الثورة السودانية ما بين التمنيات و الواقع الطيب حسن [email protected] الناظر للساحة السياسية السودانية المتعطشة لعملية التغيير المتطلع لانجاز الثورة السودانية يلاحظ الهدوء النسبي الذي طرأ عليها بعد رأينا بوادرها تلوح للعيان والتي فجرتها طالبات جامعة الخرطوم مساء السبت الموافق السادس عشر من يونيو بمظاهرة سلمية من مجمع الداخليات المعروف بأسم (البركس) احتجاجا على رفع أسعار رسوم التسجيل في الداخلية وارتفاع الأسعار عموما ، تفاعلت الجماهير المتشوقة لعملية التغيير في اغلب مدن السودان فقامت بتنظيم عدد من الجمع ابتدرنه ب"جمعة الكتاحة" التي حمل اسمها مضمون و دلالات استطاعت إن تعبر بشكل جيد عن الجماهير السودانية التي تفاعلت وخرجت مع بودار الثورة التي أشعلتها طالبات جامعة الخرطوم. مرورا ب "جمعة لحس الكوع" التي كانت بمثابة تحدي واضح في القدرة على الخروج للشارع والوقوف بشراسة وبسالة ساخرة بمن كانوا يستبعدون ذلك. قبل أن يصلوا إلى "جمعة شذاذ الآفاق" معتبرين أن ما تم وصفهم به في الجمعتين التي سبقتها تهمة لا ينفونها وشرف لا يدعونه ولم ولن تنتهي بجمعة الكنداكة التي دعمت الوقفة الشرسة لحواء السودانية في وجه الاستبداد والعنف غير عابئة بما مورس عليها من ضرب واعتقالات. تعاملت الحكومة مع بودار الثورة كغيرها من الحكومات الاستبدادية والطاغوتية بالقتل بمدينة نيالا ، الغاز المسيل للدموع، سجن النساء والرجال،و محاصرة المساجد واعتقال بعض الناشطين و الصحفيين والمصورين ، ثم الحديث عن المظاهرات إما بنفيها "جيت من هناك اسي ومافي حاجة" او التقليل من قيمتها و وصفها بانها صنيعة صهيوأمريكية وبأن هذه الإحتجاجات ضد الشريعة. مجموعة من الاسباب اعتقد انها كانت خلف ذلك الهدؤ منها حملة الاعتقالات المنظمة والتكتيكية التي قامت بها اجهزة الدولة الامنية لمجموعة الناشطين والصحفيين والمصورين والتي كانت تحتاجهم الثورة خصوصا في بداياتها لكسر حاجز الخوف الذي تراكم طوال الثلاثة وعشرون عاما الفائتة. بالإضافة انشغال الجماهير "بلقمة العيش" بعد ان أصبحت الكيفية في توفيرها هاجس يؤرق جفن كل مواطن وشغله الشاغل ولا يشفع له في ذلك لهثه طوال اليوم في سبيلها واكتفي بوجبة واحدة وهو ليس بتجني ولكنها الحقيقة الواحدة التي جهر بها برلمان الصفقة عندما حذرت احدى عضواته من طوفان السودانيين اذ صار من الترف والعادات السيئة التفكير في ثلاث وجبات ، يحمد الله على انقضاء اليوم ويخشى إشراقة اليوم الجديد. شهر رمضان المعظم ايضا كان له حظ ضمن تلك الأسباب اذ ذاد من إعياء المواطنين المعيين اصلا بسبب الفقر والجوع عدم تجاوب بعض قطاعات الشعب مع جزوه الثورة لأسباب كانت خلفها سياسات المؤتمر الوطني نفسه ،إلا ان السودانيين صانعي أعظم ثورتي بالمنطقة في القرن المنصرم اذكياء يعلمون السياسة ومجاهيلها وما صبرهم على الطغمة الحاكمة الا بسبب الاشارات السلبية التي تتطلقها كتلة المعارضة الواقعة ما بين ترغيب وترهيب النظام الكذوب لصنع مذيذا من حيل البقاء فكانت منها "البديل منو" اعتقد انه سؤال الطغاة المفضل و استطاع جهاز الأمن إقناع عامة المواطنين به غير واضعين في الاعتبار العدد لا محدود من السودانيين ذوي الكفاءات العالية والنادرة غير انهم لم تتح لهم الفرصة بسبب الاقصاء المتعمد من الحركة الاسلامية لكل من لم يكن لها الود ولم يكبر ويهلل لاكاذيبها وكاد اجزم و اراهن على ان أي مواطن عادي سيكون اجدر من الذين جاءوا ليلا على ظهر الدبابات وبعد عقدين من الزمان بات الدفاع عن ارض الوطن التي قطعوا اوصالها بالنظر. من حيل النظام المكشوفة تبخيس أعظم منتوج إنساني وللمفارقة باتت ادبياتهم وشعاراتهم تقول عن الديمقراطية ما لم يقله مالك في الخمر بيد أن دموع الثائرين في خرطوم يونيو يوليو عندما طالب بالحرية والديمقراطية كان رد السلطان "جربنا حكم الديمقراطية و لم تنجح والحديث عن صفوف العيش" استطيع آن أقول نعم أن الديمقراطية لم تقم بفعل ما كان يجب عليها فعله وأخرها حماية نفسها من السطو التي انقض عليها بذات ليل اغبر من قبل سدنة وتجار الدين غير أني انحاز إليها لعلمي أن الديمقراطية سلوك قبل ان كون ممارسة ويفقد بعض السودانيين الوعي بالديمقراطية لتجربتهم المحدودة بها لكونها انها لم تتح لها الفرصة لإكمال دورتها اذ تكمن ميزة الدمقراطية في انها تعالج نفسها بنفسها اذا ما وضعنا في الاعتبار ان جميع فترة الديمقراطيات الثلاث لم يتجاوز الاحدى عشرة عاما لم تقسم الديمقراطية السودان ، لم تمزق أطرافة، لم تشعل الحرب في عدد كبير من مدنه ، لم تحتل دول الجوار بعض مدنه ، لم تشرد الاسر السودانه بدافع الصالح العام ، لم تشوه اسم الدين ،لم تبني العمارات الشاهقة. في الوقت الذي يرزح أكثر من 90% من الشعب السوداني تحت خط الفقر ويحرم 50% من أطفال السودان في سن التعليم من الالتحاق بالمدرسة ويموت الأطفال والأمهات بسبب ضعف الخدمات الطبية وسؤها بسبب ضعف التمويل الذي تقدمه حكومة الإنقاذ للصحة والتعليم في الوقت الذي تنفق ما يزيد عن 77% من موارد ميزانيتها على الأجهزة الأمنية كل المعطيات تفيد ان الثورة تنمو في أحشاء الظلم والقهر والحرب والفقر المدقع والمحسوبية بصمت وبطء، ولكن بشكل أكيد وحتمي ، ان تحدي الظلم وقهرة يحمل في النهاية معنى الانتصار تحقيقا للحرية والكرامة التي تصبح رمزا للحياة مواصلة الثورة السلمية هو السبيل الوحيد لتحقيق الذات