ( تضحك الدنيا معه !!) .. *وربما حدث له في دنيتنا هذي - أو (دنيانا وقتذاك !!) - مثل الذي حدث لزميل لنا ( بعثي) فأضحى منتظراً يوم ( البعث) من أجل (القصاص!!) .. *أو ربما تنكرت له (الدنيا) كما تنكرت لزميل لنا- آخر- فتاة إسمها ( دنيا) فكاد أن يحجز لنفسه مكاناً بجوار الذي أقام فيه هو نفسه .. *وأياً ما كان السبب الذي جعل من رجلنا ذاك فيلسوفاً ( أممياً) يردد كلمة ( دنيا) فإنه ما عاد مهموماً ب(الدنيا !!) .. *وصفة ( أممي) نعني بها هنا انتساب الموصوف إلى ميدان الأممالمتحدة .. *ولكن ( المحلية) قد تكون أحياناً هي الطريق نحو( الأممية) - أو العالمية – كما حدث لروايات أديبنا الطيب صالح .. *أو كما حدث - كذلك - للأديب المصري نجيب محفوظ ... *أما ( دنيا) أديبينا المحجوب وعبد الحليم - التي ( أماتاها!!) - فقد طبقت شهرتها الآفاق رغم جهل الناس بالاسم الحقيقي لل(دنيا) تلك .. *وربما سمياها كذلك لأنهما رأيا منها نحواً من الذي جعل فيلسوف الأممالمتحدة لا ينطق بسوى كلمة ( دنيا) .. *وصباح يوم فوجئ الناس باختفاء صاحب كلمة (دنيا) هذه عن (دنيانا) ..... *اختفى تماماً ؛ بفرشه وإبريقه و(بقجته) ..... *هو شيء مثل (موت دنيا) لدى كل من المحجوب وحليم .... *وعقب اختفائه ذاك بيوم واحد القى النميري خطابه (الاستفزازي !!) االشهير ذاك .. *لقد كان أول خطاب سياسي (صادمٍ !!) لشعب يشتهر ب(المصادمة !!) منذ الاستقلال ... *بل ومنذ أيام بعنخي - مروراً بعهود الاستعمار - وإلى أيام الناس تلك ... *وضرب الناس أكفاً بأكف وهم يدمدمون غضباً ( دنيا والله !!) ... *ثم ( ثاروا)........... و(ثأروا) .. *ولكن فيلسوفنا لم يُر بعد ذلك أبداً ....... *وما جعل الناس يفتقدونه - بعد الثورة - هو تشوقهم لسماع كلمة (دنيا) .. *فقد كان ذلك هو وقتها تماماً على وقع موسيقى تصويرية لأغنية ( إنت يا مايو الخلاص ) .. *فهي باتت تُقرأ : إنت يا مايو ...............(خلاص!!) .. *ودنيا .........!!!!!! الجريدة