.. [email protected] الزعيم الراحل اسماعيل الأزهري عليه الرحمة ، عرف بالبساطة والطيبة ودماثة الأخلاق ، يقال والعهدة على الراوي أن أحد أنصاره ، كان يتردد عليه بين الحين والآخر ، من أطراف أم درمان في منزله و على ظهر حماره الذي يعتزبه كثيرا ، فكان الأزهري يكرم ضيفه ويعلف دابته ! انقطع الرجل لعدة ايام استغرب الزعيم غيبته فارسل في طلبه ، وعند حضوره سأله ان شاء الله خير ما الذي جرى لك ؟ أجابه الرجل بان حماره قد مات ! فما كان من الزعيم الا الارتماء في حضن صاحبه باكيا ومعزيا ومعاتبا على عدم ابلاغه بالخبر ! الان حكوماتنا الرشيدة التي تحكم بشرع الاسلام الذي ينادي باكرام الانسان حيا وميتا ، لم تكلف نفسها لا بالعزاء في شهداء نيالا ولا باستدعاء واليها المحترم للتحقيق معه في الحادثة ، بل جعلت منه الحكم وهو الخصم ليقوم بتشكيل لجنة ، معروف سلفا تقريرها وعلى من سترمي باللوم ! هكذا كانت دائما الانقاذ تتعاطى مع أهل الريف والهامش ، فكان ذلك النهج هو سبب رفع السلاح والتمرد وانفتاح الجروج التي تتوالد منها الجروح ، بل أن سياسة التركيز على مناطق بعينها بالعطف التنموي هو ما دفع الملايين للنزوح الى العاصمة التي أصبح تكدس ثلثي الشعب السوداني في متونها وأطرافها ، يشكل الهاجس الأمني الأكبر الذي يدفع المسئؤلين على كل مستوياتهم في اتجاه السعي لمحاولة استعطاف ساكني العاصمة من ناحية ، ونشر التحوطات الأمنية التي تفتح عليها العيون بالهلع والسهر والحمى من جهة أخرى ! فنجد الرئيس ونوابه يتسابقون لزيارة لاعبي الكرة والفنانين والمفكرين وربما غدا تضاف فئات أخرى ، للزيارات المنزلية ، بغرض استحلاب عواطف أهل العاصمة من خلال تلك الفئات وكأن الريف ليس فيه الألاف من المنسيين الذين قدموا الغالي والنفيس للوطن وفي كل تلك المجالات وغيرها ! بالطبع نحن لا نستنكر تكريم أحد من كل الذين طالهم التذكر وهم أهل للتكريم بكل أشكاله ، ولو في الوقت الضائع بعد أن أهملوا كثيرا ، وهي حسنة لاتحسب للانقاذ وقادتها باعتبارهم المبتدعين لها ، وانما ذلك من صميم الأخلاق السودانية التي تساقطت الكثير من جزئياتها بفعل الانقاذ وقد صنفت الناس ، ما بين خيار العاصمة وفقوس الريف ، بل اعتبرت أهل الهامش ، هم مجرد كومة سوس ليست الا ! فشتان بين اخلاق الزعامة التي تبكي نفوق الحمار ، وبين الزعامة التي تعترف بعشرة الالاف نافق من تعداد شعبها الذي اثقلت ظهره بذل العيش ولم تشعر بثقل الذنب على ظهرها والعدد الحقيقي لمن غادروا الدنيا في عهدها الميمون والفريد ، تجاوز المليونين من ضحايا الحروب شمالا وغربا وجنوبا وشرقا ، هذا بخلاف ضحايا الجوع والمرض والفقر في الوسط وفي أطراف العاصمة ، وملايين الشتات في جهات الأرض الأربع ! فكيف لحكومتنا أن يهتز لها جفن حيال اثني عشر طالبا يافعا فقط ، تري أن باطن الأرض خير لهم من ظاهرها في ظل مستقبل غير مضمون ، وان نالوا من العلم درجات عليا، طالما أنهم سيحسبون على فئة السوس غير المرغوب فيه وليس الخيار ولا حتى الفقوس ! ولعل حكامنا الغافلون قد سمعوا بقصة ما فعل السوس ، بمنسأة سيدنا سليمان لحكمة يعلمها المحيي والمميت، وقد ظلت جحافل الجن ترقب وقفته متكئا عليها زمانا وتحوم حوله ساجدة ظنا منها انه لا زال حيا، حتى هزت ذات الريح التي كانت مسخّرة للنبي الملك في حياته تلك العصاة وقد نخرها وكسرها أضعف المخلوقات ! فالدنيا لو كانت تدوم للبشر لكان الأنبياء والرسل أحق بها وبديمومة حكمها لو يعلم الظالمون في حلم الغفوة الخادعة والسابحون في سراب الغرور الضحل ! وما الدائم الا وجه الله ..