لم يكن غريباً أنه هو الذي انفرد بلقب الزعيم على كثرة السياسيين والمتزعمين في البلد.. ولم يكن ذلك كثيراً عليه فهو الأكثر ارتباطاً بتلك الإنجازات الكبرى - المتمثلة في الجلاء والسودنة والاستقلال - التي تحققت منتصف خمسينيات القرن الماضي. وكان الزعيم إسماعيل الأزهري هو الأكثر ارتباطاً بذلك بحكم رئاسته للحزب الاتحادي الذي قاد الوطن لتحقيق تلك الإنجازات. وصحيح أن سياسياً آخر هو الطيب محمد خير رئيس حزب الأحرار وأحد أقطاب الحزب الوطني الاتحادي حمل لقب الزعيم وقد كان وطنياً كبيراً وخطيباً مفوّهاً لكن زعامته كانت محدودة، إذ كانت زعامة الأزهري هي الأكثر انتشاراً، ثم بعد انسحابه من انتخابات الحكم الذاتي التي أجريت في مثل هذه الأيام من عام 1953م فإن زعامته تراجعت أكثر وأكثر وما عاد يُنادى بالزعيم إلا في دائرة ضيقة تضم معارفه وأصحابه. وكان الطيب محمد خير، رحمه الله، هو مرشح الحزب الوطني الاتحادي في دائرة كوستي وكان المرشح الآخر هو السيد الصديق عبدالرحمن المهدي رئيس حزب الأمة الذي فاز بالتزكية بعد انسحاب الطيب محمد خير. لقد انفرد السيد إسماعيل الأزهري بلقب الزعيم وبدأ التآمر ضده من أطراف كثيرة خارجية وداخلية منذ أيام الحكم الذاتي فكان تمرد توريت في أغسطس 1955م. ثم لقاء السيدين علي الميرغني زعيم الختمية وعبدالرحمن المهدي إمام الأنصار ومما ترتب على ذلك اللقاء إقصاء الزعيم الأزهري من رئاسة الحكومة وتشكيل أخرى برئاسة العميد عبدالله خليل الأمين العام لحزب الأمة. وقيل كثيراً أن أحد أسباب تسليم العميد عبدالله خليل الحكم للقوات المسلحة في 17 نوفمبر 58 كان الحيلولة بين الزعيم الأزهري والعودة إلى الحكم وقد كانت تلك العودة واردة سواء أبائتلاف الحزب الوطني الاتحادي الذي يقوده الزعيم الأزهري مع حزب الأمة أم باندماج حزبه مع حزب الشعب الديمقراطي الذي يرأسه الشيخ علي عبدالرحمن ويدعمه الختمية. وبعد ثورة أكتوبر 64 ثم انتخابات 65 عُدل دستور السودان المؤقت الذي عاد العمل به بعد أكتوبر ليصبح الزعيم الأزهري رئيساً دائماً لمجلس السيادة والراجح أن ذلك تمّ من باب التكريم للرجل الذي قاد عملية إنشاء دولة السودان المستقل الذي مساحته مليون ميل مربع وتمتد حدوده من نمولي إلى حلفا ومن الجنينة إلى بورتسودان. لكن اليساريين عموماً والشيوعيين خصوصاً أخذوا يكثّفون هجومهم على الزعيم بعد رئاسته الدائمة لمجلس السيادة ثم بعد حل الحزب الشيوعي عام 1965م وقد أسرفوا في هجومهم وتهكمهم على الزعيم وكان رسّام الكاريكاتير الراحل عز الدين عثمان أحد هؤلاء المسرفين وكان منهم أيضاً الصحفي الشيوعي صاحبنا العزيز وأستاذنا عبدالله عبيد. ومرت السنوات والعقود وينحسر الهجوم على الزعيم وتتوقف تماماً الإساءة إليه ويكبر في نفس الوقت إنجازه العظيم. وسوف ترتفع النظرة له إلى عنان السماء.. وإذا ما تم تقسيم السودان إلى دولتين يناير القادم فإننا سوف نعتذر له على تفريطنا في الأمانة وسوف نقول له.. لماذا قبلتَ المجيء إلينا فمثلك كانَ كثيراً علينا